اقتباس
السرور بأمر الدين لا الدنيا: "هذه صفة نفيسة ودرة عزيزة للقدوة المثالي، فلا ينشرح صدره أو يفرح قلبه إلا ما كان فيه عز هذا الدين ورفعته، قال عز وجل عن سليمان: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا)، قيل: أن فرح سليمان سروراً بشهرة حاله ومن معه في باب التقوى والشفقة، فإنه لا يسر نبي بأمر دنيا وإنما كان يُسر بما كان من أمر الدين..
بهذا المقال نكون قد أنهينا ما بدأناه من ذكر "المهمات في صفات القدوات من القرآن الكريم" وإليك -أخي القارئ- المهمات العشر الأخيرة:
21-العدل: لدى القدوة صفة مهمة جداً؛ لأن الظلم في الحكم والتعامل مع الرعية والأتباع، سيؤدي إلى اضطراب وخلل في منظومة العمل، ابتداء من الدولة حتى أصغر مؤسسة، لذلك طبق ذو القرنين مبدأ الثواب والعقاب بالعدل، قال سبحانه على لسان ذي القرنين (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) [الكهف:87]، (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى) [الكهف:88].
22-المتابعة: مما يتصف بها القدوة الفعال، فكل عمل وقرار وبرنامج لا يتابَع مصيره الاضمحلال والفشل، وتزداد مسؤولية المتابعة في النوازل والمستجدات، فسليمان- عليه السلام- تابع بنفسه حال ملكة سبأ منذ أن أخبره الهدهد حتى النهاية، قال سبحانه عن سليمان مخاطباً الهدهد: (اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ) [النمل:28].
23-الهمة العالية: إذ لا يُكتب للقدوة النجاح إلا إذا كانت نفسه تتوق للمعالي، وأهدافه تسمو وترتقي نحو القمة، فقد صور الله –سبحانه- لنا همة موسى -عليه السلام- في قصته مع الخضر بقوله عز وجل: (فانطلقا) ثلاث مرات، وهمة ذي القرنين بقوله سبحانه: ( حتى إذا بلغ ) ثلاث مرات أيضاً.
24-المعرفة بأحوال الأتباع: هو من لوازم التفقد كما في قصة -سليمان عليه السلام- والهدهد: (وتفقد الطير)، فلابد للقدوة معرفة أحوال ومستجدات وتخصصات من تحته، لضمان عدم وجود أي خلل، وعلاج أي طارئ ووضع البدائل لأي مستجد، قال القرطبي: "فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله". تفسير القرطبي (13/178).
25-السرور بأمر الدين لا الدنيا: "هذه صفة نفيسة ودرة عزيزة للقدوة المثالي، فلا ينشرح صدره أو يفرح قلبه إلا ما كان فيه عز هذا الدين ورفعته، قال عز وجل عن سليمان: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا)، قيل: أن فرح سليمان سروراً بشهرة حاله ومن معه في باب التقوى والشفقة، فإنه لا يسر نبي بأمر دنيا وإنما كان يُسر بما كان من أمر الدين. ينظر تفسير روح البيان (6/334).
26-إرجاع الفضل والإنجاز لله –سبحانه-: وهذا ما قاله سليمان -عليه السلام- بعد أن رأى عرش بلقيس أمامه: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) [النمل:40]، كما أن ذا القرنين مباشرة بعد أن أتم بناء الردم: (قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي) [الكهف:98]، وهذه حال الخلفاء الصالحين، إذا مَنَّ الله عليهم بالنعم الجليلة، ازداد شكرهم وإقرارهم، واعترافهم بنعمة الله. تفسير السعدي (ص486).
27-النِّعَم تزيدهم تواضعاً: بخلاف أهل التجبر والتكبر والعلو في الأرض فإن النعم الكبار، تزيدهم أشراً وبطراً (تفسير السعدي ص486)، قال سليمان -عليه السلام- لما حضر عرش ملكة سبأ مع البعد الكبير، قال: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) [النمل:40]، بخلاف قارون الذي قال: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص:78].
28-الحرص على هداية الناس: كان عليه الصلاة والسلام يحرص أشد الحرص على هدايتهم، حتى إنه كان يضر بنفسه ويكاد يُهلك نفسه، قال سبحانه: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) سلسلة دروس في شرح تفسير ابن كثير، عبد العزيز الراجحي، الدرس 17.
29-الدعاء بالثبات على الشكر والصلاح: إذ فيها حسن التجاء وارتباط واعتماد على الله –سبحانه-، متوكلاً عليه طالباً عونه في ديمومة عبادة الشكر على النعم والاستقامة على الصلاح، قال سبحانه عن سليمان –عليه السلام-: (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاه) [النمل: 19]، وينظر تفسير (روح البيان) (6/336).
30-الاختلاط: فلا ينبغي للقائد القدوة أن يكون بمعزل عن الأتباع، ففي عدة آيات ورد قوله سبحانه مبيناً توجيهات موسى -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ)، وهذا فيه إشارة للتعايش معهم والخلطة عن قرب.
تم بحمد الله.
22-ربيع الآخر – 1438هـ.
20/1/2017م.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم