الوهاب -جل جلاله-

د عبدالله بن مشبب القحطاني

2021-01-01 - 1442/05/17 2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/اسم الله الوهاب حقيقته ومعناه 2/بعض هبات الوهاب على أوليائه وعباده 3/الدعاء سبب لنيل هبات الوهاب.

اقتباس

خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ، أَحْيَاكَ وَأَمَاتَكَ، حَبَاكَ وَأَعْطَاكَ، أَمْرَضَكَ وَشَفَاكَ، أَجَاعَكَ وَأَشْبَعَكَ، أَظْمَأَكَ وَسَقَاكَ، أَضْحَكَكَ وَأَبْكَاكَ، عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَعَرَّفَكَ مَا كُنْتَ تَجْهَلُ، هَيَّأَ رِزْقَكَ؛ أَجَابَ.. إِنَّهُ الْوَهَّابُ -جَلَّ جَلَالُهُ-؛ الَّذِي يُحَوِّلُ الدَّمْعَةَ بَسْمَةً، وَالْخَوْفَ أَمْنًا، وَالْفَزَعَ سَكِينَةً، بَشَّرَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: خُطْبَتُنَا الْيَوْمَ عَنِ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى مَا سَمِعَهُ خَائِفٌ إِلَّا أَمِنَ، وَلَا مُفْزُوعٌ إِلَّا سَكَنَ؛ إِنَّهُ اسْمُ اللَّهِ (الْوَهَّابُ) عَزَّ جَاهُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ؛ فَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ- وَاسِعُ الْهِبَاتِ، شَمِلَ كُلَّ الْكَائِنَاتِ فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، لَا يَنْقَطِعُ نَوَالُهُ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ، يُعْطِي مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَلَا وَسِيلَةٍ، وَيُنْعِمُ بِلَا سَبَبٍ وَلَا حِيلَةٍ؛ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آلِ عِمْرَانَ: 8]، (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ)[ص: 9].

 

وَكَذِلِكَ الْوَهَّابُ مِنْ أَسْمَائِهِ *** فَانْظُرْ مَوَاهِبَهُ مَدَى الْأَزْمَانِ

أَهْلُ السَّمَاوَاتِ الْعُلَا وَالْأَرْضِ عَنْ *** تِلْكَ الْمَوَاهِبِ لَيْسَ يَنْفَكَّانِ

 

فَسُبْحَانَهُ مِنْ خَلَّاقٍ عَظِيمٍ، جَوَادٍ كَرِيمٍ وَهَّابٍ؛ الْكَرَمُ: صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، وَالْجُودُ: مِنْ أَعْظَمِ سِمَاتِهِ، وَالْعَطَاءُ: مِنْ أَجَلِّ هِبَاتِهِ، فَمَنْ أَعْظَمُ مِنْهُ جُودًا؟ الْخَلَائِقُ لَهُ عَاصُونَ، وَهُوَ لَهُمْ مُرَاقِبٌ، يَكْلَؤُهُمْ فِي مَضَاجِعِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْصُوهُ، وَيَتَوَلَّى حِفْظَهُمْ كَأَنَّهُمْ لَمْ يُذْنِبُوا، يَجُودُ بِالْفَضْلِ عَلَى الْعَاصِي، وَيَتَفَضَّلُ عَلَى الْمُسِيءِ؛ مَنِ الَّذِي دَعَاهُ فَلَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي سَأَلَهُ فَلَمْ يُعْطِهِ؟ أَمْ مَنْ ذَا الَّذِي أَنَاخَ بِبَابِهِ فَنَحَّاهُ؟

 

سُبْحَانَ مَنْ يُعْطِي الْمُنَى بِخَوَاطِرٍ *** فِي النَّفْسِ لَمْ يَنْطِقْ بِهِنَّ لِسَانُ

سُبْحَانَ مَنْ هُوَ لَايَزَالُ وَرِزْقُهُ *** لِلْعَالَمِينَ بِهِ عَلَيْهِ ضَمَانُ

 

نِعَمُ اللَّهِ تَتْرَى عَلَى الْعَبْدِ مُنْذُ كَانَ نُطْفَةً فِي بَطْنِ أُمِّهِ، ثُمَّ صَوَّرَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، ثُمَّ غَذَّاهُ وَسَقَاهُ وَكَسَاهُ وَآوَاهُ وَكَفَاهُ، وَمِنْ كُلِّ مَا سَأَلَ أَعْطَاهُ، وَاللَّهُ -تَعَالَى- يَقُولُ لِلْعَبْدِ: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[الْبَلَدِ: 8-10]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فَاطِرٍ: 15].

 

خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ، أَحْيَاكَ وَأَمَاتَكَ، حَبَاكَ وَأَعْطَاكَ، أَمْرَضَكَ وَشَفَاكَ، أَجَاعَكَ وَأَشْبَعَكَ، أَظْمَأَكَ وَسَقَاكَ، أَضْحَكَكَ وَأَبْكَاكَ، عَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، وَعَرَّفَكَ مَا كُنْتَ تَجْهَلُ، هَيَّأَ رِزْقَكَ؛ أَجَابَ دُعَاءَكَ، لَبَّى نِدَاءَكَ، قَهَرَ عَدُوَّكِ، أَرْسَلَ لَكَ رَسُولًا، وَعَلَّمَكَ كِتَابًا، وَهَدَاكَ مَنْهَجًا.. وَبَعْدَ هَذَا تَعْصِيهِ؟ (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ)[عَبَسَ: 17].

 

إِنَّهُ الْوَهَّابُ -جَلَّ جَلَالُهُ-؛ الَّذِي يُحَوِّلُ الدَّمْعَةَ بَسْمَةً، وَالْخَوْفَ أَمْنًا، وَالْفَزَعَ سَكِينَةً، بَشَّرَ اللَّيْلَ بِصُبْحٍ صَادِقٍ، بَشَّرَ الْمَهْمُومَ بِفَرَجٍ مُفَاجِئٍ، بَشَّرَ الْمَنْكُوبَ بِلُطْفٍ خَفِيٍّ.

 

خَزَائِنُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَنْفَدُ، وَهُوَ الْقَائِلُ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غَافِرٍ: 60]؛ فَمَنْ دَعَا اللَّهَ فَلْيُعَظِّمِ الْمَسْأَلَةَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ فَهَذَا سُلْيَمَانُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَطْلُبُ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[ص: 35].

 

وَهَذَا زَكَرِيَّا -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يُصَابُ بِالْكِبَرِ وَامْرَأَتُهُ عَاقِرٌ؛ وَمَعَ ذَلِكَ يَقُولُ: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)[آلِ عِمْرَانَ: 38].

 

وَخَيْرُ مَا وُهِبَ لِلْبَشَرِ: النُّبُوَّةُ وَالْكِتَابُ وَالْحِكْمَةُ وَالْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ؛ وَلِذَا؛ خُصَّ بِهَا وَبِحَمْلِهَا أَشْرَفُ الْخَلَائِقِ، فَهَؤُلَاءِ آلُ إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، قَالَ تَعَالَى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا)[النِّسَاءِ: 54]، وَأَكْرَمَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالسَّبْعِ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ؛ (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)[الْحِجْرِ: 87]، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.

 

وَالْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ وَالْمَالُ وَالذِّرَّيَةُ وَالْعَافِيَةُ جَمِيعُهَا مِنَ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ؛ (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 247]، (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)[الشُّورَى: 49]، (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 26].

 

وَأَعْظَمُ مَا يَدْعُو الْعَبْدُ بِهِ رَبَّهُ؛ دُعَاءُ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ عَرَفُوا سِرَّ مُنَاجَاةِ اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى؛ فَسَأَلُوهُ الثَّبَاتَ وَالرَّحْمَةَ؛ (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[آلِ عِمْرَانَ: 8].

 

وَلِذَا؛ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، نَتَلَفَّظُ بِهَا، وَنَرْجُو أَنْ يَهَبَهَا اللَّهُ لَنَا، وَهِيَ: الْهِدَايَةُ؛ (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الْفَاتِحَةِ: 6].

 

اللَّهُمَّ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ وَاجْعَلْنَا مِنْ أَوْلِيَائِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَنْ يَسْأَلُهُ، بَلْ لَوْلَا دُعَاؤُهُمْ لَمْ يُبَالِ بِهِمْ؛ (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)[الْفُرْقَانِ: 77]، وَمِنَ الدُّعَاءِ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ مَا عَلَّمَنَا إِيَّاهُ رَبُّنَا فِي قَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الْفُرْقَانِ: 74]، بَلْ وَعَدَ بِالْجَنَّةِ بَعْدَ هَذَا الدُّعَاءِ؛ (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا)[الْفُرْقَانِ: 75].

 

وَجَاءَ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "يَدُ اللَّهِ مَلْأَى، لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ..."(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ -وَهَذَا لَفْظُهُ-، وَمُسْلِمٌ).

 

فَرَبُّنَا -سُبْحَانَهُ- يَهَبُ الْعَطَاءَ فِي الدُّنْيَا عَلَى سَبِيلِ الِابْتِلَاءِ، وَيَهَبُ الْعَطَاءَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى سَبِيلِ الْأَجْرِ وَالْجَزَاءِ؛ فَعَطَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهِ، وَابْتَلَاءُ النَّاسِ بِحِكْمَتِهِ؛ لِيَتَعَلَّقَ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَالرَّجَاءِ، وَيَسْعَدَ بِتَوْحِيدِهِ وَإِيمَانِهِ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالْقَضَاءِ، وَهَذِهِ أَعْظَمُ الْهِبَاتِ وَالْعَطَاءِ؛ إِذَا أَدْرَكَ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ الِابْتِلَاءِ.

 

وَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ ذَلِكَ؛ أَوْرَثَ هَذَا الِاسْمُ مَحَبَّةَ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَالْقِيَامَ بِحَمْدِهِ وَشُكْرِهِ، وَالتَّعَلُّقَ بِهِ عَلَى الدَّوَامِ.

 

لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ يَا خَيْرَ وَاهِبٍ *** وَيَا خَيْرَ مَرْجُوٍّ لِنَيْلِ الْمَآرِبِ

وَيَا خَيْرَ مَنْ يُرْجَى لِكَشْفِ مُلِمَّةٍ *** وَيَا خَيْرَ مَنْ يُسْدِي الْعَطَا وَالْمَوَاهِبِ

 

اللَّهُمَّ هَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً؛ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

 

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

الوهاب جل جلاله.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات