النصيحة وفضل قبولها

صلاح بن محمد البدير

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ قبول النصيحة دليل الرَّشَد 2/ رد النصيحة دأب السفهاء 3/ من عرفَ الحقَّ وجبَ عليه الخضوع له 4/ خطورة إعراض المنصوح عن الدليل 5/ الاستماع لنصيحة الوالدين من البر

اقتباس

قبولُ النصيحة دليلُ الرَّشَد، والرجوعُ إلى الحق فضيلةٌ، وراجِحُ العقل كاملُ النُّهَى إذا وقعَ فيما يشينُه فوُعِظَ وزُجِرَ؛ أقصرَ وانتهَى وارتدعَ وانثنَى، وأسرعَ إلى الإجابة وأظهرَ التوبةَ والإنابةَ. والمُستولِغُ لا يُبالي ذمًّا ولا عارًا، ولا يخافُ لومًا ولا عَذلاً، لا يردعُه توبيخ، ولا يقبَعُه تأنيب، ولا ينفعُه تعنيف. لا يُصغِي لناصحٍ، ولا يلتفِتُ إلى موعظةٍ، تراه على غيِّه مُصِرًّا، وفي ضَلالته مُستمرًّا، (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ)...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرَّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، أحمدُه حمدًا يُوافِي ما تزايَدَ من النِّعَم، وأشكرُه على ما أولَى من الفضلِ والكرَم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعصِمُ من الزَّيغِ وتدفعُ النِّقَم، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمين من عُربٍ وعجَم، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاةً تبقَى وسلامًا يَتْرَى إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعتَه أعلى نسَب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

أيها المسلمون: قبولُ النصيحة دليلُ الرَّشَد، والرجوعُ إلى الحق فضيلةٌ، وراجِحُ العقل كاملُ النُّهَى إذا وقعَ فيما يشينُه فوُعِظَ وزُجِرَ؛ أقصرَ وانتهَى وارتدعَ وانثنَى، وأسرعَ إلى الإجابة وأظهرَ التوبةَ والإنابةَ.

والمُستولِغُ لا يُبالي ذمًّا ولا عارًا، ولا يخافُ لومًا ولا عَذلاً، لا يردعُه توبيخ، ولا يقبَعُه تأنيب، ولا ينفعُه تعنيف. لا يُصغِي لناصحٍ، ولا يلتفِتُ إلى موعظةٍ، تراه على غيِّه مُصِرًّا، وفي ضَلالته مُستمرًّا، (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ) [البقرة: 206]، أخذَته الحميَّةُ والغضبُ، ولم يُقابِل النصيحةَ إلا بالصُّدوف والصُّدود، والتعالِي والتعامِي.

يقول عبدُ الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "كفَى بالمرء إثمًا أن يقول له أخوه: اتَّقِ الله. فيقولُ: عليك بنفسِك، مثلُك يُوصِيني!".

وردُّ النصيحة واحتِقارُ الناصِح والتعالِي على التذكِرة دأبُ السُّفهاء والمُتكبِّرين، وصفةُ الفُجَّار والمُنافقين، قال الله تعالى: (وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ) [الصافات: 13]، ويقول تعالى مُخبِرًا عن جواب قومِ هودٍ - عليه السلام - له بعدما حذَّرهم وأنذرَهم، ورغَّبَهم ورهَّبَهم، وبيَّن لهم الحقَّ ووضَّحَه: (قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ) [الشعراء:136]؛ أي: لن نرجِع عما نحن فيه.

وقال نبيُّ الله صالح -عليه السلام- لقومِه بعد هلاكِهم تقريعًا وتوبيخًا، وهم يسمَعون ذلك: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 79].

أيها المسلمون: ومن عرفَ الحقَّ وجبَ عليه الخضوع له والرجوعُ إليه، والرجوعُ إلى الحقِّ خيرٌ من التمادِي في الباطلِ، وقبولُ الحقِّ والنصيحة لا يحُطُّ من رُتبَة المنصوحِ، ولا ينقُص من قدرِه، ولا يغُضُّ من مكانته ورِياستِه؛ بل يُوجِبُ ذلك له من جلالة القدر، وسامِي المنزلة، وحُسن الثَّناء، وعلوِّ الذِّكر، ما لا يكونُ في تصميمِه على الباطِل.

ومن أصرَّ على باطلِه، واستثقلَ كلامَ ناصحِه؛ ازدُرِي عقلُه، وحُقِّرَ شأنُه، وصُغِّر مكانُه.

قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: "ما نصحتُ أحدًا فقبِلَ مني إلا هِبتُه واعتقدتُّ مودَّتَه، ولا ردَّ أحدٌ عليَّ النصحَ إلا سقطَ من عيني، ورفضتُه".

أيها المسلمون: لماذا تميلُ النفوس إلى من يتملَّق ويُجامِل ولا ينصحُ، مع أن صنيعَه الغشُّ والخِداعُ والمُطاوَعة فيما يضُرُّ؟! وتفِرُّ من الناصِح المُشفِق مع أن نُصحَه صدرَ عن رحمةٍ ورأفةٍ وإحسانٍ وغيرةٍ على المنصُوح.

فطوبَى لمن أطاعَ ناصحًا يهدِيه، واجتنَبَ غاويًا يُردِيه، وشقِيَ من استخفَّ بعِظَة المُشفِق الناصِح، وتعالَى عن تذكِرة الأمينِ الصالحِ، وتمادَى في غوايتِه، ولجَّ في عمايتِه، جاريًا على عاداته القبيحة، وماضِيًا في أخلاقِه الرَّذِيلة.

ويقِظُ القلب، وافِرُ الفِطنة، فهِمُ العقل، يعِي الموعظةَ، وتنفعُه الذِّكرَى: (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى) [الأعلى: 10، 11].

أيها المسلمون: ومن الطوامِّ العِظام: أن يُذكَّر المنصوحُ بدليلٍ من كتاب الله أو سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فيُصِرَّ على باطلِه، ويدفعُ الدليلَ الصحيحَ بالمُجادلَة والمُراوَغة والتأويل الفاسِد.

قال الشعبيُّ -رحمه الله-: "إنما هلكتُم حين تركتُم الآثار -يعني: الأحاديث الصحيحة-". أخرجه البيهقي.

والحقُّ أبلجُ لا لبسَ فيه، ولكنَّ الهوَى يُعمِي ويُصِمُّ، ويُردِي ويُغوِي.

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واخضَعوا للحقِّ، واقبَلوا نُصحَ الأمين، ولا تكونوا ممن لا يُحبُّون الناصِحين.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعَني وإياكم بما فيهما من الآيات والبيِّنات والعِظات والحِكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتِنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رِضوانه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

أيها المسلمون: الوالِدان أعظمُ النَّصَحة شفقةً، وأشدُّهم غيرةً، وأقربُهم رحمةً وحُبًّا ووُدًّا، وأكثرُهم للنصيحةِ بذلاً، ولا أشقَى من ولدٍ يصُمُّ أُذنَيْه عن نصيحةِ والدَيْه، ويُسلِمُ قيادَه لأصحاب السُّوءِ وأهلِ الفُجور والشُّرور والفحشاء والمُنكَر، يقودُونه لكل رذيلة، ويُوقِعُونَه في كل هاويةٍ. ولا يفعلُ ذلك إلا عاقٌّ مرذولٌ، وفاجِرٌ مخذولٌ.

ولا أسعدَ من ولدٍ أصغَى لإرشاد والدَيْه وأنصتَ لنُصحِهما، وأسرعَ إلى إنفاذِ أمرِهما، وأين المهاوِي من المراقِي؟! وأين الظُّلمة من الإشراقِ؟!

أيها المسلمون: ابذُلوا النصيحةَ واقبَلُوها، فلا سعادةَ إلا في بذلِها، ولا فوزَ إلا في قبُولِها؛ فعن أبي رُقيَّة تميم بن أوسٍ الدَّاريِّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدينُ النصيحةُ". قلنا: لمن؟! قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم". أخرجه مسلم.

وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ الورَى؛ فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنَّة المُتَّبعة: أبي بكر، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك وجُودِك وإحسانِك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلامَ وانصُر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ وانصُر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلامَ وانصُر المسلمين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلاد المُسلمين.
 

 

 

 

المرفقات

وفضل قبولها

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات