الوطن والمواطنة

سعد بن عبدالله البريك

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/قيمة الوطن في نفس الإنسان 2/الأخطار المهددة للدولة السعودية 3/قيام الدولة السعودية على التوحيد 4/رغد العيش في المملكة في الوقت الحاضر 5/حال الناس المأسوية قبل قيام الدولة وتوحدها 6/تذكير أبناء المملكة بحال آبائهم وأجدادهم 7/وصايا جامعة نافعة لأبناء المملكة 8/أناس لم يصدقوا في وطنيتهم 9/واجب المملكة نحو العالم 10/لب الوطنية وجوهرها 11/أفعال تتناقض مع الوطنية

اقتباس

إن الوطنية انتماء للعقيدة التي قامت عليها الدولة كما ينتمي اليهود في إسرائيل للتوراة المحرفة التي قامت عليها دولتهم. والوطنية نصيحة وولاء، وتضحية وفداء، فأي وطنية يتوهم من سعى من حيث يدري أو لا يدري، بأن تنفك البلاد من جذورها العقيدة، وتاريخها المتشبث بـ...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[لقمان: 33].

 

معاشر المؤمنين: كل واحد منا ومنكم يحب وطنه وبلاده، نحب وطننا، ونحب بلادنا، الوطن يعدل الروح، وقد شبه الله -عز وجل- إخراج العبد من وطنه بإخراج روحه من جسده، فقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)[النساء: 66].

 

فأتى الله بأصعب أمرين إخراج الروح من الجسد، وإخراج الجسد من الوطن، وهذا مما فطرت الأنفس عليه، بل قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ)[البقرة: 84].

 

وهذه أيضا دليل على أن إخراج النفس من الوطن كإخراج الروح من الجسد.

 

وقال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ)[الأنفال: 30].

 

فكل هذه دالة على أن قيمة الوطن في داخل الأنفس غالية، ولما أخرجت قريش النبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- وقف بالحزورة على مشارف مكة، والتفت إلى مكة، وقال: "أما والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي وأكرمها علي الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت".

 

ولشدة مفارقة الديار على النفس رتب الله الثواب العظيم للمهاجرين الذين هاجروا في سبيل الله، وتركوا أوطانهم في سبيل الله، وجعل الله لعقوبة الزاني بعد جلده التغريب، والأبعاد عن وطنه إن كان بكرا، فحب الوطن أمر معلوم في الشرع لا تنفيه الملة.

 

وفي مهرجانية تاريخية ثقافية وإعلامية نتابع هذه الأيام الحديث عبر كل الوسائل عن توحيد وطننا، وبلادنا المملكة العربية السعودية بعد الفرقة والشتات، والمرض والجهل والعصبية والثأر؛ ليتذكر أبناء هذا الوطن الذين ولدوا في أحوال الاجتماع والوحدة، وولدوا في أجواء الوعي والعلم والشرع والنظام أن ما هم فيه من نعم لا تعد ولا تحصى، لم يكن أمنية تحققت بالعمل الدبلوماسي في قاعات الفنادق، ولم يكن حلما تفضل به المستعمر، فمنحنا الاستقلال، ولم يكن انقلابا سرق الدولة من حكم مستبد سابق، ولم يكن تصويتا انفصاليا من نظام مجتمع السيادة والهيمنة.

 

نعم يجب أن يعرف أبناءنا وناشئتنا وأجيالنا أن دولتهم وبلادهم ووطنهم، المملكة العربية السعودية إنما هو امتداد للدولة السعودية الأولى التي أسسها الإمامان الراحلان/ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود -عليهم رحمة الله-.

 

كان ذلك امتداد لدولة التوحيد يوم أسقطها أعداؤها مرتين، فلم تمح من الوجود؛ لأن قوامها، ولأن أساسها وركنها بني على التوحيد، والتوحيد باقي لا يزول.

 

ولذا ولدت الدولة السعودية الثالثة من جديد على منهج عقيدة التوحيد، وشرائع الإسلام النقية من البدع والمحدثات، ولن يهدد دولة التوحيد هذه إلا أمران:

 

إما فرقة واختلاف من الداخل: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال: 46].

 

ولذا أمرنا بالسمع والطاعة، وإما أن يقع انفلات من الأصل الذي قامت عليه الدولة، فذاك هو الخطر الثاني الذي يهددها، وما سوى ذلك من عدوان أعدائها من الخارج، فإنها -بإذن الله- بأمان وفي أمن -بإذنه سبحانه- ما دامت على التوحيد عقيدة، وتحيكم الشريعة منهجا.

 

ذلك الأمر الذي ما انفك الأعداء عن محاولة نقده، ومحاولة هدم أصوله، لكنهم فضحوا في لحن القول وصريحه.

 

فيا أبناء هذه البلاد، يا أبناء المملكة العربية السعودية: إن وطنكم وبلادكم هذه إنما هي منحة وهبة من الله -سبحانه وتعالى- أكرمنا الله بها على يدي قائد ورجل ظل ثلاثين عاما على ظهور الخيل، وأكوار الأبل، يستظلون تحت الشجر في حر الهواجر، ويسيرون في الليل، ويسكنون الأودية والكهوف في زمهارير الشتاء، حتى حقق الله دعوة قائدهم/ الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -غفر الله له-.

 

نعم كثيرا من ناشئتنا وأجيالنا لا يعرف ذلك القائد المجاهد البطل الذي حفظ له التاريخ دعوته، والذي كثيرا ما أسر يناجي بها ربه، وجهر بها مذكرا بها ذريته، ومن معه ومن بعده، وهو يقول: "اللهم إن كان فيما سعيت إليك من توحيد هذه البلاد خيرا للإسلام والمسلمين فانصرني وأيدني، وإن كان شرا للإسلام والمسلمين فاخذلني وخذني واحفظ عبادك".

 

الله أكبر، إنها دعوة صدق حفظناها، ولا نزال نكررها وندعو الله، ونقول:اللهم من في نصره عزا للإسلام والمسلمين، ونشرا للتوحيد والسنة، فانصره يا ربنا نصرا مؤزرا، ومن في هلكته نصرا للإسلام والمسلمين، ونشرا للتوحيد والسنة، وكف الأذى والسوء والعدوان عن عبادك المؤمنين فأهلكه عاجلا غير آجل يا رب العالمين وبدله بخير منه.

 

هتف الصباح لسراة الليل، وتحقق الرجاء والأمل، والدعاء، فتوحدت هذه البلاد المملكة العربية السعودية، بعد أن ذاقت ألوان المرارة من الفقر والجوع المدقع، الذي كان الناس معه يتسابقون في الليل إلى الجيفة الميتة، حتى لا يراهم أحد ليأخذوها، ثم يطبخوها في بيوتهم من شدة الجوع، وتغرب أجدادكم في أنحاء الأرض طلبا للقمة العيش، والنفقة على أهليهم، حتى دالت الأيام دولتها بتدبير الله، فأصبح الناس اليوم يشبعون ويتخمون، وبعضهم لا يشكرون، وبنعمة الله يكفرون، حتى بلغ فائض النعم التي تلقى في الزبالة والنفايات ما يساوي من الأرز فقط قرابة تسعين مليون ريال من بقايا الأرز الذي يرمى في الزبالة، بعد أن كان أجدادكم يسرقون الجيفة في الليل يأخذونها ويقتسمونها حتى لا يراهم أحد في النهار، يأخذون منها فيعيرونهم بها، ناهيك عن بقية أصناف الطعام وغيره.

 

يا أبناء المملكة العربية السعودية: تذكروا ولا تنسوا أن أجدادكم لبسوا الثياب البالية المرقعة، وكثير من الناس اليوم في كل عام يضيقون بملابس العام الذي قبله، وخيار الناس من يغسلها ويجمعها ويرسلها إلى الجمعيات الخيرية، التي ترسلها إلى الدول المجاورة، التي هي بأمس الحاجة إليها.

 

يا أبناء المملكة العربية السعودية: تذكروا أن أجدادكم كانوا يجدون مشقة بالغة في جلب قربة، أو قربتين من الماء العذب الصافي على ظهور الحمير، وأكتاف الرجال، واليوم ملايين الأمطار المكعبة من المياه المحلاة النقية، يهدرها كثير من الناس في إسراف، لا يحب الله من فعله، فضلا عن وجود الماء في الأنابيب داخل البيوت، عذبا ذللا، عذبا في الشتاء، باردا في الصيف.

 

تذكروا يا أبناء المملكة العربية السعودية: وأنتم في مدن صاخبة ساهرة أن الحياة التي عاشها أجدادكم ظلاما دامسا في الليل إلا من وجد في بيته سراجا أو سراجين يتنقل بها من حجرة صغيرة إلى أصغر منها لكن كانت تلك القرى المظلمة بالليل كانت مضيئة بقلوب العباد الصالحين والصالحات الذين يتهجدون الليل: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)[السجدة: 16].

 

ويناجون خالقهم لم يشغلهم عن طاعة ربهم جوع ولا كد، ولا ضيق ذات يد، بل ولا شهوات ولا شبهات كما هو الحال اليوم مما يروج له من أذناب الفكر العلماني والليبرالي ليصدوهم عن ذكر الله وعن الصلاة.

 

تذكروا -يا أبناء المملكة العربية السعودية- وأنتم في المدارس والجامعات: أن أجدادكم من درس منهم وتعلم، فقد خط بأقلام الحطب في محابر السن الأسود، على ألواح الخشب، فكانوا أكثر علما، وأصح إملاءً، وأجود خطا، وأوسع فهما، وأصلح عملا، وأكثر نفعا، ما ضرهم أنهم لم يعرفوا اللاب توب، ولا الأيباد، ولا الانترنت، وغيرها من منجزات الحضارة المعاصرة الباهرة التي تعد مفخرة لمن صنعها، واستفاد منها، ومهزلة لمن استخدمها في أسوء استخداماتها.

 

فيا ليت أجيالنا يعرفون قدر نعمة المعرفة والعلم الذي فتحت أبوابه، وسخرت أسبابه، وقل بحزم طلابه، بعد أن كانوا لا يجدون من يقرأ الرسالة، ويفك الخط، كما يقولون.

 

يا أبناء المملكة العربية السعودية: تذكروا لتحمدوا الله على ما أنعم به عليكم أن أجدادكم كان الواحد منهم يموت، ويصاب بالعمى، والجدري والشلل، وانفجار الزائدة، وغيرها من الأمراض التي أصبحت تاريخا يروى، ولا يخشى بإذن الله وبفضل من الله، ثم ما توفر من أسباب الوعي، والطب والعلاج، والجراحة، واليوم وقد بلغنا منزلة بين دول العالم العربي، باتت مضرب مثل في الطب والجراحة، ومع ذلك فإننا نطمح إلى المزيد، ليجد كل مريض سريرا دون الحاجة إلى واسطة، أو شفاعة، وليجد كل متعلم لم يجد عملا ذكرا كان أو أثنى، ليجد من بيت مال المسلمين حقا، يكفل له عيشا كريما، في سكن وكفاف عن الحاجة والسؤال.

 

كيف لا ونحن نعيش هذه السنوات أكبر ميزانية مرت على تاريخ المملكة العربية السعودية، نسأل الله أن يبارك لهذه البلاد، وولاة أمرها وأبناءها، ليجدوا مزيدا من العيش الرغيد السعيد على طاعة الله ومرضاته.

 

يا أبناء المملكة العربية السعودية: عن أي نعمة أحدثكم؟ (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)[النحل: 18].

 

لكن أعظم نعمة، وما هو أعظم من كل شيء، وأعظم من هذا كله وقبله، نعمة التوحيد، بعد أن كانت مظاهر الشرك والوثنية قبل تأسيس الدولة ضاربة في أطنابها في أرجاء البلاد، من قبور تعبد، وأشجار تقدس، وأحجار يتبرك بها.

 

هذه النعمة نعمة التوحيد التي حسدنا عليها من وقعوا في تعظيم القبور والأضرحة، فباتوا ينادون بين فنية وأخرى في مظاهرات بائسة، داعين إلى الشرك بالله الذي يسمونه تعظيم القبور، في البقيع، في المدينة المنورة المشرفة -على ساكنها أفضل الصلاة والسلام-.

 

وما الذي ينقمونه منا، هل ينقمون منا أن عبدنا الله ودعوناه وطفنا ببيته العتيق، ونحرنا له سبحانه وحده أن ينقمون منا أننا اطعنا الله ورسوله، فيما ثبت من الأحاديث الصحيحة عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- ورواها صحابة نبينا وآل بيته -عليهم السلام- في النهي عن تعظيم القبور، وعدم جعلها مزارات وأضرحة ومشاهد، يستغاث بها مع الله، أو من دون الله.

 

جاء في الحديث عن أبي الهياج الأسدي أنه قال، قال لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين -رضي الله عنه-: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟" فقال: "نعم" فقال: "لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبر مشرفا إلا سويته".

 

أبعد ذلك بهذه الرواية من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- مما ينقله ويرويه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مصادر السنة والشيعة أيضا، وهو أمر نبي، ألا ترفع القبور، وألا تجصص القبور، وألا تعظم القبور، وأن كل قبر مشرفا قد ارتفع وعلا إلا يسوى، فقولوا بالله هل بعد ذلك قول لمن يدعي محبة علي بن أبي طالب وهو يصر على مخالفة أمر علي؟! وعدم العمل بما جاء عن علي -رضي الله عنه- بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

يا أبناء المملكة العربية السعودية: فلتعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وأمنكم من خوف، من لم يفقه، من لم يعرف، من لم يع، من لم يدر، من لم يتفكر، من لم ينتبه إلى نعمة الأمن أو شك في هذا، فليلتفت كل صباح إلى جثث الناس في العراق والصومال وأفغانستان، وما صنعه الحوثيون في اليمن، وغيرها من البلدان، ليعرف مقدار نعمة الأمن التي نصبح ونمسي فيها.

 

يا أبناء المملكة العربية السعودية: إن حب الوطن، وتعزيز مكانة الوطن في ،النفوس إنما يكون بحفظ الوطن من الضياع، وضياع الأوطان يكون بتضييع أمر الله، وما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره، فحفظ الأوطان يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].

 

حفظ الأوطان يكون بالأطر على الحق، وإقامة الحدود، حفظ الأوطان يكون بالتناصح بين العامة والخاصة بهذا تحفظ الأوطان، وتجتمع الكلمة، والدين النصيحة، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامته من العلماء والولاة.

 

لا يستبطن العبد لهم غشا، ولا غلا، ولا دغنا، وإنما ينصح لولاة أمره من قلبه، بهذا تحفظ الأوطان، وتصان النعم، ليست الوطنية مهرجانا واحتفالا فحسب، وليست مجرد مادة دراسية باسم التربية الوطنية، فتدرس فحسب، بل لابد من تعميق ذلك.

 

إن الوطنية انتماء للعقيدة التي قامت عليها الدولة كما ينتمي اليهود في إسرائيل للتوراة المحرفة التي قامت عليها دولتهم.

 

والوطنية نصيحة وولاء وتضحية وفداء، فأي وطنية يتوهم من سعى من حيث يدري أو لا يدري، بأن تنفك البلاد من جذورها العقيدة وتاريخها المتشبث بالقرآن والسنة، وتحكيم الشريعة.

 

بل إن ذلك -وأيم الله- هو عين الهدم للأسس والأركان التي قامت عليها دولة التوحيد هذه، فما صدق في دعوى الوطنية، أو أخطأ في فهمها من دعا إلى الانكفاء على أنفسنا، لندع لنشر التوحيد والسنة في العالم.

 

وما صدق في دعوى الوطنية أو أخطأ في فهمها من دعا للتنازل عن ثوابت العقيدة بدعوى فهم الآخر.

 

وما صدق في دعوى الوطنية، أو أخطأ في فهمها من نقل إلى المجتمع زبالات الغرب، ومستنقعات الرذائل، من جوانب الانحطاط فيه، وتغريب الجيل، بدعوى الانفتاح.

 

يا أبناء المملكة العربية السعودية: مع واجبنا وشدة حاجاتنا إلى أن ننتج أهم ما نحتاج إليه، في عيشنا وعلمنا، وأمننا، فإن العالم لا ينتظر منا طائرة سبقنا في صنعها، ولا صاروخا يبيعه علينا، ولا دواء يصدره لنا، ولا حاسوبا يدرسنا برمجته وصناعته، لكن العالم ينتظر منكم أن تبلغوهم الإسلام نظيفا نقيا خاليا من شوائب المحدثات، ينتظر منكم بيان العقيدة النقية خالية من الشرك والغلو، ينتظر منكم فقها مستنيرا من وحي المعصوم، من هدي القرآن، وصحيح السنة؛ لتعالجوا به أمراضهم الاجتماعية، بعد أن قتلهم التفكك والعنف الأسري، ولتعالجوا به أمراضهم الاقتصادية بعد انهيار اقتصادهم، وتساقط بنوكهم كعقد تناثرت حباته، فاستحال جمعه.

 

ينتظر العالم منكم دعوة ربانية صادقة بلغة حانية، بحجة مبينة مقنعة، ليسعدوا بالإسلام، ويشفوا من الإلحاد.

 

لقد أمر الله الراعي والرعية أن يتعاونوا في أداء ما يجب لكل طرف على الآخر، وهذا خير ما يحقق المواطنة، فقال تعالى في شأن الحكام: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)[النساء: 58].

 

وقال تعالى في شان الرعية: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ)[النساء: 59].

 

فذكر ما يجب على الطرفين.

 

ولنعلم أيضا أن طاعة الإمام تعالج صلة المحكوم بالحاكم، لكنها لا تعالج وحدها صلة المجتمع بعضه ببعض، فلابد كذلك من حسن الصلة بين المحكومين أنفسهم، وأي معنى لمواطن مطيع للحاكم وهو ظالم لأهله، ولجيرانه وأهل وطنه.

 

عندما نتحدث عن الوطنية، فإننا نتحدث نسيج متكامل من القيم، وجوهر الوطنية بيعة في العنق، وأداء للحق، وولاء وطاعة، وحب للشعب، وحب للوطن، وغيرة على مقدساته وترابه وأرضه، وما فيه، وعدم الخروج على الجماعة، ومن خرج على الإمام فاقتلوه كائنا من كائن.

 

فحاذري من اختطاف الوطنية، أو اختزالها في مسألة شكلية.

 

إن من خيانة الوطن أن يعصى ولي الأمر، أو أن تخلع يد من بيعته، وإن من خيانة الوطن أن يخون المسئول أي كانت مسئوليته أن يخون الأمانة، أو أن يوظفها لمصالحه الشخصية ومن معه، ولو علق صورة ولي الأمر فوق رأسه، وزين بها مكتبه، أو جعل النشيد الوطني وردا يردده في الصباح والمساء.

 

ليس من حب الوطن مهاجمة العلماء الذي وضع ولي الأمر ثقته فيهم، ورضيهم المجتمع أمناء على دينه، وليس من الوطنية مهاجمة خصوصية البلاد، وعدم مراعاة مكانتها الدينية، وريادتها في الأمة الإسلامية.

 

وليس من الوطنية أن يتحول الشباب قنبلة غلو تكفيرية موقوته بين أبناء الوطن وجيرانه، ومقومات وطنه، بسبب فكر تدميري تكفيري، تسلل إلينا عبر الحدود، ورام غرس الفتنة بيننا.

 

إن حب الوطن يكون بالدفاع عنه، وعن مقدساته وحرمه ودماء المواطنين، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد، ومن قتل دون أرضه فهو شهيد.

 

فالمواطنة تعني الانقياد للنظام، ومراعاة الجوار، واحترام الكبير، والعطف على الصغير، ومد يد العون للمسلمين، والحرص على المال العام والممتلكات العامة، إذا طبقنا هذا فإننا نترجم حبنا لوطننا في كل دقيقة وثانية، وليس يوم واحدا في السنة فحسب.

 

بارك الله لكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

المرفقات

والمواطنة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات