عناصر الخطبة
1/كثرة نعم الله تعالى 2/موسم حصاد التمر 3/فوائد التمر وأهميته 4/زكاة التمور 5/توجيهات مهمة في زكاة التموراقتباس
كانَ أجدادُنا إنما قوتُهم التمرُ، ونجاهمُ اللهُ من الموتِ الجوعِ بهذا التمرِ، أما الآنَ فنحنُ نأكلُه تفكُهًا، لا عن ضرورةٍ. فلنحذرْ منَ البَطَرِ بالنِعَمِ، وإهانةِ التمورِ المأكولةِ، بإلقائِها مع طعامِ الحيوانِ، أو رميِها بقارعةِ الطريقِ، وأقبحُ منهُ وضعُها مع القمامةِ.
الخُطْبَة الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أما بعدُ: فإننا –واللهِ- في زحامٍ من نعمِ اللهِ وأفضالِه ومِنّتِه، ولا نحصِي ثناءً عليهِ -تعالى- ولا شكورًا.
وإن منَ النعمِ الظاهرةِ ما نعيشُه هذهِ الأيامَ في موسمِ خرافِ الرطبِ وصرامِ التمرِ: (وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ)[الشراء: 148]؛ فاشكرُوا واعتبرُوا و(انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأنعام: 99].
ولشرفِ النخيلِ على غيرِها؛ فقد جعلَها اللهُ من شجرِ الجنةِ: (فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)[الرحمن: 68]. و النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "منْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ"(تفسير ابن كثير: 7/ 507).
وعندَ أحمدَ بسندٍ صحيحٍ: أَنَّ رَجُلًا احتاجَ من جارِه نَخْلَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ"(مسند أحمد 12482، وصححه الألباني في الصحيحة 6/ 463، على شرط مسلم).
وشبَّهَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخلةَ بالمسلمِ، تؤتي أُكلَها كلَّ حينٍ بإذنِ ربِّها. وللطبرانيِ بسندٍ حسنٍ أنه قالَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ، مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ"(المعجم الكبير للطبراني 13332، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 5/ 355).
قالَ ابنُ القيمِ: "وَالتّمْرُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَغْذِيَةِ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ وَالْحَارّةِ .. هَذَا مَعَ مَا فِي التّمْرِ وَالْمَاءِ مِنْ الْخَاصّيّةِ الّتِي لَهَا تَأْثِيرٌ فِي صَلَاحِ الْقَلْبِ؛ لَا يَعْلَمُهَا إلّا أَطِبّاءُ الْقُلُوبِ"(زاد المعاد 4/ 89).
ولذا قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ"(رواهُ مسلمٌ).
ولأجلِ هذا؛ فقد كانَ نبيُكم محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتمرِ حفيًا ومحبًّا، فقد كَانَ أكثرُ طعامِه منه، وكانَ يُفطرُ على التمرِ ويتسحرُ عليهِ، وكانَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ. وهو نَوْعٌ يُشْبِهُ الْخِيَارَ. وكانَ يُحِبُّ الزُّبْدَ معَ التَّمْرِ (سنن أبي داود 3839، وحسنه أبو داود، وصححه الألباني).
وقد كانَ أجدادُنا؛ إنما قوتُهم التمرُ، ونجاهمُ اللهُ من الموتِ الجوعِ بهذا التمرِ، أما الآنَ فنحنُ نأكلُه تفكُهًا، لا عن ضرورةٍ. فلنحذرْ منَ البَطَرِ بالنِعَمِ، وإهانةِ التمورِ المأكولةِ، بإلقائِها مع طعامِ الحيوانِ، أو رميِها بقارعةِ الطريقِ، وأقبحُ منهُ وضعُها مع القمامةِ.
ومنْ قصصِ كفاحِ الصحابةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- ما رواهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلَاثُ مِئَةٍ، نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا، فَفَنِيَ زَادُنَا، حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً، نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ. قَالَ رَجُلٌ: وَأَيْنَ كَانَتِ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنْ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ"(متفقٌ عليهِ).
فالحمدُ للهِ على سعةِ الأرزاقِ والأقواتِ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ العزيزِ الغفورِ، وصلى اللهُ وسلمَ على رسولهِ العبدِ الشكورِ.
أما بعدُ: فاشكرُوا ربَكم على هذهِ النعمةِ؛ لتدفعُوا عن أنفسِكم وأموالِكم النقمةَ، وأدُوا زكاتها؛ فإن أهلَ الزكاةِ شركاءُ لكم فيها.
وعلى المزكي للتمورِ، أن يعرفَ أربعةَ أمورٍ:
1- أن ينويَ أنها زكاةٌ، فإن البعضَ قد يُخرِجُها بنيةِ الصدقةِ المستحبةِ، ولا ينوي الزكاةَ الواجبةَ، وهذا لا يُجزئُ.
2- أن يتأكدَ أن ثمارَه قد بلغتِ النصابَ، وهو ستُ مئةٍ واثنا عشرَ كيلو فأكثرَ. ومَن عندَه نخلٌ باستراحتِه أو بيتِه وثمرتُها تبلغُ النصابَ، فتجبُ زكاتُها، والبعضُ يظنُ أن الزكاةَ في المزارعِ فقطْ، وهذا ظنٌ خاطئٌ.
3- أن يُخرجَ زكاةَ التمرِ من أوسطِ الأنواعِ، لا من رديئِها: (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[البقرة: 267]، والخبيثُ هو الرديءُ، إلا أن يكونَ المحصولُ كلُه رديئًا فيُخرِجُ منه.
4- كيفَ يزكيهِ إن كان يخْرِفُه؟ فيُقالُ: تُخرَجُ الزكاةُ من قيمتِه، وذلك أسهلُ على المزكي، وأنفعُ للمحتاجِ، ومقدارُها خمسةٌ بالمئةِ(مجموع فتاوى ورسائل العثيمين 18/ 61).
ومن البرِ المشكورِ أن يُخرِجَ من تمورِ مزرعتِه صدقاتٍ غيرِ واجبةٍ. أفَتَدْرُونَ كمْ مقدارُ الحسناتِ لمن تصدقَ بتمرةٍ واحدةٍ؟ قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ التَّمْرَةَ لَتَكُونُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ"(مسند أحمد 9423، قال الأرناؤوط: صحيح وإسناده قوي رجاله ثقات). فكيفَ بمن تصدقَ بالآلافِ؟!
فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. ولتطِبْ نفسُكَ بالإنفاقِ مما تُحبُ حتى تنالَ البرَ، فقد دخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَسْجِدَ وَبِيَدِهِ عَصَا وَقَدْ عَلَّقَ رَجُلٌ "عِذْقًا" حَشَفًا، فَطَعَنَ بِالْعَصَا فِي ذَلِكَ الْقِنْوِ، وَقَالَ: "لَوْ شَاءَ رَبُّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ تَصَدَّقَ بِأَطْيَبَ مِنْهَا. إِنَّ رَبَّ هَذِهِ الصَّدَقَةِ يَأْكُلُ الْحَشَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وابن حجر).
فاللهم اجعلنا من الذين إذا أعطيتَهم شكرُوا وإذا ابتليتَهم صبرُوا وإذا ذكَّرتَهم ذَكرُوا.
اللهم أرشدْنا إلى استدراكِ الهفواتِ من قبلِ الفواتِ. وألهمنا أخذَ العدةِ للوفاةِ قبل الموافاةِ.
اللهم لا تُحْقِقْ علينا العذابَ ولا تقطعْ بنا الأسبابَ.
اللهم لا تخيبْنا ونحنُ نرجوكَ، ولا تعذِبْنا ونحنُ ندعوكَ.
اللهم اكشفِ الضرَ عن إخوانِنا المتضررينَ في المغربِ وليبيا.
اللهم اكفِنا شرَ طوارقِ الليلِ والنهارِ، إلا طارقًا يطرقُ بخيرٍ يا رحمنُ.
اللَّهُمَّ وَفّقْ إمامَنا ووَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَارْزُقْهُمْ بِطَانَةَ اَلصَّلَاحِ وَالْفَلَاحِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمَ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم