النداءات الإلهية العشرة

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2021-03-12 - 1442/07/28 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/حديث قدسي جامع 2/التحذير من الظلم وعواقبه 3/افتقار العباد إلى الله تعالى في كل شؤونهم 4/إحصاء أعمال العباد ومحاسبتهم عليهم.

اقتباس

إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ الطَّائِعِينَ وَلا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ.. فَالطَّاعَةُ رَاحَةٌ وَطُمْأَنِينَةٌ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ سَبَبٌ لِدُخُولِكَ الْجَنَّةَ, وَالْمَعْصِيَةُ شُؤْمٌ وَحَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ سَبِيلٌ إِلَى النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ لَمْ تُبَادِرَ وَتَتَوبَ إِلَى الْغَفُورِ الرَّحِيمِ..

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَعَظِّمُوهُ وَخَافُوهُ وَرَاقَبُوهُ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- اتَّصَفَ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَالْعَظَمَةِ وَالْإِفْضَالِ, تَعَالَى وَتَقَدَّسَ عَنِ الْأَنْدَادِ وَالْأَمْثَالِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَعَنَا فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ حَدِيثٌ عَظِيمٌ, اشْتَمَلَ عَلَى عَشْرِ جُمَلٍ مِنَ الْعِلْمِ, كَانَ أبَوُ إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ، أَحَدُ رُوَاتِهِ- إِذَا حَدَّثَ بِهِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَإِجْلَالاً.

 

عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَذَا حَدِيثٌ قُدْسِيٌ رَبَّانِيٌّ يَرْوِيهِ رَسُولُنَا الْكَرِيمُ عَنِ رَبِّنَا الْعَظِيمِ, وَقَدِ اشْتَمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى عَشَرةِ نِدِاءَاتٍ مِنْ رَبِّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يُعَلِّمُنَا وَيُرْشِدُنَا وَيُرَجِّينَا.

 

فَقَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ-: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا"؛ هَذَا النِّدَاءُ الْأَوَّلُ, يُخْبِرُ فِيهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَنْ تَنَزُّهِهِ عَنِ الظُّلْمِ لِكَمَالِ عَدْلِهِ, وَحُبِّهِ لِلْإِنْصَافِ وَالْفَضْلِ, ثُمَّ يُحَرِّمُ عَلَيْنَا الظُّلْمُ فِيمَا بَيْنَنَا, فَلا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَظْلِمَ أَحْدًا.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَهُوَ بَخْسٌ لِحَقِّ الآخَرِينَ وَاعْتِدَاءٌ عَلَيْهِمْ, وَمَعَ الْأَسَفِ فَإِنَّ هَذَا مَوْجُودٌ, فَكَمْ فِي الْبُيُوتِ مِنْ ظُلْمٍ لِلزَّوْجَاتِ؟ وَكَمْ قَصَّرَ فِي حَقِّ الوَالِدَينِ الأَبْنَاءُ وَالبَنَات؟ وَكَمْ مِنْ زَوْجٍ اسْتَوْلَى عَلَى رَاتِبَ زَوْجَتِهِ وَأَخَذَ صَرَّافَتَهَا إِذَا كَانَتْ مُوَظَّفَةً؟ وَرُبَّمَا رَأَى أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ, وَهَذَا حَرَامٌ وَظُلْمٌ, إِنْ لَمْ تَرْضَ فَسَوْفَ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ, يَدْفَعُهُ لَهَا مِنْ حَسَنَاتِهِ.

 

كَمْ مِنَ الظُّلْمِ يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْمِيرَاثِ, فَيَأْكُلُهُ الرَّجَالُ وَيَدَعُونَ النِّسَاءِ بِدُونِ مِيرَاثٍ؟ كَمْ مِنَ الظُّلْمِ يَقَعُ بَيْنَ الْجِيرَانِ؟ فَيَأْكُلُ الْقَوِيُّ الضَّعِيفَ؟ كَمْ مِنَ الظُّلْمِ عَلَى الْعُمَّالِ الْمَسَاكِينِ بِصُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَبِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ مِنْ أَكْلِ حَقِّهِمْ, أَوْ تَحْمِيلُهُمْ مَا لا يَجُوزُ مِنْ دَفْعِ النِّسْبَةِ أَوْ غَيْرِهَا, ثُمَّ إِذَا طَالَبَ الْمِسْكِينُ بِحَقِّهِ فَلا مُجِيبَ لَهُ وَرُبَّمَا هَدَّدَهُ كَفِيلُهُ بِالتَّسْفِيرِ, لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا غَرِيبٌ وَيُرِيدُ الْبَقَاءَ لِيُحَصِّلَ لُقْمَةَ الْعَيْشِ لَهُ وَلِعَائِلَتِهِ الْفَقِيرَةِ, فَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا النِّدَاءُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَهُوَ قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ- فِي هَذِا الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ".

 

اللهُ أَكْبَرُ! مَا أَجْمَلَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ رَبِّنَا الْهَادِي الرَّحِيمِ! إِنَّ الْهِدَايَةَ بِيَدِهِ وَنَحْنُ ضَالُّونَ إِلَّا إِنْ هَدَانَا, ضَائِعُونَ إِلَّا إِذَا أَرْشَدَنَا وَأَخَذَ بِنَوَاصِينَا لِلصَّوَابِ, وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيُعَلِّمَنَا الطَّرِيقَ, وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ لِنَتْلُوَهُ وَنَتَّبِعَهُ.

 

إِنَّنَا جَائِعُونَ إِلَّا إِذَا أَطْعَمَنَا اللهُ مِنْ رِزْقِهِ, وَعَارُونَ إِلَّا إِذَا سَتَرَنَا اللهُ بِسَتْرِهِ, فَنَحْتَاجُ إِلَى سَتْرِهِ لَنَا بِاللِّبَاسِ الظَّاهِرِ, وَنَحْتَاجُ إِلَى سَتْرِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَنَا بِاللِّبَاسِ الْمَعْنَويِّ وَهُوَ التَّقْوَى, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف:26].

 

وَأَمَّا النِّدَاءُ السَّادِسُ فَاسْمَعُوهُ: "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ", نَعَمْ إِنَّنَا عُرْضَةٌ لِلْخَطَأِ وَعُرْضَةٌ لِلزَّلَلِ, فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُبَادِرَ بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ وَإِصْلَاحِ مَا أَفْسَدْنَا.

 

وَاحْذَرْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ مِنَ التَّمَادِي فِي الذُّنُوبِ, وَاعْلَمْ  أَنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ.

 

فَأَقْلِعْ عَنِ الذَّنْبِ مُخْلِصَاَ فِي ذَلِكَ للهِ, عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ, فَإِنَّ أَخْطَأَتَ فِي حَقِّ أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَتَحَلَّلْ مِنْهُ وَرُدَّ إِلَيْهِ مَظْلَمَتَهُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَأَمَّا النِّدَاءُ السَّابِعُ الْكَرِيمُ مِنْ رَبِّنَا الْعَظِيمِ فَهُوَ قَوْلُهُ: "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي", نَعْمَ إِنَّ رَبَّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- هُوَ الْخَالِقُ وَغَيْرُهُ مَخْلُوقٌ, وَهُوَ الرَّبُّ وَغَيْرُهُ مَرْبُوبٌ, وَهُوَ الْغَنِيُّ الْقَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَقِيرٌ ضَعِيفٌ, وَلَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى أَنْ يُحَرِّكُوا ذَرَّةً فِي الْكَوْنِ مَا اسْتَطَاعُوا إِلَّا بِأَمْرِ اللهِ وَإِذْنِهِ, فَكَيْفَ يُلْحِقُونَ بِهِ الضَّرَرَ -سُبْحَانَهُ-؟

 

وَأَمَّا الْجُمْلَةُ السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ فَهُمَا قَوْلُهُ الْمُقَدَّسُ: "يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لا تَنْفَعُهُ طَاعَةُ الطَّائِعِينَ وَلا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ, وَإِنَّمَا الذِي يَنْتَفِعُ بِالطَّاعَاتِ وَيَتَضَرَّرُ بِالْمَعَاصِي هُوَ الْمُكَلَّفُ مِنْ جِنٍّ وَإِنْس, فَالطَّاعَةُ رَاحَةٌ وَطُمْأَنِينَةٌ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ سَبَبٌ لِدُخُولِكَ الْجَنَّةَ, وَالْمَعْصِيَةُ شُؤْمٌ وَحَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ سَبِيلٌ إِلَى النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ لَمْ تُبَادِرَ وَتَتَوبَ إِلَى الْغَفُورِ الرَّحِيمِ.

 

فَمَا أَجْمَلَهَا مِنْ نِدَاءَاتٍ وَمَا أَحْسَنَهُ مِنْ كَلَامٍ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ, وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ النِّدَاءَ التَّاسِعَ الْكَرِيمَ مِنَ الرَّبِّ الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ هُوَ قَوْلُهُ -سُبْحَانَهُ- فِي الْحَدِيثِ الْمُقَدَّسِ: "يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ".

 

اللهُ أَكْبَرُ مَا أَعْظَمَ اللهِ وَمَا أَشَدَّ غِنَاهُ! فَمَهْمَا أَنْفَقَ -سُبْحَانَهُ- فَلا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدَهُ, عَنْ أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلْأَى لاَ يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ! يَا مَنْ أَثْقَلَتْهُ الدُّيُونُ, يَا مَنْ أَهَمَّهُ كَيْفَ يُحَصِّلُ لُقْمَةَ الْعَيْشِ لِأَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ: أَيْنَ أَنْتَ مِنَ اللهِ؟ أَيْنَ أَنْتَ مِنَ اللُّجُوءِ إِلَى اللهِ؟ يَا مَنْ لَيْسَ لَهُ وَظِيفَةٌ وَلَيْسَ لَهُ دَخْلٌ: أَكْثِرْ دُعَاءَ اللهِ, قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سُواكَ, قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى, وَأَبْشِرْ فَمَا أَسْرَعَ فَرَجَ اللهِ, وَمَا أَقْرَبَ إِجَابَةَ اللهِ!

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَأَمَّا خِتَامُ هَذِهِ النِّدَاءَاتِ الْكَرِيمَةِ فَهُوَ قَوْلُهُ الْمُقَدَّسُ: "يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ".

 

نَعَمْ يَا مُسْلِمُونَ: إِنَّ رَبَّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَحْفَظُ لَنَا أَعْمَالَنَا وَيُحْصِي عَلَيْنَا أَفْعَالَنَا بِنَفْسِهِ -سُبْحَانَهُ- وَبِمَلائِكِتَهِ الْحَفَظَةِ الذِينَ أَوْكَلَهُمْ عَلَيْنَا يُلازِمُونَنَا لَيْلَ نَهَارَ (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار: 10-12].

 

وَاعْلَمْ أَنَّكَ مُرْتَهَنٌ بِعَمَلِكَ, فَإِنْ خَيْرًا فَأَبْشِرْ وَأَمِّلِ الْفَضْلَ, وَإِنْ عَمِلْتَ شَرًّا فَكُنْ عَلَى حَذَرٍ وَوَجَل, وَاعْلَمُوا أَنَّ رحَمْةَ اللهِ سَبَقَتْ غَضَبَهُ، وَأَنَّ الْعَفْوُ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ, وَلَكِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ أَهْلاً, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)[طه: 82].

 

فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكُ عَفْوَكَ وَمَغْفِرَتَكَ, اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ, اللَّهُمَّ إِنَّنَا ضَالُّونَ فَاهْدِنَا وَعَارُونَ فَاكْسِنَا وَجَائِعُونَ فَأَطْعِمْنَا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحَ قُلُوبَنَا وَأَعْمَالَنَا, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنَا مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ, اللَّهُمَّ انْصُرْ دِينَكَ وَكِتَابَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ, اللَّهُم َّاكْفِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ.

 

 اللَّهُمَّ اقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ وَاشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ  اغْفِرْ لَنَا وَلِوَادِينَا وَلِمَنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا, رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أَمْرِنَا وَوُلاةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ, اللَّهُمَّ رُدَّ كَيْدِ الْحُوثِيِّينَ فِي نُحُورِهِمْ وَانْصُرْ جُنُودَنَا عَلَيْهِمْ, اللَّهُمَّ احْفَظِ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِكَ فِي الْيَمَنِ, اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وَصَوِّبْ سِهَامَهُمْ, وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ, وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

المرفقات

النداءات الإلهية العشرة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات