الهمة العالية

تركي بن عبدالله الميمان

2021-05-14 - 1442/10/02 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/أوصاف أهل الهمم 2/الدنيا دار المعالي والهمم

اقتباس

وَأَصْحَابُ الهِمَمِ العَالِيَة، لا يَرْضَوْنَ إلا بالجَنَّةِ العَالِيَة! كما عَلَّمَهُم نَبِيُّهُمْ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِه: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ وَسطُ الجَنَّةِ، وأَعْلَى الجَنَّةِ...

الخُطْبَةُ الأُولى:

 

عِبَادَ الله: خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ، وفَاوَتَ بَيْنَهُمْ فِي هِمَمِهِمْ، حَتَّى تَرَى بَيْنَ الهِمَّتَيْنِ؛ أَبعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب! و (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ)[الحديد:21]، "فَهِمَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَنْ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَهِمَّةٌ حَائِمَةٌ حَوْلَ الْأَنْتَانِ وَالْحُشِّ!".

       

وَالْهِمَّةُ العَالِيَةُ؛ لا تَرْضَى بِغَيْرِ اللهِ بَدَلاً؛ ولَا تَبِيعَ الآخِرَةَ البَاقِيَة، بِالحُظُوْظِ الخَسِيْسَةِ الفَانِيَةِ؛ أولَئِكَ (الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ)[النساء: 74].

 

وَصَاحِبُ الهِمَّةِ العَالِيَة يُحِبُّهُ الله؛ لِأَنّهُ يَجْتَهِدُ في المَعَالِي والفَضَائِل، ولا يَنْشَغِلُ بِالتَّوَافِهِ والرَّذَائِل! قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا"(رواه الطبراني في الأوسط، وصحّحه الألباني).

 

وَإِذَا أَبْغَضَ اللهُ شَخْصًا لَمْ يَخْلُقْ لَهُ هِمَّةً عَالِيَة؛ فَانْشَغَلَ بِالرَّذَائِلِ عَنْ الفَضَائِل، وَسَقَطَ مِنْ سَمَاءِ التَّوْحِيدِ والإِسْلَام، وَتَخَبَّطَ فِي أَوْدِيَةِ الكُفْرِ والظَّلَام! (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج:31].

 

والْمُتَخَلِّفُونَ عَنْ رَكْبِ الْهِمَمِ العَالِيَة؛ (كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)[التوبة: 46]. قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: "ثَبَّطَ عَزَائِمَهُمْ وَهِمَمَهُمْ: أَنْ تَسِيرَ إِلَيْهِ وَإِلَى جَنَّتِهِ".

 

والمَرَاتِبُ السَّامِيَة، لا تُنَالُ إِلا بِالْهِمَّةِ العَالِيَة! قالَ ابنُ القَيِّم: "الخَيْرَاتُ وَاللَّذَّات، لَا يُعْبَرُ إِلَيْهَا إِلَّا على جِسْرٍ مِنَ التَّعَب، وَكُلَّمَا كَانَتْ الهِمَّةُ أَعْلَى؛ كَانَ تَعَبُ الْبَدَنِ أَوْفَر، وَحَظُّهُ مِنَ الرَّاحَةِ أَقَل!".

 

وَإِذا كَانَتْ النُّفُوسُ كِبَارًا *** تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ

 

وَهِمَّةُ المُؤْمِنِ مُتَعَلِّقَةٌ بالآخِرَةِ؛ فَكُلُّ ما في الدُّنْيا يُحَرِّكُهُ إِلَيْهَا! قالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيز: "إِنَّ لِي نَفْسًا تَوَّاقَةً، لَا تُعْطَى شَيْئًا؛ إِلَّا تَاقَتْ إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، وَإِنِّي لَمَّا أُعْطِيتُ الْخِلَافَةَ؛ تَاقَتْ نَفْسِي إِلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا، وَهِيَ الْجَنَّةُ!".

 

وَأَصْحَابُ الهِمَمِ العَالِيَة، لا يَرْضَوْنَ إلا بالجَنَّةِ العَالِيَة! كما عَلَّمَهُم نَبِيُّهُمْ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِه: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ؛ فَإِنَّهُ وَسطُ الجَنَّةِ، وأَعْلَى الجَنَّةِ!"(رواه البخاري).

 

وصَاحِبُ الهِمَّةِ العَالِيَة؛ يَغَارُ على وَقْتِهِ أَنْ يَضِيعَ فَي غَيرِ فَائِدَة! فَهُوَ يُحَدِّدُ هَدَفَه، وَيُخَطِّطُ لِوَقْتِه، لَيْسَ عِنْدَهُ فَرَاغٌ أَوْ مَلَل، وَلَا إِحبَاطٌ أَوْ كَسَل! وشِعَارُه: (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ)[الشرح:7-8].

 

قالَ ابنُ عَقِيلِ الحَنْبَلي: "لَا يَحِلُّ لي أَنْ أُضِيْعَ سَاعَةً مِنْ عُمُرِي، حَتَّى إِذَا تَعَطَّلَ لِسَانِي عَنْ مُذَاكَرَة، وَبَصَرِيْ عَنْ مُطَالَعَة؛ أَعْمَلْتُ فِكْرِيْ في حَالَةِ رَاحَتِي؛ فَلَا أَنْهَضُ إِلَّا وَقَدْ خَطَرَ لِيْ مَا أُسَطِّرُه، وَإِنِّي لَأَجِدُ مِنْ حِرْصِي على العِلْمِ وَأَنَا في الثَّمَانِين؛ أَشَدّ مَمَّا كُنْتُ أَجِدُهُ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ!".

 

وَصَاحِبُ الهِمَّةِ، يَبْحَثُ عَنْ الفُرْصَة، ولا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ العَثْرَة؛ وإذا أُغْلِقَ في وَجْهِهِ بَاب؛ طَرَقَ بَابًا آخَر، وَيَقُولُ لِلْمُثَبِّطِيْن: (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِين)[الشعراء: 62].

 

وَصَاحِبُ الهِمَّةِ العَالِيَة، يَسْتَغْنِي بِالخَالِقِ عَنْ سُؤَالِ الخَلْق، وَقَصِيرُ الهِمَّة: لا يُبَالي بِمِنَنِ النَّاس، ولا يَسْتَقْبِحُ سُؤُالَهَم! قال -صلى الله عليه وسلم-: "اليَدُ العُلْيَا، خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى"(رواه الترمذي، وصحّحه الألباني). قال ابنُ الجَوْزِي: "قبولُ المِنَنِ؛ مِمَّا تَأْبَاهُ الهِمَّةُ العَالِيَة".

 

وَصُحْبَةُ أَهْلِ الهِمَم تَشْحَذُ الهِمَّة، وَقِرَاءَةُ سِيَرِهِمْ: تَبْعَثُ العَزِيمَة! (لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ)[يوسف:111].

 

وأَصْحَابُ الهِمَم؛ لا يَثِقُونَ بِأَعْمَالِهِمْ، ولا يَغْتَرُّوْنَ بِإِنْجَازَاتِهِمْ، و (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)[المؤمنون:60].

 

وَمَنْ شَغَلَ هِمَّتَهُ بِمَا يُفِيْد: تَقَدَّمَ إِلَى رَبِّه، وإِلَّا تَأَخَّر، ولا وُقُوْفَ في الطَّرِيقِ البَتَّة! قال تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)[المدثر:37].

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

عِبَاد الله: الدُّنْيا دَارُ سِبَاقٍ إلى المَعَالِي! ومَرَاتِبُ الآخِرَة، تَعْلُوْ بِالهِمَّةِ العَالِيَة، فَمَنْ عَلَتْ هِمَّتُه؛ عَلَتْ رُتْبَتُه، وَمَنْ اشْتَغَلَ بالدُّوْن؛ فَاتَهُ الأَعْلَى! (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[فاطر:32].

 

نَسْأَلُ اللهَ هِمَّةً عاليةً تَسْمُو إلى الكمال، وتوفيقًا لِصَالِحِ الأعمال.

 

المرفقات

الهمة العالية.pdf

الهمة العالية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
04-07-2021

ماشاء الله