عناصر الخطبة
1/ حين تهتم الأمة بوقتها 2/ما هو الوقت؟ 3/أهمية الوقت وتنويه القرآن بفضله 4/أقسام الوقت 5/حرص السلف على أوقاتهم 6/حظ النفس في الترويح.اقتباس
فمن حافظ على وقته ترقى في درجات الكمال، ومن أضاع وقته نزل في دركات الوبال، ومن لم يتقدم فهو في تأخر، ومن لم يتقدم إلى الجنة بالأعمال الصالحة؛ تأخر إلى النار بالأعمال السيئة، فخسر الدنيا وخسر الآخرة. الوقت ينقسم قسمين: وقت زماني ووقت مكاني، فالوقت الزماني هو الذي يتعلق بعمر الإنسان...
الخطبة الأولى:
روى البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". أي نعمتان يخسرهما كثير من الناس، وروى البخاري عن أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة".
وعن ابن عباس قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك". وروى البزار والطبراني عن معاذ بن جبل قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به".
أيها الأخوة الكرام: لقد استحقت أمتنا أن تكون أمة قيادة وأمة ريادة؛ حينما اهتمت بأوقاتها, وعلمت أنها مسؤولة عن وقتها، لقد اهتم الإسلام بالوقت اهتماماً بالغاً، بل لم يعرف التاريخ أمة من الأمم كأمة محمد, اهتمت واعتنت بوقتها عناية بالغة. وهذا نراه واضحاً في كتاب الله وسنة رسول الله وسلوك السلف, فما هو الوقت؟.
هو اسم لقليل الوقت وكثيره, وهو عند كثير من العلماء المتخصصين يمثل مفهوماً خاصاً بعلومهم، فعند الجغرافي يرتبط الوقت بالظواهر الجغرافية من زمن ومكان معينين ترتبط وهذه الظواهر، وعند النحوي يربط الوقت بالأزمان مقترناً بزمن الماضي والحاضر والمستقبل، وأما علماء الطبيعة فيرون أن الزمن والوقت يمثلان واحداً من ثلاث كتل الكتلة والمسافة والزمن، وعند علماء السلوك يرون أن إضاعة الوقت ذنب يستوجب التوبة العاجلة.
والمسلم يرى الوقت يجمع بين هذا وذاك، ويرى أن الوقت أغلى من الذهب والفضة وأغلى من جميع الأموال، فإن المال إذا فقد يمكن أن يعوض، وإما الوقت إذا فقد فلا يمكن أن يعوض.
دقات قلب المرء قائلة له *** إن الحياة دقائق وثواني
فمن حافظ على وقته ترقى في درجات الكمال، ومن أضاع وقته نزل في دركات الوبال، ومن لم يتقدم فهو في تأخر، ومن لم يتقدم إلى الجنة بالأعمال الصالحة؛ تأخر إلى النار بالأعمال السيئة، فخسر الدنيا وخسر الآخرة.
الوقت ينقسم قسمين: وقت زماني ووقت مكاني، فالوقت الزماني هو الذي يتعلق بعمر الإنسان، بل هو حياته كاليوم والأسبوع والشهر والسنة، والوقت المكاني كما جاء في الحديث المتفق عليه حينما وقّت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لوفود الحجيج مواقيت مكانية فقال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن".
ولقد ذكر الوقت في كتاب الله تعالى في ثلاث عشرة آية, يذكر الله فيها قيمة الوقت، ففي سورة المرسلات: (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ) [المرسلات: 11 - 13], أي أن الله جعل للرسول ميقاتاً يفصل بينهم وبين أممهم, وقال تعالى في سورة الحجر حينما أعطى إبليس مهلة من الوقت فقال: (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) [الحجر: 37، 38].
وحينما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سورة الأعراف عن ميقات الساعة, فقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ) [الأعراف: 187], وفي سورة الشعراء قال تعالى: (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الشعراء: 38] وفي سورة الواقعة: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) [الواقعة: 49، 50] وقال تعالى في سورة النبأ (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً) [النبأ: 17]. وفي سورة الدخان: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) [الدخان: 40] وفي سورة البقرة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) [البقرة: 189], وفي سورة النساء: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103].
وحينما أراد الله تعالى أن يمتن على العباد بقيمة الوقت, ويلفت انتباههم إلى قيمته وإلى أهميته؛ أقسم به في مواضع كثيرة وأقسم بأجزاء منه، ففي معرض الامتنان على الناس ذكر الله تعالى الليل في أربع وسبعين آية, وذكر النهار في أربع وخمسين آية, قال: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) [إبراهيم: 33] وقال: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 62]. ولأهمية الوقت أقسم بالفجر والضحى والليل والنهار؛ ليلفت انتباه العباد إلى قيمة الوقت, ليسعوا بحرص شديد في الاعتناء بأوقاتهم وأن يملؤوها بطاعة الله تعالى.
لقد كان سلف أمتنا أحرص الناس على أوقاتهم، فيقضون أوقاتهم في طاعة الله، بل إنهم كانوا يستغلون كل لحظة في أوقاتهم, فيملؤونها بالطاعة والخشية من الله تعالى، فكانوا يقلون من علامة المقت ألا وهي إضاعة الوقت.
كان ابن مسعود يقول: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي". وقال الحسن البصري: "لقد أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على أموالكم". ويقول: "يا ابن آدم إنك أيام مجموعة، إذا ذهب يوم ذهب بعضك". وقال عمر بن عبد العزيز: "يا ابن آدم إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما". ويقول آخر: "من كان يومه كأمسه فهو مغبون".
هؤلاء هم الذين حافظوا على أوقاتهم فكانوا يستغلون أوقاتهم في سيرهم في الطريق للعمل بطاعة الله، ويغتنمون كل لحظة من أعمارهم بطاعة الله، فهذا رجل رآه النبي –عليه الصلاة والسلام- وهو يتقلب في الجنة؛ لأنه استغل وقته وهو في طريقه, روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر طريق كانت تؤذي المسلمين".
هؤلاء اغتنموا أوقاتهم في طاعة الله, فأين أوقاتنا من أوقاتهم؟ وأين سهراتنا من سهراتهم؟، إننا في سهرتنا نرفع شعار: "قتل الوقت". فمنا من يظنون أن أعمارهم تقتل بهذا، نعم؛ إنهم يقتلون ولكنهم يقتلون أنفسهم بقتل وقتهم، ويزعمون أنهم يقتلون أوقاتهم، إنهم يقتلون أعمارهم بالنظر إلى المسلسلات الفاسدة, والأفلام الخبيثة الخليعة, والمجلات الساقطة، وفي الغيبة والنميمة.
الخطبة الثانية:
أما بعد: ربما يقول قائل: هل تريد منا أن نقضي أوقاتنا في قراءة قرآن وصلاة دون أن نعطي للنفوس حظها من الترويح واللهو المباح؟!.
لذا نقول: لا حرج في أن يصرف المسلم وقته في اللهو المباح, على ألا يتعدى بذلك اللهو على حق الله تعالى في العبادة، وعلى حق العين والبدن في الراحة، وعلى حق عملك في الإتقان، فحظ النفس في الترويح أقره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرسول الله أعلم الناس بنفوس الناس يعلم أن النفس تمل من كثرة الموعظة وكثرة النصيحة، فكان يتخول أصحابه بالموعظة، فعن ابن مسعود قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخولنا بالموعظة خشية السآمة" أي خشية الملل، فهو الذي يعلمنا حظ النفس من اللهو المباح؛ لأنه يكره الحزن والكسل, فيقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدين وقهر الرجال".
هكذا كان -صلى الله عليه وسلم- الذي كان يقوم ليله حتى تتفطر قدماه، وكان يبكي من خشية الله حتى تتخضب لحيته بدموعه، وكان الصحابة يقولون عنه: إنه كان يصوم حتى يقولون: إنه لا يفطر، وكان يفطر حتى يقولون: إنه لا يصوم.
هكذا كان -صلى الله عليه وسلم- وكان يضحك وجُل ضحكه التبسم، لا يفعل كما يفعل البعض في ضحكهم حتى ينقلبوا على قفاهم من الضحك بأصوات عالية، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي يعلمنا كيف يكون حظ النفس من اللهو المباح، فيقبل على الصبية الصغار، فيروح عنهم فيجمعهم صفاً واحداً ويقول: "من قدم إلي فله كذا وكذا"، فيهرولون على رسول الله فيقبلهم ويلتزمهم، وهو الذي كان يسابق أم المؤمنين عائشة في بيتها وتسابقه، وهو الذي كان يحملها وهي صغيرة لتنظر إلى لعب الحبشة، فهذا هو اللهو المباح، فكان يضحك ويتبسم ويمزح، ولا يقول إلا حقاً.
روى أحمد أن رجلاً جاء إلى رسول الله فطلب منه أن يحمله فقال: "إنا حاملوك على ولد ناقة" فقال الرجل: وماذا أفعل بولد ناقة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم- متبسماً: "وهل تلد الإبل إلا النوق".
ومع ذلك هو الذي حذرنا من إضاعة الوقت، هكذا كان أسلافنا جمعوا بين المحافظة على الوقت وبين اللهو المباح فكانوا في أوقاتهم يعيشون على قول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ , وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ , كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم