النية مطية

عبد الله الواكد

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ أهمية النية 2/ ثبوت ثواب النية الصادقة ولو تعذّر العمل 3/ تضاعف أجر الأعمال اليسيرة بالنية الصالحة 4/ ما يترتب على صلاح النية أو فسادها

اقتباس

إنَّ الإخلاص لا يكون إلا بِنِيَّةٍ صالحةٍ؛ لأن النيةَ هي المنطلق للأعمال كلِّها، ولا يكون الإخلاص إلا بصلاح النية، لا يمكن أن يجتمع الإخلاص مع فساد النية، وصَدَق العرب إذ يقولون: "النية مطية".

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله القائل: (وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [الزمر:3]، أحمده حمد الشاكرين، وأثني عليه ثناء المخبتين.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله رب العالمين، لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وخلفائه الغر الميامين، وصحابته الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أيها المسلمون: اتقوا الله -عز وجل- القائل:  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

 

أيها الناس: قال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) [الزمر:2-3].

 

وقال -سبحانه وتعالى-: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين) [الأنعام:162-163]

 

قيل للفضيل بن عياض: يا أبا علي، ما أخلص العمل وأصوبه؟ قال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. ثم قرأ قوله -تعالى-: (فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].

 

أيها المسلمون: الإخلاص هو روح عمل المسلم، وأهم صفاته، فبدونه يكون جهده وعمله هباءً منثورًا، فيجب على المسلم أن يكون مخلصًا لله -عز وجل-  لا يريد رياءً ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا مدحهم وحمدهم، إنما يعمل الصالحات ويدعو إلى الله يريد وجهه  -تعالى-.

 

أيها المسلمون: إنَّ الإخلاص لا يكون إلا بِنِيَّةٍ صالحةٍ؛ لأن النيةَ هي المنطلق للأعمال كلِّها، ولا يكون الإخلاص إلا بصلاح النية، لا يمكن أن يجتمع الإخلاص مع فساد النية، وصَدَق العرب إذ يقولون: "النية مطية".

 

فالنية -يا عباد الله- أساس العمل وقاعدته، ورأس الأمر وعموده، وأصله الذي عليه بُنِيَ؛ لأنها روح العمل، وقائده، وسائقه، والعمل تابع لها، يصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يحصل التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:114].

 

وجاء في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:  "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".

 

وهذا يدل على أهمية ومكانة النية، وأن الدعاة إلى الله والعلماء والمنفقين والصائمين والقائمين والحجاج والمعتمرين وغيرهم من المسلمين بحاجة إلى إصلاح النية.

 

إن النية إذا صلحت أُعطي العبد الأجر الكبير، والثواب العظيم، ولو لم يعمل بما نواه، إنما نوى نية صادقة، ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مرض العبد أو سافر كُتِب له مثلُ ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا" رواه البخاري وأبو داود.

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من امرئٍ تكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كُتبَ له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة".

 

وعند أبي داود والنسائي بسند قواه ابن حجر في الفتح، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن توضّأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر، لا ينقص ذلك من أجره شيئًا".

 

وعند الإمام مسلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن سأل الله الشهادة بصدقٍ بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".

 

وهذا يدل على فضل الله -سبحانه وتعالى- وإحسانه إلى عباده؛ كما ورد في البخاري في غزوة تبوك قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد تركتم بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من وادٍ، إلا وهم معكم فيه"، قالوا: يا رسول الله، كيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "حَبَسهُمُ العذر". وهنا يتبين دور العذر الشرعي في كتابة الأجر.

 

فيا أيها المسلمون: بالنية الصالحة يضاعف الله الأعمال اليسيرة؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لرجل جاء إليه مقنعاً بالحديد، وحينما قال: يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أسْلِمْ ثم قاتِلْ"، فأسلم ثم قاتل فَقُتِلَ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عمل قليلاً وأجر كثيرًا"  متفق عليه.

 

وجاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخل في الإسلام، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمه الإسلام وهو في مسيره، فدخل خف بعيره في جحر يربوع، فوقصه بعيره فمات، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عمل قليلاً وأجر كثيرًا".

 

وبالنية الصالحة يبارك الله في الأعمال المباحة، فيثاب عليها العبد، ففي الصحيحين، من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة". وقال -صلى الله عليه وسلم- لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-: "إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعلُ في فيِّ امرأتك" متفق عليه.

 

وعند الترمذي، وصححه الألباني، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الدنيا لأربعة نفرٍ: عبد رزقه الله مالاً وعلمًا فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًّا، فهذا بأفضل المنازل؛ وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان! فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًّا، فهو بأخبث المنازل؛ وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء".

 

وقال -صلى الله عليه وسلم-...:  "إن الله -عز وجل- كتب الحسنات والسيئات، ثم بيّن ذلك، فمَن همّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة...".

 

أيها المسلمون: إن النية الصالحة يدور عليها صلاح العمل وفساده، وعظم الأجر وقليله، وإكرام الخالق ومقته، وما -والله!- أسوأ من حظ من خسر الدنيا والآخرة! فلا هو ظفر بالدنيا ولا ظفر بالآخرة، فاعتنوا أيها المسلمون بنياتكم، فـ "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من العلوم الظاهرة والمستكنة، وتاب علي وعليكم وعلى سائر المسلمين صاحب الفضل والمنة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها المسلمون: لقد تعطرت مسامعكم بما ورد في الكتاب والسنة من أهمية النية في حياة المسلم العملية والتعبدية، هذه النية التي لا تكلف المسلم شيئا أكثر من انصرافه عن المخلوق إلى الخالق، فالمخلوق -يا عباد الله- لا يملك لنفسه -فضلا عن غيره- نفعا ولا ضرا، فاجعل نيتك خالصة صافية لله -سبحانه وتعالى-.

 

وصلوا وسلموا...

 

 

 

 

المرفقات

مطية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات