الوضوء فضله وأحكامه

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الطهارة
عناصر الخطبة
1/اختصاص أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- بالوضوء 2/بعض فضائل الوضوء 3/أحاديث نبوية في أصل الوضوء 4/صفة الوضوء الشرعي 5/بعض البدع والمخالفات المتعلقة بالوضوء

اقتباس

لقد حبى الله هذه الأمة بخصائص لم تكن لمن قبلهم، وذلك لفضلهم على سائر الأمم، ولن نسرد تلك الفضائل فكل فضيلة تحتاج لخطبة كاملة، ولكننا سنقف على خصيصة واحدة، فنعرف بها، ونذكر فضلها، وصفتها، وشيء مخالفات الناس فيها عباد الله: إنها خصلة الوضوء التي امتازت بها أمتنا من...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد:

 

فيا أيها المؤمنون: لقد حبى الله هذه الأمة بخصائص لم تكن لمن قبلهم، وذلك لفضلهم على سائر الأمم، ولن نسرد تلك الفضائل فكل فضيلة تحتاج لخطبة كاملة، ولكننا سنقف على خصيصة واحدة، فنعرف بها، ونذكر فضلها، وصفتها، وشيء مخالفات الناس فيها.

 

عباد الله: إنها خصلة الوضوء التي امتازت بها أمتنا من بين سائر الأمم، أخرج مسلم منْ حديث أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- حديث الحوض  وفيه: "فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَىْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ...".

 

ومن فضل الله علينا: أن جعل للوضوء أجرا عظيما، مما يحدوا بالمسلم أن يحافظ عليه، ويأتي به على السنة، حتى لا يفوته الأجر، ولنعرض لشيء من فضل الوضوء:

 

فالوضوء طهارة؛ والله -عز وجل- يحب المتطهرين، قال تعالى: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)[التوبة: 108].

 

وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222].

 

والطهارة، بمعنى الطهارة الحسية، من الأقذار، والنجاسات والأحداث.

 

والطهارة المعنوية، من الذنوب والمعاصي.

 

ومن فضل الوضوء: أنه شطر الإيمان؛ أخرج مسلم (223) في صحيحه من حديث أَبِى مَالِكٍ الأَشْعَرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ".

 

والشطر يأتي بمعنى: النصف.

 

ومن فضائل الوضوء قبل النوم: أنه سبب من أسباب الموت على الفطرة، مع ما ورد معه من دعاء، فقد أخرج البخاري ومسلم عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ...".

 

ومن فضائل الوضوء: أنه سبب لمغفرة الذنوب، أخرج مسلم عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلاَتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً".

 

وأخرج مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ -أَوِ الْمُؤْمِنُ- فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاَهُ مَعَ الْمَاءِ -أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ- حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ".

 

ومن فضائل الوضوء: أن حلية المتوضئين في الجنة إلى حيث يبلغ الوضوء، أخرج النسائي في الكبرى عن أبي حازم قال: "كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ، فقال سمعت خليلي يقول: "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء".

 

ومن فضائل الوضوء: أن الوضوء يزيل أثر العين والحسد -بإذن الله تعالى-، أخرج أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان يؤمر العائن -الذي أصاب غيره بالعين- فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين -المصاب بالعين-.

 

ومن فضائل الوضوء: أن الوضوء سبب لفتح أبواب الجنة الثمانية للعبد، فقد أخرج مسلم عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قال صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ -أَوْ فَيُسْبِغُ- الْوُضُوءَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، إِلاَّ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".

 

ومن فضائل الوضوء: أن المحافظة على الوضوء من علامات الإيمان، أخرج ابن حبان في صحيحه(1037) وابن أبي شيبة في المصنف(1/5/ رقم 35) عن ثوبان -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن".

 

أيها المؤمنون: هذه جملة من الفضائل خص الله بها هذه الأمة، ألا فلنغتنم هذه الفضائل، حتى لا نكون من المحرومين.

 

اللهم طهرنا من ذنوبنا وخطايانا كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

 

فيا أيها الناس: بعد أن ذكرنا جملة من فضائل الوضوء، نذكر صفة الوضوء كما جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم نبين بعض المخالفات لدى البعض في الوضوء، فمن أصول باب الوضوء، حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، أخرج البخاري ومسلم عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ: "أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ".

 

وحديث عبدالله بن زيد، أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن زيد: "أنه دعا بتور من ماء، فتوضأ لهم وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأكفأ على يديه من التور، فغسل يديه ثلاثا، ثم أدخل يديه في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات، ثم أدخل يده في التور فغسل وجهه ثلاثا، ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين، ثم أدخل يديه فمسح رأسه، فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة، ثم غسل رجليه".

 

وفي رواية: "بدأ بمقدّم رأسه، حتى ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه".

 

عباد الله: قال أهل العلماء: صفة الوضوء الشرعي على وجهين:

 

صفة واجبة، لا يصح الوضوء إلا بها، وهي المذكورة في قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة:6].

 

وهي غسل الوجه مرة واحدة، ومنه المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرافق من أطراف الأصابع إلى المرافق مرة واحدة.

 

ويجب أن يلاحظ المتوضئ كفيه عند غسل ذراعيه، فيغسلهما مع الذراعين، فإن بعض الناس يغفل عن ذلك، ولا يغسل إلا ذراعيه، وهو خطأ.

 

ثم يمسح الرأس مرة واحدة، ومنه أي من الرأس الأذنان، وغسل الرجلين إلى الكعبين مرة واحدة، هذه هي الصفة الواجبة التي لا بد منها.

 

أما الوجه الثاني من صفة الوضوء: فهي الصفة المستحبة، وهي: أن يُسمي الإنسان عند وضوئه، ويغسل كفيه ثلاث مرات، ثم يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات بثلاث غرفات، ثم يغسل وجهه ثلاثاً، ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ثلاثاً، يبدأ باليمنى ثم اليسرى، ثم يمسح رأسه مرة واحدة، يبل يديه، ثم يمرهما من مقدم رأسه إلى مؤخره، ثم يعود إلى مقدمه، ثم يمسح أذنيه، فيدخل سباحتيه في صماخيهما، ويمسح بإبهاميه ظاهرهما، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلاثاً ثلاثاً، يبدأ باليمنى ثم باليسرى، ثم يقول بعد ذلك: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله".

 

أيها الناس: ولنذكر طرفا من مخالفات البعض في الوضوء، وهي كثيرة، ولكن نذكر أبرزها، فمن ذلك: اعتقاد بعض الناس أنه لا بد من غسل الفرج قبل كل وضوء، ولو لم يحدث يتبول أو يتغوط، وهذا خطا شائع.

 

ومنها: الإسراف في ماء الوضوء، قال أهل العلم: "من قلة فقه المرء ولعه بالماء".

 

ومنها: الجهر بالنية عند الوضوء، وهذا مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- قال بن القيم: "ولم يكن صلى الله عليه وسلم يقول في أوله: نويت رفع الحدث، ولا استباحة الصلاة، لا هو ولا أحد من أصحابه البتة، ولم يرد عنه حرف واحد، لا بإسناد صحيح، ولا ضعيف".

 

ومنها: إدخال اليدين في إناء الوضوء قبل غسلها، وقد ورد نهي عن ذلك، كما أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا استيقظ أحدكم من النوم ،فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده".

 

ومنها: الزيادة في عدد غسل أعضاء الوضوء، أو بعضها أكثر من ثلاث مرات، وهذا مخالف لعمل النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

ومنها: أن بعض الناس يمسح مقدمة رأسه، أو يمسح إلى منتصف الرأس، وقد يظن أنه استكمل المسح بذلك، قال الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله-: "والصواب أنه لا بد من مسحه كله".

 

ومنها: مسح الرقبة، فالرقبة ليست من أعضاء الوضوء.

 

ومنها: أن بعض الناس عند غسل وجهه لا يغسل صفحة وجهه كاملة، بل تبقى أجزاء الوجه جهة الأذنين لم يمسها الماء.

 

ومنها: عدم تخليل الأصابع لمن كان صاحب حرفة وصنعة، فلا بد من تعاهد المغابن.

 

ومن اتبع السنة في وضوئه، سلم من المخالفات والبدع.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا...

 

اللهم وفقنا لهداك...

 

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات...

 

 

المرفقات

الوضوء فضله وأحكامه.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات