عناصر الخطبة
1/ من آداب السير والنزول في الرحلات 2/ الإحسان إلى البهائم من طيرٍ وحيوان 3/إطفاء النار قبل النوم 4/التيمم من البرد 5/وجوب الحرص على نظافة المكان.اقتباس
كان الكلام قبل جمعتين ماضيتين عن النزهة أحكام وآداب، عن فضل الأذان وأهميته حتى ولو كان وحده في البَرّ، وأهمية إقامة الصلاة في وقتها وعدم تأخيرها، وأهمية اختيار المكان المناسب، وأهمية دعاء المنزل، والتأمل والتفكر في السهل والجبل والوادي ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
أمَّا بعد: فاتقوا الله أيها المؤمنون، اتقوه في السر والعلانية، فمن اتقى الله نال سعادةً في الدار الفانية والدار الباقية.
عباد الله: كان الكلام قبل جمعتين ماضيتين عن النزهة أحكام وآداب، عن فضل الأذان وأهميته حتى ولو كان وحده في البَرّ، وأهمية إقامة الصلاة في وقتها وعدم تأخيرها، وأهمية اختيار المكان المناسب، وأهمية دعاء المنزل، والتأمل والتفكر في السهل والجبل والوادي والنباتات والكائنات، وكيف سطَّح الله الأرض ونصَب الجبال، وأهمية اصطحاب الصحبة الصالحة التي تُعين على طاعة الله، والتحذير من الصحبة السيئة، وأهمية اختيار المكان المناسب عند الخلاء، واستكمالاً لما سبق نقول وبالله التوفيق:
الوقفة السابعة: عدم النزول ليلاً للنوم في الطريق؛ لأَّنَّه طريق الدواب والهوام، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ، فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ، فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ، فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ"(رواه مسلم: 1926).
والسفر في الخِصب أي في وقت الربيع وإنبات الأرض وكثرة العشب والمرعى، والسفر في السَّنَةِ أي وقت الجدب والقحط، والتعريس هو النزول أواخر الليل للنوم أو الراحة، قال الحافظ النووي -رحمه الله-: "هذا أدب من آداب السير والنزول أرشد إليه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّ الحشرات ودواب الأرض من ذوات السموم والسباع تمشي في الليل على الطرق لسهولتها؛ ولأنها تلتقط منها ما يسقط من مأكول ونحوه، وما تجد فيها من رِمَّةٍ ونحوها، فإذا عرَّس الإنسان في الطريق ربما مرَّ به منها ما يؤذيه فينبغي أن يتباعد عن الطريق"(ينظر شرح النووي على مسلم: 13/69).
الوقفة الثامنة: الإحسان إلى البهائم من طيرٍ وحيوان، إن رأى شيئاً منها يحتاج إلى الماء سقاه، ففي كلِّ كبدٍ رطْبَةٍ أجر، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي، فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ العَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي البَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"(رواه البخاري 2363، ومسلم 2244). وفي رواية عند البخاري: "فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ، فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ"(ينظر الحديث رقم 173).
الوقفة التاسعة: عدم قتل بعض الدواب، وقد ورد النهي عن ذلك، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "إنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ الدَّوَابِّ: النَّمْلَةُ، وَالنَّحْلَةُ، وَالْهُدْهُدُ، وَالصُّرَدُ"(رواه أبو داود 5267، وصححه الألباني في الإرواء 2490).
الوقفة العاشرة: في أيَّام البرد يحرص الناس على إشعال الحطب للتدفئة خصوصاً في البر، وقد يترك بعضهم الجمر مشتعلاً وينام، وهذا خطأ، فالواجب إطفاء النار قبل النوم وعدم التهاون في ذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ"(رواه البخاري 6293، ومسلم 2015).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وَأَجِيفُوا الأَبْوَابَ، وَأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ، فَإِنَّ الفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ البَيْتِ"(رواه البخاري 6295، ومسلم 2012). والفويسقة هي الفأرة.
الوقفة الحادية عشرة: عدم السير وحده ليلاً في البَرّ إذا كانت المسافة مسافة سفر، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ، مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ"(رواه البخاري: 2998). قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "الإنسان لا ينبغي أبداً أن يسير وحده في السفر؛ لأنَّه ربَّما يصاب بمرضٍ أو إغماءٍ أو يتسلطُ عليه أحد أو غير ذلك من المحظورات، فلا يكون معه أحد يدافع عنه أو يخبر عنه أو ما أشبه ذلك، وهذا في الأسفار التي تتحقق فيها الوحدة، وأما ما يكون في الخطوط العامرة التي لا تكاد تمرُّ فيها دقيقةٌ واحدةٌ إلا وتمرُّ بك فيها سيارة فهذا وإن كان الإنسان في سيارةٍ وحده فليس من هذا الباب"(شرح رياض الصالحين 4/ 585).
الوقفة الثانية عشرة: في حال شدة البرد عند مبيته في البر ولا يستطيع تسخين الماء والوقاية من البرد قبل خروج الوقت، وخشي على نفسه أن يتضرر بالوضوء أو بالغسل الواجب، فله أن يتيمم للحدث الأصغر والأكبر، قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: "التيمم لخشية البرد جائز باتفاق الأئمة، وإذا صلى بالتيمم فلا إعادة عليه"(مجموع الفتاوى: 21/463).
عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَامَ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَاحْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: "يَا عَمْرُو، صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟"، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنْ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29]؛ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. (رواه الإمام أحمد 17812، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود).
الوقفة الثالثة عشرة: أهمية نظافة المكان، فلا ينصرف من مكانه الذي نزل فيه إلا ونظَّفه بالكامل، ثم يرمي نفاياته في الحاوية المخصَّصة لها، ولا يترك المكان متَّسخاً بعده، ولا يترك أكياس النفايات في مكان منزله، ولا يترك بقايا العلب والمواد البلاستيكية والزجاجية؛ لأنَّه إذا أتى بعده أحد ورأى المكان يحتاج إلى تنظيف، فإنَّه قد يُحرم من الجلوس فيه، أو يجلس فيه ويتأذَّى من ذلك الوسخ، وقد يصاب بجُرح هو أو من أتى معه بسبب زجاجة ملقاة على الأرض حتى الكائنات قد تتأذى منها وتموت بسببها، ويحصل بذلك التلوث البيئي، وفي ذلك إثم، وقد يُدعى عليه.
ومن حق المسلم على المسلم أن يكفَّ أذاه عنه، وإذا كان في إماطة الأذى صدقة؛ فإنَّ في إلقاء الأذى إثمًا وخطيئةً؛ ففي الحديث الصحيح: "وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ"(رواه البخاري 2989، ومسلم 1009). وهذا من محاسن الأعمال، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ"(رواه مسلم: 553).
فليحرص كل من خرج إلى البَرّ على النظافة، فمن حقِّ من يأتي بعده أن يرى المكان نظيفاً، ولو حرص كل واحد على النظافة في المنتزهات البرية وغيرها لما احتجنا إلى عمَّال نظافة، يعملون على تنظيف تلك الأماكن، ولكنه التهاون واللامبالاة عند بعض من قلَّ نصيبه من الأدب والنظافة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي ،هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم