الوصية بالجار

محمد أسعد

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/ حق الجوار عظيم 2/ القيام بحقوق الجار من خصال الإيمان 3/ أذية الجار والإساءة إليه علامة ضعف في الإيمان 4/ صور الأذية للجار والإساءة إليه 5/ حفظ العرب للجوار في جاهليتهم قبل الإسلام 6/ من صور الإحسان إلى الجار 7/ فضائل الإحسان إلى الجيران

اقتباس

المسلم الذي يراعي حق جاره وحرمته، يحتمل قدرًا من أذية جاره، ويتغاضى عن زلته، ويتجاوز عن هفوته.. ويحرص على إكرامه والإحسان إليه بحسب وسعه وطاقته، عالمًا أن أولى الناس بمعروفه وإحسانه أهله وجيرانه. تجده طلق الوجه مع جاره، يسلّم عليه إذا لقيه، يواسيه في أتراحه، ويهنئه في أفراحه، ينصحه ويرشده إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، يعوده إذا مرض، يقضي حاجته، ويفرج كربته.

 

 

 

 

الخطبة الأولى

 

الحمد لله ...

 

فإن من مظاهر العظمة والجمال في ديننا الإسلامي الحنيف، عظيمَ عنايته وحرصه على توجيه المسلمين إلى الآداب الكريمة والخصال الحميدة التي هي قوام عيشهم في أمن وسلام وطمأنينة وسعادة ووئام، ألا وإن ممن أمر الإسلام بالإحسان إليه، وأكّد على طيب معاملته وإسداء الخير إليه؛ جارَ المسلم في سكناه، مسلماً كان أو غير مسلم، قريباً كان أو غير قريب.

 

والمرء في هذه الحياة لا غنى له عن جار يجير كل منهما صاحبه، يدفعان عن بعضهما السوء والأذى، ويجلبان الخير والسعادة والهنا؛ والله وحده هو الغني "الذي يجير ولا يجار عليه".

 

ولما بين الجيران من القرب - الذي لا ينفك عن إحساس كل منهم بالآخر سلبًا أو إيجابًا- فالحاجة إلى حسن المعاملة بينهم ضرورة حضارية لازمة وفريضة شرعية واجبة لا تستقيم الحياة بدونها، ولا ينهض المجتمع ولا يقوم بغيابها؛ لذلكم أمر الله تعالى بالإحسان إلى الجار فقال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [النساء: 26].

 

حق الجوار عظيم وصى به جبريل النبي – صلى الله عليه وسلم – وظل يوصيه حتى ظن أنه سيورثه. يقول العلماء: كأنه لا فارق بين حقوق الأقارب والجيران سوى الميراث.

 

القيام بحقوق الجار من خصال الإيمان التي يزيد الإيمان بإقامتها وينقص ويضعف بإضاعتها ففي الحديث: "مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره".

 

المسلم الذي يراعي حق جاره وحرمته، يكفّ عنه أذاه وأذى أسرته، فلا يزعجه بصوت ولا يضيّق عليه الطريق، ولا يُلقي بالقمامة أمام بيته، ولا يطل على عورته؛ مستحضرًا قول النبي –صلى الله عليه وسلم– إذ يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره".

 

أذية الجار والإساءة إليه علامة ضعف في الإيمان، ونقص في مروءة وكرامة الإنسان؛ ففي الحديث: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن" قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من لا يأمن جاره بوائقه"، أي: شروره وظلمه وغدره وخيانته.

 

وأعظم الأذية للجار والإساءة إليه: خيانته في عِرضه، عياذًا بالله تعالى،  سُئل النبي -عليه الصلاة والسلام-: أيّ الذنب أعظم يا رسول الله؟! قال: الإشراك بالله، قيل: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قيل: ثم أيّ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك.

 

ولربما بلغت أذية الجيران ببعض الناس أن يغيّروا مساكنهم، ويبيعوها بأبخس الأثمان، والجار السوء هو وحده من يتحمل وزر ذلك كله، ويبوء بإثمه عند الله تعالى.

 

حفظ العرب للجوار في جاهليتهم قبل الإسلام حرمته ، فقال قائلهم:

وما جارتي إلّا كأمّي وإنّني *** لَأَحْفَظُهَا سِرّا وأحفظها جَهْرَا

 وأُغْضِي إذا ما جارتي بَرَزَتْ *** حتّى يواريَ جارتي الخدْرُ

 

المسلم الذي يؤمن بالله ورسوله أجدر بحفظ العرض وصيانة حرمة جاره وكرامته.

المسلم الذي يراعي حق جاره وحرمته، يحتمل قدرًا من أذية جاره، ويتغاضى عن زلته، ويتجاوز عن هفوته، مستشعرًا أن بعض ما يصدر من الناس من أخطاء لا يكونون فيها قاصدين ولا لها متعمدين، وأن الخيِّر مِن الناس مَن غلب خيرُه على شره، لا مَن لا يصدر منه إلا الخير دائمًا وأبدًا، ومن طلب البراءة في الناس من كل عيب فقد طلب محالاً، وأتعب نفسه وأتعب الناس كثيرًا.

 

المسلم الذي يراعي حق جاره وحرمته، يحرص على إكرامه والإحسان إليه بحسب وسعه وطاقته، عالما أن أولى الناس بمعروفه وإحسانه أهله وجيرانه.

 

 تجده طلق الوجه مع جاره، يسلّم عليه إذا لقيه، يواسيه في أتراحه، ويهنئه في أفراحه، ينصحه ويرشده إلى الخير بالحكمة والموعظة الحسنة، يعوده إذا مرض، يقضي حاجته، ويفرج كربته.

 

ومن الإحسان إلى الجار -مسلمًا كان أو غير مسلم-: تقديم الهدية إليه، فقد ذُبحت شاة لعبد الله بن عمرو، فلما جاء إلى أهله سألهم قائلاً: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه».

 

ويُبدأ في الإحسان بالأقرب فالأقرب من الجيران، وكلما كان الجار مسكينًا أو يتيمًا أو أرملة كان حقه أوكد وأوجب.

 

ألا فارعوا – رحمكم الله – لجواركم حرمته وحقه وكرامته، تسعدوا وتفلحوا في الدنيا والآخرة.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله ...

 

فبقيام الجيران بحقوق بعضهم تجاه بعض يحصل الأنس والوئام والمودة والألفة والانسجام، ويحصل التقدم والرقي والازدهار، فحسن الجوار سبب لعمارة الديار والبركة في الأعمار، ففي الحديث: "صلة الرحم، وحُسن الخلق وحُسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار " صححه الألباني.

 

شهادة الجيران بالخير لبعضهم بعضًا سببٌ لمغفرة ذنوبهم وستر عيوبهم، ففي الحديث: "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة أبيات من جيرانه الأدنين إلّا قال الله تعالى: قد قبلت فيه علمكم وغفرت له ما لا تعلمون" قال الألباني: حسن لغيره.

 

الإحسان إلى الجار سبب للرفعة والكرامة عند الله في الدنيا والآخرة. ففي الحديث: «خير الأصحاب عند الله -عز وجل- خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره» صححه الألباني.

 

الجوار الصالح: من أسباب السعادة التي ذكرها النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: «أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء» صححه الألباني.

فسلوا ربكم الجوار الصالح في الدنيا.

 

وسلوه الجوار الصالح في الآخرة، فقد دعت المؤمنة الصالحة امرأة فرعون ربها فقالت: (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم: 11].

 

وتعوذوا بالله من جار السوء في الدنيا، وتعوذوا بالله من جار السوء في الآخرة، فقد تعوذ منه نبينا - صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة، فإن جار البادية يتحول".

 

اللهم اجعلنا جيرانًا صالحين، وارزقنا جوار الصالحين في الدنيا، وفي الآخرة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

 

 

 

المرفقات

بالجار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات