الهجرة إلى الحبشة (2/2) أسباب وغايات -أحداث ونتائج

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

أما ما أعطاه من دروس للخطباء؛ فكان في بلاغته وفصاحته ووجيز عباراته، التي سرد من خلالها-وبأدق وأقوى الأوصاف-حالهم قبل الإسلام من فساد وانحلال وضياع، ثم تحليل رائع لشخصية الرسول-صلى الله عليه وسلم- ومكانته وفضله وأخلاقه، التي جعلت الناس تصفه بالصادق الأمين قبل البعثة، ثم أبرز-بعدها-محاسن الإسلام وما يأمر به من مكارم وفضائل، قد أجمعت عليها كل الرسالات وحتى عقلاء الناس، بحيث لا يستطيع أن ينكرها أو يردها أحد، ثم بين جرائم قريش واضطهادها للمؤمنين؛ لأنهم فارقوا الشرك واستجابوا للتوحيد، فلم يستطع داهية العرب عمرو بن العاص أن يرد عليه كلمةً واحدةً مما قاله..

 

 

 

 

 

يبقى في النهاية معرفة سر الرجوع السريع لمهاجري الحبشة، حتى دون أذنٍ من النبي-صلى الله عليه وسلم-الذي أحال المستشرقون ومن تأثر بهم قصة الغرانيق عليه، وقال إنها كانت السبب وراء رجوع المسلمين بسرعة من الحبشة، ولكن عند التحقيق؛ يتضح لنا سر الرجوع السريع وأسبابه كما يلي:

 

1- وقوع بعض الأحداث الهامة خلال فترة الشهرين ونصف التي مضت على هجرة المؤمنين؛ حيث أسلم رجلان من أشد قريش، وهما عمر بن الخطاب، وحمزة بن عبد المطلب، وكلاهما كانا مشهورين بالقوة والشدة والشرف والمكانة والجراءة، كلاهما ذا عزة وشكيمة لا ترام، فلما أسلما؛ قوي جانب المسلمين، وجهروا بصلاتهم في الكعبة، وقاتلوا المشركين الذين أرادوا منعهم من الصلاة في الكعبة، وهذا التغير الاستراتيجي الذي تم في وضعية المسلمين داخل مجتمع قريش؛ دفع قريشاً لئن تخفف قليلاً من وطأة التعذيب والاضطهاد، يقول ابن مسعود-واصفاً إسلام عمر، وأثره على وضع المسلمين في قريش وقتها-: (إنَّ إسلام عمر كان فتحاً، وإنَّ هجرته كانت نصراً، وإنَّ إمارته كانت رحمةً، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة؛ حتى أسلم عمر، فلما أسلم؛ قاتل قريشاً حتى صلى عند الكعبة وصلينا معه) وكان غاية ما يطمح إليه المؤمنون في تلك الفترة؛ القدرة على الإعلان بدينهم وأداء شعائرهم بحرية، بل ما هاجروا وتفرقوا في البلاد؛ إلا فراراً بدينهم، فلما أمكن الجهر وخفت الوطأة؛ بادروا بالرجوع، خاصة وأن لم يكن لديهم أمر صريح من الرسول-صلى الله عليه وسلم-بالبقاء هناك حتى إشعار أخر مثلما حدث بالهجرة الثانية.

 

2-السبب الثاني: أن الأوضاع داخل الحبشة قد اضطربت بشدة، ذلك أن ثورة شديدة قامت ضد حكم النجاشي (الملك العادل الصالح)، وكان المسلمون من القلة، وحداثة العهد بالبلد بمكان يمنعهم من الاشتراك في تلك الثورة بجانب النجاشي، وكانت غاية رجاءهم وسعيهم دعواتهم للنجاشي بالنصر، ومع توارد أخبار إسلام عمر وحمزة، وتهدئة الأوضاع داخل قريش؛ قوي عزم المهاجرين على العودة إلى بلادهم، واللحاق بعشائرهم، وهو ما حدث بالفعل.

 

الهجرة الثانية إلى الحبشة:

 

عاد المهاجرون من الحبشة، ولكنهم اكتشفوا أن حقيقة الواقع تختلف عن الصورة المثالية، التي نقلت إليهم، حيث وجدوا أن قريشاً قد استوعبت صدمة إسلام حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب، وشرعت في تنفيذ خطة اضطهاد جديدة أشد وأشمل من سابقيها، حتى أن المهاجرين لم يستطيعوا دخول مكة؛ إلا بجوار أكابر قريش وسادتها، ومنهم عثمان بن مظعون، الذي دخل مكة بجوار الوليد بن المغيرة.

 

اشتد إيذاء المشركين للمؤمنين ووثبت العشائر والقبائل على ذويها من المسلمين، وبالغوا بالتنكيل بهم، فأذن الرسول-صلى الله عليه وسلم-المؤمنين بالهجرة مرةً أخرى إلى الحبشة، ورغم الاحتياطات الوقائية التي أخذتها قريش في التضييق والحصار على المؤمنين، إلا أن المؤمنين قد استطاعوا أن يخرجوا بصورة أكبر من الأولى، حيث بلغ عدد المهاجرين في الثانية بضع وثمانين رجلاً وثمانية عشر امرأةً ذلك عدا الأبناء الصغار ومن ولد هناك.

 

مؤامرة قريش على مهاجرة الحبشة:

 

اغتاظ المشركون-بشدة-من خروج المؤمنين الثاني إلى الحبشة، خاصةً بعد أن ترامت إليهم أخبار الأمن والاستقرار الذي عليه المؤمنون في الحبشة، وحريتهم، وسلامتهم، وممارستهم لشعائر دينهم بلا خوف أو إصرار، فقرروا القيام بمؤامرة دنيئة لاسترجاع المهاجرين بأسلوب الرشوة.

 

والحقيقة أن الروايات التي وردت في خبر مؤامرة قريش؛ قد سببت-كثيراً-من الارتباك والتداخل عند المؤرخين قديماً وحديثاً، وذلك لعدة أسباب:

 

1-إن الروايات التي وردت في الحادث كلها صحيحة.

 

2-الاختلاف والاتفاق في بعض الشخصيات التي وردت في الروايات، فرواية تذكر وفد قريش، يقوده عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، ورواية تذكر عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، والمتكلم عن المسلمين في كلا الروايتين هو جعفر بن أبي طالب.

 

3-تكرر أسئلة النجاشي في كل الروايات وكذلك تكرر إجابات جعفر بن أبي طالب.

 

4-إسلام النجاشي في إحدى الروايات، ثم إرسال النبي-صلى الله عليه وسلم-عمرو بن أمية الضمري يدعوه إلى الإسلام، وإكرام من عنده من المهاجرين في العام السابع من الهجرة.

 

وذلك الاختلاف والتعارض في الروايات؛ دفع البعض لرد الخبر بكل رواياته، وإنكاره أو تصحيح بعض الروايات وتضعيف الباقي، أو الاهتمام برواية معينة وإهمال الباقي.

 

كيفية الجمع بين الروايات:

 

الأصل عند أهل العلم في التعامل مع الروايات والأخبار الصحيحة التي ظاهرها التعارض؛ يكون-أولاً-الجمع بينها، فإن تعذر الجمع، فالناسخ والمنسوخ بمعرفة تاريخ كل رواية، فإن تعذر فالعمل بأشهر الروايات وأصحها إسناداً، فإن تعذر فالتوقف هو آخر الحلول.

 

على أن مسألة الجمع بين تلك الروايات يسير ولا صعوبة فيه، فالحادثة لها ثلاث روايات كما يلي:

 

الرواية الأولى:

 

عند ابن إسحاق في السيرة عن الزهري، وأخرجها الإمام أحمد في مسنده عن أم سلمة، والهيثمي في مجمع الزوائد، وقال رجال الصحيح، وكذلك قال ابن كثير، وهى الرواية التي تذكر وفادة عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد، وجاء فيها ( خرج جعفر بن أبي طالب-رضي الله عنه-في رهط من المسلمين عند ذلك فرارا بدينهم أن يفتنوا عنه إلى أرض الحبشة، وبعثت قريش عمرو بن العاص، وعمارة بن الوليد بن المغيرة، وأمروهما أن يسرعا السير؛ ففعلا وأهدوا إلى النجاشي فرساً وجبة ديباج، وأهدوا لعظماء الحبشة هدايا، فلما قدما على النجاشي قبل هداياهم، وأجلس عمرو بن العاص على سريره، فقال عمرو: إن بأرضك رجالا منا سفهاء ليسوا على دينكم ولا على ديننا، فادفعهم إلينا، فقالت عظماء الحبشة للنجاشي: أجل فادفعهم إليهم، فقال النجاشي: لا والله لا أدفعهم إليهم؛ حتى أكلمهم وأعلم على أي شيء هم، فقال عمرو بن العاص: هم أصحاب الرجل الذي خرج فينا وسنخبرك بما نعرف من سفههم وخلافهم الحق أنهم لا يشهدون أن عيسى ابن الله، ولا يسجدون لك؛ إذا دخلوا عليك، كما يفعل من أتاك في سلطانك، فأرسل النجاشي إلى جعفر وأصحابه، وأجلس النجاشي عمرو بن العاص على سريره؛ فلم يسجد له جعفر ولا أصحابه، وحيوه بالسلام، فقال عمرو وعمارة: ألم نخبرك خبر القوم والذي يراد بك؟ فقال النجاشي: ألم تحدثوني أيها الرهط! مالكم لا تحيوني كما يحييني من أتاني من قومكم وأهل بلادكم وآخرون؟ وأخبروني ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟ وما دينكم: أنصارى أنتم؟ قالوا: لا. قال: أفيهود أنتم؟ قالوا: لا. قال: فعلى دين قومكم؟ قالوا: لا. قال: فما دينكم؟ قالوا: الإسلام. قال: وما الإسلام؟ قالوا: نعبد الله وحده لا شريك له ولا نشرك به شيئاً، قال: من جاءكم بهذا؟ قالوا: جاءنا به رجل من أنفسنا، قد عرفنا وجهه ونسبه، بعثه الله إلينا كما بعث الرسل إلى من قبلنا، فأمرنا بالبر والصدق والوفاء، وأداء الأمانة، ونهانا أن نعبد الأوثان، وأمرنا أن نعبد الله-وحده لا نشرك به-فصدقناه وعرفنا كلام الله-تعالى-وعلمنا أن الذي جاء به من عند الله؛ فلما فعلنا ذلك؛ عادونا قومنا وعادو النبي-صلى الله عليه وسلم-الصادق وكذبوه، وأرادوا قتله، وأرادونا على عبادة الأوثان؛ ففررنا إليك بديننا ودمائنا من قومنا، ولو أقرُّونا استقررنا. فقال النجاشي: والله إن خرج هذا الأمر إلا من المشكاة التي خرج منها أمر عيسى-عليه السلام-قال جعفر: وأما التحية فإن رسولنا أخبرنا: أن تحية أهل الجنة؛ السلام، وأمرنا بذلك فحييناك بالذي يحيى به بعضنا بعضاً، وأما عيسى بن مريم-عليه السلام-فهو عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وابن العذراء البتول، فخفض النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عوداً وقال: والله ما زاد ابن مريم على هذا وزن هذا العود، فقال عظماء الحبشة: والله لئن سمعت هذا الحبشة؛ لتخلعنك. فقال النجاشي: والله لا أقول في عيسى غير هذا أبداً، وما أطاع الله-عز وجل-الناس فيَّ حين رد إلى ملكي، فأنا أطيع الناس في دين الله، ثم قال: ارجعوا إلى هذا هديته-يريد عمرو بن العاص-والله لو رشوني في هذا دبْر ذهب (والدبْر في لسان الحبشة الجبل) ما قبلته، وقال لجعفر وأصحابه: امكثوا فإنكم سُيُوم، والسُيُوم (الآمنون)، قد منعكم الله-عز وجل-، وأمر لهم بما يصلحهم من الرزق، وقال: من نظر إلى هؤلاء الرهط نظرةً تؤذيهم؛ فقد رغم (أي فقد عصاني).

 

تلك هي الرواية الأولى، ومن خلالها يتضح عدة أمور:

 

1-أن الوفادة الأولى كانت بعد الهجرة الثانية مباشرة، بحيث لم يدرك النجاشي معرفة حقيقة الأغراب الذين نزلوا بلده.

 

2-أن النجاشي كان على النصرانية الحقة، ولكن ليس في تلك الرواية ما يدل على إسلامه.

 

الرواية الثانية:

 

 فقد أخرجها الإمام أحمد، والبيهقي، وهي في السيرة عند ابن إسحاق، وسندها صحيح، وهي تكاد تكون متطابقة مع الرواية الأولى، إلا في أمور بسيطة، هي التي كشفت أنَّ تعدد الروايات؛ إنما جاء لتكرر وقوع الحادثة، وتكرر محاولات قريش استرجاع المهاجرين. ففي الرواية الثانية؛ نجد أن وفادة قريش كانت تحت قيادة عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، وأنها كانت في أعقاب غزوة بدر، وكان الهدف منها؛ إدراك الثأر من هزيمة بدر، والنيل من محمد-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، والدليل على أن تلك المحاولة كانت في أعقاب غزوة بدر، أن جعفر-رضي الله عنه-عندما أخذ في توضيح رسالة الإسلام وما بعث به النبي-صلى الله عليه وسلم-ذكر إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، ومعروف أن الصوم، والزكاة؛ لم يفرضا؛ إلا في العام الثاني من الهجرة، قبل بدر بقليل، والرواية الأولى لم تذكر سوى عبادة الله-وحده-، وترك الشرك والأوثان، أما عن سؤال النجاشي في هذه الرواية فهي نفس سؤالاته في الرواية الأولى، فهذا ليس له سوى تفسير واحد؛ هو أن النجاشي في الرواية الأولى غير النجاشي في الرواية الثانية، والنجاشي كما هو معلوم لقب وليس اسم، فالنجاشي لقب لمن ملك الحبشة، كما فرعون لقب لمن ملك مصر، وقيصر لمن ملك الروم، وكسرى لمن ملك الفرس، وخاقان لمن ملك الترك، وهكذا، والنجاشي في الرواية الثانية هو الذي أسلم وآمن-سراً-بالنبي-صلى الله عليه وسلم-، والفارق بين الوفادة الأولى والثانية؛ قرابة العشر سنوات، وهذا الأمر يجعل من المحتمل؛ وفاة الأول أو خلعه بإحدى الثورات، وأرض الحبشة-كما هو معروف تاريخياً-أرض تموج بالثورات والانقلابات الداخلية حتى عصرنا الحالي.

 

أما عن كتابة الرسول-صلى الله عليه وسلم-يدعوه إلى الإسلام فهذا له احتمالان: الأول وهو الأرجح أن يكون الرسول-صلى الله عليه وسلم-لم يطلع على إسلام النجاشي؛ لأنه كان يخفي-بشدة-إسلامه؛ حتى لا يثور عليه الأحباش، والثاني-وقد يكون مقبولاً-وهو ما ذهب إليه ابن كثير: أن النجاشي الذي آمن على يد جعفر قد مات، وجاء من بعده النجاشي الذي أرسل إليه الرسول-صلى الله عليه وسلم-يدعوه إلى الإسلام.

 

أهم الدروس والعبر من حادثة الهجرة إلى الحبشة:

 

1-شرعية الهجرة من المكان الذي لا يأمن فيه المسلم على دينه ونفسه، بحيث لا يستطيع أن يباشر شعائر دينه بحرية وأمان، فكل مكان لا يستطيع المسلم فيه أن يلتزم بما أمره الله من أداء العبادات والتزام الواجبات وترك المحرمات، لا يجوز للمسلم أن يمكث فيه كما قال الله-عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا...) [النساء: 97]، والأرض التي يفتن فيها المؤمن عن دينه؛ لا يحل له المقام بها؛ إلا إذا كان مضطراً أو محصوراً، وهذا الحكم الشرعي قائم ومحكم غير منسوخ إلى قيام الساعة.

 

2-ذكاء النبي-صلى الله عليه وسلم-وحكمته وحسن اختياره لمكان الهجرة –بلاد الحبشة – مما يدل على سعة اطلاعه بأحوال الأمم والممالك المجاورة، وخططه الاستراتيجية البعيدة في فتح قواعد جديدة للإسلام والمسلمين.

 

3-رحمة النبي-صلى الله عليه وسلم-وشفقته بأمته عندما أمرهم بالخروج من مكة؛ تجنباً لحملات الاضطهاد والتعذيب، ثم إعطاءه القدوة من نفسه-بأبي هو وأمي-صلى الله عليه وسلم-، إذ أرسل ابنته وزوجها، وابن عمه جعفر، وابن عمته الزبير، وابن عمته الآخر أبا سلمة في مقدمة المهاجرين؛ حتى لا يقال: إنَّ محمداً قد قذف بالمستضعفين، والأباعد من غير ذوي القربى إلى بلاد نائية، وعرضهم للأخطار في أرض مجهولة.

 

4-جواز الاحتماء بغير المسلمين عند الضرورة؛ إذا دعت الحاجة لذلك – كما احتمى المهاجرون عند النجاشي وكان في أول أمره على غير الملة، ولكنه كان عادلاً صالحاً، وذلك دون أيَّ تنازل عن ثوابت الدين وعقائده، أو ترك لبعض أوامره، أو اقتراف لبعض نواهيه، فالدخول يكون باعتزاز وتمسك بالدين، وللضرورة القصوى.

 

5-أهمية العدل ومكانته في استقرار الأحوال، وقيام الأمم والممالك، وأن العدل من أهم صفات الحاكم الصالح؛ لأن مقتضى العدل سيدفع الحاكم إلى اتخاذ القرارات الصحيحة، وتجنب القرارات الخاطئة، وعلى رأسها: ظلم العباد الذي هو بالأساس خراب وهلاك البلاد.

 

6-الدروس الكثيرة والعظيمة التي أعطاها جعفر بن أبي طالب-رضي الله عنه-الذي ضرب أروع وأرقى الأمثلة للدعاة والخطباء والقادة.

 

أما ما أعطاه من دروس للدعاة؛ ففي حسن عرض رسالة الإسلام بصورة لا خلل فيها ولا ملل، مع التركيز على أهم قضايا الإسلام أو كلياته، مع عدم المهادنة أو المدارة، أو كتم بعض عقائد الإسلام من أجل إرضاء الباطل، أو الخروج من الأزمة، وفى نفس الوقت تجنب الصدام مع النجاشي، وجعل جل تركيزه في كشف بطلان وظلم وطغيان أهل مكة.

 

أما ما أعطاه من دروس للخطباء؛ فكان في بلاغته وفصاحته ووجيز عباراته، التي سرد من خلالها-وبأدق وأقوى الأوصاف-حالهم قبل الإسلام من فساد وانحلال وضياع، ثم تحليل رائع لشخصية الرسول-صلى الله عليه وسلم- ومكانته وفضله وأخلاقه، التي جعلت الناس تصفه بالصادق الأمين قبل البعثة، ثم أبرز-بعدها-محاسن الإسلام وما يأمر به من مكارم وفضائل، قد أجمعت عليها كل الرسالات وحتى عقلاء الناس، بحيث لا يستطيع أن ينكرها أو يردها أحد، ثم بين جرائم قريش واضطهادها للمؤمنين؛ لأنهم فارقوا الشرك واستجابوا للتوحيد، فلم يستطع داهية العرب عمرو بن العاص أن يرد عليه كلمةً واحدةً مما قاله.

 

أما دروسه التي أعطاها للقادة؛ فيكفي أن نعرف أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-كان قد جعل عثمان بن مظعون أميراً على مهاجرة الحبشة، ولكن جعفر بن أبي طالب أخذ زمام المبادرة القيادية؛ لما رأى أن خصمه هو داهية العرب عمرو بن العاص، وهذا ظرف استثنائي يحتاج لرجل مثل عمرو يقارعه في الذكاء والسياسة وحسن التصرف، لذلك لما أرسل النجاشي إلى المهاجرين يطلبهم؛ ليسألهم وعلموا أن قريشاً قد أرسلت عمراً، وعمارةَ ثم عمراً وعبد الله، قال جعفر-مبادراً-: (أنا اليوم خطيبكم لا يتكلم أحد سواي) وهذا ليس حباً في القيادة، أو طمعاً في السمعة والشرف؛ ولكن لأنه رأى أن الظرف خطير ويحتاج لرجل عنده مؤهلات خاصة، ثم ظهرت كفاءة جعفر القيادية في إبطال كل حجج عمرو بن العاص، وهو ما ظهر من قراراته الصائبة، واختياراته الراجحة، فقد اختار أن يقرأ عليهم عندما طلبوا سماع شيء من القرآن، صدر سورة مريم، فكان لها مفعول السحر في خضوع قلوبهم وبكاء عيونهم.

 

 

------------

 

أهم المراجع والمصادر:

 

1-السيرة النبوية لابن هشام.

2-دلائل النبوة.

3-الروض الأنف.

4-الدرر في السير والمغازي.

5-الطبقات.

6-تاريخ الطبري.

7-البداية والنهاية.

8-صفة الصفوة.

9-سير أعلام النبلاء.

10-السيرة للصلابي.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات