عناصر الخطبة
1/المراد بالهوية الإسلامية 2/أهمية الحديث عن الهوية الإسلامية ومكانتها 3/آثار التمسك بالهوية الإسلاميةاقتباس
بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يَعِيشُونَ أَزْمَةَ هُوِيَّةٍ، فِي ظِلِّ الِانْبِهَارِ الْحَضَارِيِّ بِمَا وَصَلَ إِلَيْهِ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَطَوُّرِ شُؤُونِ الْحَيَاةِ؛ فَغَدَا هُنَاكَ اضْطِرَابٌ يُصِيبُ بَعْضَ الْأَفْرَادِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِأَدْوَارِهِمْ فِي الْحَيَاةِ.
الْخُطْبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ مُلْتَقًى لِلصِّرَاعِ بَيْنَ الْقُوَى، تَتَعَارَكُ فِيهَا عَلَى فَرْضِ الْهَيْمَنَةِ، أَوْ عَلَى التَّمَيُّزِ الَّذِي يَحْمِي كُلَّ قُوَّةٍ مِنَ التَّبَعِيَّةِ وَالذَّوَبَانِ فِي غَيْرِهَا؛ إِنَّهُ صِرَاعٌ مُحْتَدِمٌ يَعِيشُ الْجَمِيعُ تَحْتَ نَقْعِهِ الْمُتَطَايِرِ، وَدُخَانِهِ الْمُتَنَاثِرِ، وَمِنْ تِلْكَ الصِّرَاعَاتِ: صِرَاعُ الْهُوِيَّاتِ الَّذِي تَعِيشُهُ كُلُّ الْحَضَارَاتِ؛ وَنَحْنُ أُمَّةٌ مُسْلِمَةٌ لَنَا هُوِيَّتُنَا الإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي تُمَيِّزُنَا عَنْ غَيْرِنَا؛ وَلِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ: مَا الْمُرَادُ بِالْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؟
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْهُوِيَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ إِحْسَاسُ الْمُسْلِمِ بِنَفْسِهِ، وَحِفَاظُهُ عَلَى تَكَامُلِهِ وَقِيَمِهِ وَسُلُوكِيَّاتِهِ وَعَقِيدَتِهِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي مُخْتَلَفِ الْمَوَاقِفِ وَالْأَمَاكِنِ، وَتَمَيُّزُهُ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الْحَدِيثَ عَنِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْيَوْمَ لَهُ أَهَمِّيَّةٌ كَبِيرَةٌ؛ وَذَلِكَ لِأُمُورٍ، مِنْهَا:
كَوْنُ الْهُوِيَّاتِ الْأُخْرَى تَفْرِضُ هَيْمَنَتَهَا بِقُوَّةٍ الْيَوْمَ؛ بِفَضْلِ مَا تَمْتَلِكُ مِنْ وَسَائِلَ مُؤَثِّرَةٍ، وَقُوًى وَقُدُرَاتٍ، وَعِزَّةِ انْتِصَارٍ؛ مِمَّا أَدَّى إِلَى ذَوَبَانِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فِي تِلْكَ الْهُوِيَّاتِ، وَالتَّخَلِّي عَنْ هُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ فَغَدَوْا يُقَلِّدُونَ أَهْلَ تِلْكِ الْهُوِيَّاتِ وَيَتَشَبَّهُونَ بِهِمْ، وَيَجْعَلُونَهُمْ مَثَلَهُمُ الْأَعْلَى، وَيَنْظُرُونَ إِلَى الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ نَظْرَةَ احْتِقَارٍ وَكَرَاهِيَةٍ! فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ الذَّائِبُونَ مِنْ قَوْلِ اللهِ –تَعَالَى-: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)[المائدة:3]. وَقَوْلِهِ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)[آل عمران:110]؟!
وَإِنَّ مِنَ الْأَسَى أَنْ يَرَى الْمُسْلِمُ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَضْحَتْ حَيَاتُهُ نُسْخَةً مُصَغَّرَةً مِنَ الْحَيَاةِ الْغَرْبِيَّةِ، بَعِيدًا عَنِ الْإِسْلَامِ فِي قِيَمِهِ وَأَخْلَاقِهِ، وَكَلَامِهِ وَسُلُوكِهِ، وَأَمَانِيهِ وَتَطَلُّعَاتِهِ، فَوَا أَسَفَاهُ!.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْحَدِيثِ عَنْ هَذَا الْمَوْضُوعِ: أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ يَعِيشُونَ أَزْمَةَ هُوِيَّةٍ، فِي ظِلِّ الِانْبِهَارِ الْحَضَارِيِّ بِمَا وَصَلَ إِلَيْهِ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ تَطَوُّرِ شُؤُونِ الْحَيَاةِ؛ فَغَدَا هُنَاكَ اضْطِرَابٌ يُصِيبُ بَعْضَ الْأَفْرَادِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِأَدْوَارِهِمْ فِي الْحَيَاةِ، وَيُصِيبُهُمُ الشَّكُّ فِي قُدُرَاتِهِمْ أَوْ رَغَبَاتِهِمْ فِي الْحَيَاةِ طِبْقًا لِتَوَقُّعَاتِ الْآخَرِينَ عَنْهُ، كَمَا يُصْبِحُونَ غَيْرَ مُتَيَقِّنِينَ مِنْ مُسْتَقْبَلِ شَخْصِيَّاتِهِمْ وَدِينِهِمُ الْإِسْلَامِيِّ الْحَنِيفِ.
فَقَارِنُوا -مَعْشَرَ الأَحِبَّةِ- بَيْنَ هَذِهِ النَّفْسِيَّةِ الْمُنْهَزِمَةِ الذَّائِبَةِ وَبَيْنَ نَفْسِيَّةِ رِبْعِيِّ بْنِ عَامِرٍ الْمُعْتَزِّ بِهُوِيَّتِهِ الْإِسْلَامِيَّةِ، حِينَمَا دَخَلَ بِفَرَسِهِ الْقَصِيرِ وَثِيَابِهِ الرَّثَّةِ عَلَى قَائِدِ الْفُرْسِ رُسْتُمَ الَّذِي أَمَرَ بِتَزْيِينِ مَجْلِسِهِ بِالنَّمَارِقِ الْمُذَهَّبَةِ وَالْحَرِيرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَاللَّآلِئِ الثَّمِينَةِ، وَالزِّينَةِ الْعَظِيمَةِ، فَلَمْ تَأْسِرْهُ تِلْكَ الْمَنَاظِرُ الْبَهِيجَةُ، وَلَمْ تُفْزِعْهُ هَيْبَةُ رُسْتُمَ، بَلْ تَكَلَّمَ مَعَهُ بِكَلَامٍ عَزِيزٍ، وَثِقَةٍ وَثِيقَةٍ بِهَذَا الدِّينِ؛ فَعَجِبَ الْفُرْسُ مِنْ عِزَّةِ رِبْعِيٍّ أَيَّمَا عَجَبٍ![البداية والنهاية].
وَلِلْحَدِيثِ عَنِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَهَمِّيَّةٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ: أَنَّنَا نُلَاحِظُ الْيَوْمَ أَنَّ هُوِيَّاتٍ أُخْرَى تَخَافُ عَلَى أَهْلِهَا مِنَ الذَّوَبَانِ فِي الْهُوِيَّاتِ الْمُضَادَّةِ، رَغْمَ اتِّفَاقِ بَعْضِهَا فِي الدِّينِ، فَالْفَرَنْسِيُّونَ يَخَافُونَ عَلَى هُوِيَّتِهِمُ الْفَرَنْسِيَّةِ مِنَ الْأَمْرَكَةِ، وَالصِّينِيُّونَ يَخَافُونَ عَلَى شَعْبِهِمْ مِنَ الذَّوَبَانِ فِي الْهُوِيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ؛ وَلِذَلِكَ اتَّخَذُوا عِدَّةَ تَدَابِيرَ لِلْحَيْلُولَةِ دُونَ حُصُولِ ذَلِكَ؛ فَنَحْنُ أَوْلَى بِالتَّخَوُّفِ عَلَى هُوِيَّتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ النَّقِيَّةِ مِنْ هَؤُلَاءِ.
لِهَذَا كَانَ مِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ أَنْ نَتَحَدَّثَ الْيَوْمَ عَنِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ تَذْكِيرًا لِلْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ بِمُقَوِّمَاتِ هُوِيَّتِهَا، وَتَبْصِيرِهَا بِالْأَخْطَارِ الَّتِي تَحْدِقُ بِهَا فِيهَا.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مَكَانَةً سَامِيَةً، وَرُتْبَةً عَالِيَةً لَا تُسَامِيهَا وَلَا تُسَاوِيهَا أَيُّ هُوِيَّةٍ أُخْرَى:
فَالْهُوِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ رَبَّانِيَّةُ الْمَصْدَرِ، فَإِذَا كَانَتِ الْهُوِيَّاتُ الْأُخْرَى نَتِيجَةَ تَرَاكُمِ مَعَارِفَ وَتَجَارِبَ وَآرَاءٍ بَشَرِيَّةٍ؛ فَإِنَّ هُوِيَّتَنَا الْإِسْلَامِيَّةَ مَرْجِعِيَّتُهَا الْوَحْيُ بِمَصْدَرَيْهِ الْمَعْصُومَيْنِ الْخَالِدَيْنِ: الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
وَالْهُوِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ هُوِيَّةٌ شَامِلَةٌ، يَنْضَوِي تَحْتَ لِوَائِهَا كُلُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِمْ وَلُغَاتِهِمْ وَأَعْرَاقِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، وَصَدَقَ الشَّاعِرُ يَوْمَ قَالَ:
بِالشَّامِ أَهْلِي وَبَغْدَادُ الْهَوَى وَأَنَا***بِالرَّقْمَتَيْنِ وَبِالْفُسْطَاطِ إِخْوَانِي
وَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ فِي بَلَدٍ***عَدَدْتُ ذَاكَ الْحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي
وَقَدِ اسْتَجْمَعَتِ الْهُوِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ غَايَاتِ الشَّرَفِ؛ "فَهِيَ انْتِمَاءٌ إِلَى أَكْمَلِ دِينٍ، وَأَشْرَفِ كِتَابٍ نَزَلَ، عَلَى أَشْرَفِ رَسُولٍ، إِلَى أَشْرَفِ أُمَّةٍ، بِأَشْرَفِ لُغَةٍ، عَبْرَ أَشْرَفِ الْمَلَائِكَةِ، فِي أَشْرَفِ بِقَاعِ الْأَرْضِ، فِي أَشْرَفِ شُهُورِ السَّنَةِ، فِي أَشْرَفِ لَيَالِيهِ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِِ بِأَشْرَفِ شَرِيعَةٍ وَأَقْوَمِ هَدْيٍ". قَالَ تَعَالَى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )[آل عمران:85].
وَالْهُوِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ هُوِيَّةٌ تَسْتَوْعِبُ كُلَّ مَظَاهِرِ الشَّخْصِيَّةِ، وَتُحَدِّدُ لِصَاحِبِهَا -بِكُلِّ دِقَّةٍ وَوُضُوحٍ- هَدَفَهُ وَوَظِيفَتَهُ وَغَايَاتِهِ فِي الْحَيَاةِ، قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)[الأنعام:162-163].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَكَانَةِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: أَنَّ الِانْتِمَاءَ إِلَيْهَا وَاجِبٌ، وَلَيْسَ مِنْ نَافِلَةِ الْأَعْمَالِ، بَلْ هُوَ فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ عَلَى كُلِّ بَنِي آدَمَ الْمُكَلَّفِينَ، إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[الأعراف: 158]، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"[رواه مسلم].
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَكَانَةِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَيْضًا: أَنَّهَا هُوِيَّةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ غَيْرِهَا مِنَ الْهُوِيَّاتِ، قَالَ تَعَالَى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)[الفاتحة:7]، وَقَالَ: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[الكافرون:6].
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَكَانَةِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَذَلِكَ: أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ قَدْ مَدَحَهَا وَأَثْنَى عَلَيْهَا، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[فصلت:33].
وَلَمَّا عَقَدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِتَابَ الْمُوَادَعَةِ أَوَّلَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ، جَاءَ فِي هَذَا الْكِتَابِ: "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، إِنَّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النَّاسِ"[السيرة النبوية].
نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّنَا إِلَى دِينِنَا رَدًّا جَمِيلًا.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا الْأَمِينِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِلتَّمَسُّكِ بِالْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ آثَارًا حَمِيدَةً:
فَبِالتَّمَسُّكِ بِالْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ يُصْبِحُ الْمُسْلِمُ عَزِيزًا غَيْرَ قَابِعٍ فِي أَقْبِيَةِ الذُّلِّ، قَالَ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون:8]، حَتَّى إِنَّ الْمُتَمَسِّكَ بِهَا لَيَتَبَاهَى بِإِسْلَامِهِ وَلَا يَسْتَحِي بِانْتِسَابِهِ إِلَى هَذَا الدِّينِ، وَمَا أَجْمَلَ قَوْلَ الْقَائِلِ:
وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا*** وَكِدْتُ بِأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ يَا عِبَادِي***وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا
وَالتَّمَسُّكُ بِالْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ يُعَدُّ خَطَّ الدِّفَاعِ الْأَوَّلِ أَمَامَ تَيَّارَاتِ الْغَزْوِ الْفِكْرِيِّ وَالثَّقَافِيِّ الْقَادِمِ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ؛ فَمَنْ تَمَسَّكَ بِالْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ حَرَسَهُ ذَلِكَ مِنَ الذَّوَبَانِ وَالتَّمَاهِي فِي الْهُوِيَّاتِ الْأُخْرَى، وَغَدَا بَعِيدًا عَنِ التَّشَبُّهِ الْمَذْمُومِ بِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا"[أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ].
وَمِنْ آثَارِ التَّمَسُّكِ بِالْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: أَنَّهَا الْمَخْرَجُ لِلْأُمَّةِ مِنْ مِحْنَتِهَا الْمُعَاصِرَةِ، حَتَّى تَعُودَ لِأَدَاءِ دَوْرِهَا الرِّيَادِيِّ، بِاعْتِبَارِهَا الْأُمَّةَ الشَّاهِدَةَ الَّتِي حَمَّلَهَا اللهُ تَعَالَى مَسْؤُولِيَّةَ الْبَلَاغِ وَإِقَامَةِ حَيَاتِهَا وَحَيَاةِ الْإِنْسَانِيَّةِ عَلَى مُقْتَضَى مِنْهَاجِ اللهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)[البقرة:143].
فَيَا عِبَادَ اللهِ: تَمَسَّكُوا بِهُوِيَّتِكُمُ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَتَبَاهَوْا بِانْتِمَائِكُمْ إِلَى الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ، وَلَا يَغُرَّنَكُمْ بَهْرَجُ الْحَيَاةِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِي وَصَلَ إِلَيْهَا ذَوُو الْهُوِيَّاتِ الْأُخْرَى، وَعَضُّوا عَلَى هُوِيَّتِكُمْ بِالنَّوَاجِذِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَبَصِّرْنَا بِدِينِنَا، وَحَبِّبْهُ إِلَى قُلُوبِنَا حَتَّى يَصِيرَ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَشَرِيَّةِ؛ (إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم