الهمزة

تركي بن عبدالله الميمان

2022-05-20 - 1443/10/19 2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/تفسير سورة الهمزة

اقتباس

إِنَّهَا تَهْدِيْدٌ أَكِيْد، وَوَعِيْدٌ شَدِيْد، لِكُلِّ مَنْ يُؤْذِي النَّاسَ أو يَسْخَرُ مِنْهُمْ؛ إِنَّهَا سُوْرَةٌ الهُمَزَة، قالَ تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)؛ أَيْ وَعِيدٌ شَدِيْدٌ لِكُلِّ هَمَّازٍ لَـمَّاز...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى، فَبِالتَّقْوَى: تُدْفَعُ البَلايا والنَكَبَات، وتُجْلَبُ الخَيْراتُ والبَرَكات؛ (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[الطلاق:2-3].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا تَهْدِيْدٌ أَكِيْد، وَوَعِيْدٌ شَدِيْد، لِكُلِّ مَنْ يُؤْذِي النَّاسَ أو يَسْخَرُ مِنْهُمْ؛ إِنَّهَا سُوْرَةٌ الهُمَزَة، قالَ تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)[الهمزة:1]؛ أَيْ وَعِيدٌ شَدِيْدٌ لِكُلِّ هَمَّازٍ لَـمَّاز، والهَمَّاز: هُوَ الَّذِي يَعِيبُ النَّاسَ بِفِعْلِه. والَّلمَّاز: هُوَ الَّذِي يَعِيْبُهُمْ بِقَوْلِه. قَالَ ابْنُ عَبَّاس: "هُمُ الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ".

 

وَمِنْ صِفَةِ هَذَا الهَمَّازِ اللَّمَّازِ، أَنَّهُ لا هَمَّ لَهُ سِوَى جَمْع المَالِ وَتَعْدِيْده! (الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَه)[الهمزة:2]؛ فَهُوَ جَمَّاعٌ مَنَّاع: يَجْمَعُ المالَ وَيَمْنَعُ حَقَّ اللَّهِ فِيهِ، وَيُكْثِرُ مِنْ تَعْدَادِ المال؛ لِشِدَّةِ طَمَعِهِ وَتَعَلُّقِهِ! وَإِنَّمَا يَنْشَأُ ذَلِك عَنْ بُخْلِ النَّفْسِ، وَالخَوْفِ مِنَ الْفَقْرِ! (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا)[البقرة:268].

 

(يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ)[الهمزة:3]؛ أَيْ مِنْ شِدَّةِ تَعَلُّقِهِ بِالمال، وَعِبَادَتِهِ لَه؛ يَظُنُّ بِجَهْلِهِ أَنَّ مَالَهُ سَيَحْمِيْهِ مِنَ الْمَوْتَ، أو يَزِيدُ فِي عُمُرِهِ! فَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلَ مَنْ لا يَظُنُّ أَنَّهُ يَمُوْت! وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ البُخْلَ يَقْصِفُ الأَعْمَار، وَيُخَرِّبُ الدِّيَار، وَأَنَّ البِرَّ يَزِيْدُ في العُمُرِ والبَرَكَة، قال تعالى: (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)[آل عمران:92].

       

ثُمَّ قالَ تَعَالَى: (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ)[الهمزة:4]؛ وَهِيَ حَرْفُ رَدْعٍ: تَرْدَعُ الإِنْسَانَ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّ المالَ سَيُخَلِّدُه، أي: كَلَّا لَنْ يُخَلِّدَهُ مَالُه، بَلْ سَيُنْسَى وَيُطْوَى ذِكْرُه! وَرُبَّمَا يُذْكَرُ بِالسُّوْء؛ لِعَدَمِ قِيَامِهِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ في هَذَا المال.

 

وَلَوْ كَانَ المالُ يُخَلِّدُ أَحَدًا؛ لأَخْلَدَ قَارُوْنَ! وَلَكِنَّهُ طَغَى بِمَالِه؛ فَخَسَفَ اللهُ (بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) [القصص:81].

 

ثُمَّ تَوَعَّدَ اللهُ بِالنَّار؛ مَنْ كَانَ هَمّهُ المالَ والإِضْرَار؛ فَقَالَ تَعَالى: (لَيُنْبَذَنَّ): أَيْ لَيُقْذَفَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فِي الْحُطَمَةِ): وَهِيَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّارِ.

 

(وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ)[الهمزة:5]؛ وَهَذَا تَعْظِيمٌ لِأَمْرِهَا، وَتَهْوِيْلٌ لِشَأْنِهَا! وَسُمِّيَت النَّارُ بِالحُطَمَة؛ لِأَنَّهَا تَحْطِمُ كُلَّ مَا أُلْقِيَ فِيهَا، وَتُفَتِّتُهُ وتَكْسِرُهُ وَتُهَشِّمُهُ، بِكُلِّ شِدَّةٍ وَعُنْفٍ، قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: "تَكْسِرُ العَظْمَ بَعْدَ أَكْلِهَا اللّحْم!".

 

ثُمَّ فَسَّرَ هَذِهِ النَّارَ بِقَوْلِه: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ)[الهمزة:6]؛ الَّتِي وَقُوْدُهَا النَّاسُ والحِجَارَة، و(الَّتِي) مِنْ شِدَّتِهَا: أَنَّهَا (تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ)[الهمزة:7]؛ أَيْ أَنَّ حَرَّهَا لا يَقْتَصِرُ على ظَاهِرِ الجَسَد، بَلْ يَصِلُ إلى دَاخِلِ القَلْب! فالنَّارُ تَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ الإِنْسَان؛ حَتَّى تَصِلَ إِلَى فُؤَادِهِ، قال المُفَسِّرُوْن: "لِأَنَّ الفُؤَادَ أَلْطَفُ مَا في البَدَنِ وأَشَدُّهُ تَأَلُّما، أو لِأَنَّهُ مَحَلُّ العَقَائِدِ الزَّائِفَةِ، وَمَنْشَأُ الأَعَمْالِ القَبِيْحَة".

 

وَمَعَ هَذِهِ الحَرَارَةِ البَلِيْغَة؛ فَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ مَحْبُوْسُوْنَ فِيْهَا، لا مَجَالَ لِلْخُرُوجِ مِنْهَا؛ وَلِهَذَا قَال تعالى: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ)[الهمزة:8]؛ أي مُغْلَقَةٌ عَلَيْهِمْ، بِغَايَةِ الضِّيْق.

 

وَمِنْ أَوْصَافِ هَذِهِ النَّار: أَنَّهَا (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)[الهمزة:4]؛ أَيْ على النَّارِ أَعْمِدَةٌ مَمْدُوْدَةٌ، على جَمِيعِ نَوَاحِيْهَا وَزَوَايَاهَا؛ حَتَّى لا يَتَمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ فَتْحِهَا أَوْ الخُرُوْجِ مِنْهَا! (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: فِي سُوْرَةِ الهُمَزَةِ: التَّحْذِيْرُ مِنْ ازْدِرَاءِ النَّاسِ واحْتِقَارِهِمْ وَإِيْذَائِهِمْ: بِقَوْلٍ أو فِعْلٍ، أو إِشَارَةٍ أو رِسَالَة! قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "(هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ): طَعَّانٍ مِعْيَابٍ".

 

وَفِيْ هَذِهِ السُّوْرَة: التَّحْذِيْرُ مِنْ الحِرْصِ الزَّائِدِ على المال، المُؤَدِّي إلى الغَفْلَةِ عَنْ المَوْتِ والمآل، وأَنَّ مَنْ كانَتْ هَذِهِ حَالُه؛ فَهُوَ على خَطَرٍ مِنَ النَّارِ: الَّتِي تَحْرِقُ الجُلُوْدَ، وَيَبْلُغُ أَلَمُهَا إلى القُلُوْب.

 

وَمَنْ كانَ المَالُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ رِضَا اللَّهِ؛ عُذِّبَ بِمَالِه! (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة:٣٤-٣٥].

 

والجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَل: فَمَنْ كانَ يَعِيْبُ النَّاسَ، ويَنْهَشُ أَعْرَاضَهُمْ، وَيَأْكُلُ حُقُوْقَهُمْ؛ وَيَكْسِرُ قُلُوْبَهُمْ، ويَحْرِقُ أَفْئِدَتَهُمْ؛ بالظُّلْمِ والعُدْوَان؛ فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْعُقُوْبَةِ بِالنِّيْرَان، وَسَتَأْكُلُ النَّارُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ، وَتَنْهَشُ جِلْدَه، وتَكْسِرُ عَظْمَه، حَتَّى تَبْلُغَ حَرَارَتُهَا إلى فُؤَادِهُ وَقَلْبِه! (جَزَاءً وِفَاقًا)[النبأ:26].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

 فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

 

المرفقات

الهمزة.pdf

الهمزة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات