عناصر الخطبة
1/تبشير النبي أصحابه بقدوم رمضان 2/من فضائل شهر رمضان 3/من فضائل الذكر وثمراتهاقتباس
لو سأل كلُ واحد منا نفسه: كم يمضي من الساعات يطالع برامج التواصل من خلال جواله؟ سيجد العجب من عدد الساعات التي يمضيها عليها، لمَ لا يأخذ من هذه الساعات ساعةً واحدةً فقط، خصوصًا في رمضان يخصصها للقراءة والذكر والدعاء...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ بِهُدَاهُمْ اقْتَدَى؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)[الأنفال: 29]، ثم أما بعد:
أيها الإخوة: لقد كانت بشارةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم- في رمضانَ بشارةً عظيمة؛ لِـما اختصَ اللهُ -تعالى- به هذا الشهرَ من خيرٍ، قَالَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- "هَذَا رَمَضَانُ قَدْ جَاءَكُمْ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ -عَزَ وَجَلَ- عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ"(الجامع الصحيح للسنن والمسانيد وعزاه للنسائي وابن ماجه وأحمد، وقال الأرناؤوط: إسناده حسن).
أيها الإخوة: منادى الله ينادي: "يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ"، إنه نداءٌ غيرُ مسموعٌ للناس، لكنَّ المؤمن يعلم أن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر به فهو كمن يسمعه حقيقةً، فهل عزمنا على إجابة هذا النداء؟ ثم أعقب النداء ببشرى للمستجيبين فقال: "وَللهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ"، الله أكبر! ما أجلَّه من نداء، وما أجزله من عطاء، وما أشده من تحذير، إنه نداءٌ للخيرِ ووعدٌ به، وتحذيرٌ من الشرِ، خَصَ اللهُ -تعالى- به عبادَه بعد أن هيأ لهم الفُرَصَ، وأشرع لهم أبوابه، وأغلق عنهم أبواب الشر طوال الشهر، فالجنةُ مُشْرَعَةُ الأبوابِ لطالبِيها، والنارُ مغلَّقَةُ الأبوابِ لحاذِرِيها، والشياطينُ ترسفُ في أغلالِها.
فيا الله يا لها من فرصةٍ عظيمةٍ! حري بنا استثمارها، هيا، هيا، ليقل كلُ واحد منا أنا المعني بهذا النداء الودود، وليشمر عن ساعد الجد، فهل أطيب من نداءِ مُنَادِ اللهِ -تعالى- بــــ"يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ"، وهل أخوفُ وأهيبُ من نداءِ مُنادِ اللهِ -تعالى- بــــ "يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ"، ومعناهما: يا من يريد فعل الخير تعال إليَّ، فهذا أوانك؛ فإنك تُعْطَى جزيلاً بعملٍ قليل، ويا من يريد فعل الشَّرِّ وبَاغِيَه أَمْسِكْ وتُبْ؛ فَإِنَّهُ أَوَانُ قَبُول التَّوْبَة، أدعوكم إخوتي ونفسي للتفاعل مع هذا النداء واستشعارِ عظمته؛ فهو أعظمُ حافزٍ لنا للتشمير عن ساعد الجد.
أيها الإخوة: لو سأل كلُ واحد منا نفسه: كم يمضي من الساعات يطالع برامج التواصل من خلال جواله؟ سيجد العجب من عدد الساعات التي يمضيها عليها، لمَ لا يأخذ من هذه الساعات ساعةً واحدةً فقط، خصوصًا في رمضان يخصصها للقراءة والذكر والدعاء، ففي عشرين دقيقة تقرأ جزءً من كتاب الله -تعالى-، وفي عشر دقائق تقول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مائة مرة، وفي دقيقتين تقول: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مائة مرة، وفي خمس دقائق تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، مائة مرة، وفي ثلاث دقائق تصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة مرة، وفي دقيقتين تستغفر مائة مرة، ثم تقضي بقية الساعة بالدعاء وقراءةِ ورد الصباح أو المساء ومجموع هذه الأعمال الجليلة ساعة تقريبًا.
ومن فضائل هذه الأقوال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؛ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ: الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ"(رواه الترمذي، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وصححه الألباني)، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ؛ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ"، وقال: "وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ"، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، مِائَةَ مَرَّةٍ؛ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ، إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ، أَوْ زَادَ عَلَيْهِ"(رواهما مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ"(رواه مسلم عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-)، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ هَالَهُ اللَّيْلُ أَنْ يُكَابِدَهُ، وَبَخِلَ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ، وَجَبُنَ عَنِ الْعَدُوِّ أَنْ يُقَاتِلَهُ، فَلْيُكْثِرْ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ؛ فَإِنَّهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ جَبَلِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يُنْفَقَانِ فِي سَبِيلِ اللهِ -عز وجل-"(رواه الطبراني وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وقال: الألباني صحيح لغيره)، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ"(رواه الترمذي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وحسنه الألباني)، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ"(رواه النسائي عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، وصححه الألباني).
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحَمدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُكرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وامتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الـمُؤيَدُ بِبُرهَانِـهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِراً، أَمَا بَعْدُ:
أَيُهَا الإِخْوَةَ: اتَقُوا اللهَ حَقَ التَقْوَى، واعْلَمُوا أَنَّ من خصائصِ هذا الشهر الكريم التي بشر بها المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قوله: "إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ"(رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني)، وهنا سؤال: من هم الشياطين؟ وما المقصود بغلِّهم وتصفيدهم وسلسلتهم؟ قال العلماء: الشياطِينُ جمع شيطان ويطلق على كل عاتٍ متمردٍ، وقد أطلقَ على إبليس لعتوّهِ وتمردِهِ على ربّه.
قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: في معنى: "وَتُصَفَّدُ فِيْهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينُ" أو "تُغَلُّ" مثلُ هذا الحديث من الأمور الغيبية التي موقفنا منها التسليم والتصديق، وألا نتكلم فيما وراء ذلك، فإن هذا أسلم لدين المرء وأحسن عاقبة؛ ولهذا لما قال عبدُ الله ابنُ الإمامِ أحمد بن حنبل لأبيه -رحمهما الله-: "إن الإنسان يُصرع في رمضان"، قال الإمام: "هكذا الحديث ولا تَكَلَّم في هذا"، ثم إن الظاهر تصفيدهم عن إغواء الناس، بدليل كثرة الخير والإنابة إلى الله -تعالى- في رمضان" انتهى كلامه.
ولو قيل: إن الشرورَ والمعاصي في رمضان كثيرة، فلو سُلسلت لم يقع شيءٌ من ذلك، قال العلماء: هذا في حق الصائمين الذين حَافَظُوا على شروط الصوم ورَاعَوا آدابه، قلت: وهذا أمر يحسه المسلم من نفسه، فأيام رمضان تختلف عن أيام غيره.
اللهم إنا نعوذ بك من الشيطان وشركه وغوايته، ونسألك الثباتَ على الحقِ والتوفيقَ للعملِ الصالحِ في هذه الأيام المباركة، التي تَفَضَّلَ اللهُ -تعالى- علينا فيها بسلسلةِ الشياطين وتصفيدِهم؛ ليكون مجال العمل الصالح فيها خير مجال، وارزقنا العزيمة على الخير، "يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ، وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ".
وبعد: لعل أحدنا يدَبُّ إليه الكسل والضعف في رمضان، وهكذا النفس البشرية تحتاج إلى معين، أقول له ولنفسي: إن علاجنا بكثرة الذكر في الليل والنهار، يقول ابن القيم -رحمه الله-: "الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن لا حول ولا قوة إلا بالله: "بها تحملُ الأثقال، وتكابدُ الأهوال، وينالُ بها رفيع الأحوال"، وقال عنها ابن القيم -رحمه الله-: "هذه الكلمة لها تأثير عجيب في معالجة الأشغالِ الصعبة، وتحملِ المشاق، والدخولِ على الملوك، ومما يُخاف، وركوبِ الأهوال، ولها أيضا تأثيرٌ في دفع الفقر".
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك حسن عبادتك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم