عناصر الخطبة
1/قصة وعبرة 2/فضل النزاهة وأهميتها 3/من صور النزاهة المحمودة 4/الحث على القناعة وعدم الطمع.اقتباس
فَالنَّزَاهَةُ خُلُقٌ ثَمِينٌ، وَمَعْدِنٌ نَفِيسٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَيُحِبُّهُ النَّاسُ، تُثْمِرُ الْوَرَعَ، وَتُنَمِّي التَّقْوَى، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا الْبُعْدُ عَنِ الْمَطَامِعِ الدَّنِيَّةِ وَمَوَاقِفِ الرِّيبَةِ؛ فَالطَّمَعُ ذُلٌّ، وَالدَّنَاءَةُ لُؤْمٌ، وَهُمَا أَدْفَعُ شَيْءٍ لِلْمُرُوءَةِ.
الخُطْبَةُ الأُولَى
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي بَاعَ الأَرْضَ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا. قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلامٌ. وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحِ الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ، وَتَصَدَّقَا".
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ يَظْهَرُ فِيهَا خُلُقُ النَّزَاهَةِ شَامِخًا بَيْنَ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ يَحَارُ الْمَرْءُ أَيُّهُمَا يُفَضِّلُ.
فَالنَّزَاهَةُ خُلُقٌ ثَمِينٌ، وَمَعْدِنٌ نَفِيسٌ يُحِبُّهُ اللهُ وَيُحِبُّهُ النَّاسُ، تُثْمِرُ الْوَرَعَ، وَتُنَمِّي التَّقْوَى، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهَا الْبُعْدُ عَنِ الْمَطَامِعِ الدَّنِيَّةِ وَمَوَاقِفِ الرِّيبَةِ؛ فَالطَّمَعُ ذُلٌّ، وَالدَّنَاءَةُ لُؤْمٌ، وَهُمَا أَدْفَعُ شَيْءٍ لِلْمُرُوءَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ صُوَرًا مِنَ النَّزَاهَةِ، مِنْهَا:
التَّنَزُّهُ عَنِ الْمَالِ الْمَشْبُوهِ: فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَمِنْ صُوَرِ النَّزاهَةِ: التَّنَزُّهُ عَنْ مَوَاقِفِ الرِّيبَةِ:
وَهِيَ الأَشْيَاءُ الَّتِي رُبَّمَا تَجْلِبُ لِلْمَرْءِ تُهْمَةً لَهُ أَوْ شَكًّا فِيهِ أَثْنَاءَ تَصَرُّفِهِ أَوْ قَوْلِهِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ وَرِعًا بَعِيدًا عَمَّا قَدْ يَظُنُّ النَّاسُ فِيهِ شَرًّا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ -أَيْ: تَعُودُ- فَقَامَ مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ مَسْكَنِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَمَرَّ بِهِمَا رَجُلَانِ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ نَفَذَا؛ أَيْ أَسْرَعَا فِي المَشْيِ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ" قَالَا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا"؛ فَفِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ مَشْرُوعِيَّةُ ذَبِّ الْمَرْءِ عَنْ عِرْضِهِ، وَدَفْعِ التُّهْمَةِ عَنْهُ؛ فَهَذَا أَشْرَفُ الْخَلْقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَا قَدْ يَقَعُ فِي النَّفْسِ، وَأَخْبَرَ عَنِ الْمَرْأَةِ الَّتِي مَعَهُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ صَفِيَّةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.
وَمِنْ صُوَرِ النَّزاهَةِ: التَّنَزُّهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْحَلَالِ؛ مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ.." الحديث.(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
كُنْ نَزِيهًا يَا عَبْدَ اللهِ؛ فَأَنْتَ تَمْلِكُ وَغَيْرُكَ يَفْتَقِدُ، وَأَنْتَ بِخَيْرٍ وَغَيْرُكَ يَتَأَلَّمُ، وَأَنْتَ تَبْتَسِمُ وَغَيْرُك يُمزِّقُهُ الْحُزْنُ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا لِأَحْسَنِ الأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ.
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِيِنَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلَّا اللهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحابِهِ وَأَعْوانِهِ، وَسَلَّم تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ عِبادَ اللهِ: فَمِنْ صُوَرِ النَّزاهَةِ أَيْضًا: التَّنَزُّهُ عَنْ ذَمِّ النَّاسِ وَفُحْشِ الْقَوْلِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)[الإسراء:53]. وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ, فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ"(رَوَاهُ أَبُودَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقَنَاعَةِ، وَالزُّهْدِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَالْبُعْدِ عَنِ الطَّمَعِ وَأَهْلِهِ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم