المنهج الإسلامى للتصدى لجريمة الغش التجارى

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2023-02-21 - 1444/08/01
التصنيفات:

المنهج الإسلامى للتصدى لجريمة الغش التجارى

 

إعــداد

 

دكتورحسين حسين شحاتة

 

الأستاذ بجامعة الأزهر

خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية

 

www.Darelmashora.com

 

 

 

 

·- تمهيد

   يعتبرالغش التجارى فى المنظور الإسلامى من أكبر الجرائم الاقتصادية              ومن أفظع صور الفساد فى المعاملات التجارية ، ومن أهـم أسبـابه : ضعف  التقوى والخشيـة من الله ، وفسـاد الذمم ،وانتشار الرذائل الإقتصادية، التى تقود إلى  أكل أمـوال الناس بالباطل والإعتــداء علـى أعراضهم وأموالهم .

 

        ولقد اهتمام دول العالم بمكافحة الغش من خلال سن القوانـين والقرارات والنظم،ولكن مازال منتشرا فى البر والبحر،ولقد تضـمن القرآن الكريم والسنة النبوية الأحكام والمبادىء لمكافحته والقضــاء عليه ، كماوضع الفقهاء الضوابط الشرعية التى تحمى المستهلكــين والمنتجين من كافة صور الغش. وسوف نتناول فى هذه الدراسة كيفية مكافحة الغش من المنظور الإسلامى .

·- نظرة الإسلام إلى جريمة الغش :

                  الغش هو كافة سبل وأسـاليب الخـداع والكذب فى عـرض المواصفات والصفات وما فى حكم ذلك بمـا يختلـف عن الحقيقـة والواقع ، وبمعنى أخر عرض وتقديم الباطل فى صورة الحق . وهو محرم بالكتاب والسنة .

   

      فقد نهى الله فى القرآن الكريم عن الغش، ودليل ذلك على سبيل  كما ورد على المثال نسان سيدنا شعيب علـيه ،يقـول الله تبـارك وتعالى : ﴿ وَإِلَى مَدْيـَنَ أَخَاهُـمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَـوْمِ اعْبُـدُوا اللَّهَ مَا لَكُـم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُـم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُـمْ فَأَوْفُـوا الكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسََ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِـدُوا فِـي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُـمْ خَيْرٌ لَّكُـمْ إِن كُنتـُم مُّؤْمِنِــينَ﴾( الأعراف آية: 85 ).

 

  كما ندد الرسول صلى الله عليه وسلم بكافة صور الغش ، فقــال صلى الله عليه وسلـم: ﴿ من غشنا فليس منا ﴾(مسلم) ،كما نهى المعاملات التى تقـود إلى الغش وأكـل أمـوال النـاس بالبــاطل ومنها على سبيل المثـال :بيع الكالىء ،وبيع العينـة ،وبيـع الرطب باليابس ،وبيع ما لا يملك ، وبيعتين فى بيعة واحـدة ،وبيـع وسلف وبيع النجش ،والاحتكار ، وتلقى الركبان ، وبيع الحاضـر للبادى ، وبيع غير المقدور على تسليمه ، كما نهى رسول الله صلـى الله عليه وسلم عن كل أنـواع البيوع التى فيها غرراً وغبناً واستغلالاً وظلماً

 

   كما أجمع الفقهاء من السلف والحلف على تحريم كل صـور الغش وما يقـود إليه ، وتفصيل ذلك وارد فى كتب الفقه باب﴿ المعاملات المنهى عنها شرعـاً﴾

 

   ومن علة تحريم الغش أنه يؤدى إلى انشار الفساد فى الأرض والخلل فى المعاملات والاعتداء على الأنفس والأموال، كما يؤدى إل زعزعة الثقة وقطع الصلات الطيبة بين الناس  ،وزرع الأحقاد والضغـائن وإثارة البغضاء .

 

·- الأسباب التى تقود إلى الغش

     من الأسباب التى تقود إلى الغش : ضعف القيم الإيمانيـة ومنهـا عـدم الخشية والخوف من الله ،ونسيان الوقوف أمامـه للمحاسبـة الأخـروية ،وكذلك من مسببات الغش سوء الأخلاق ومنها :الكذب والخيانة ، والتطفيف ،والجشع والشح والبخل ،وعبادة المال ،والطمع ، وهذه كلها أسباب نهى الإسلام عنهـا ويعتبر كـل كسب منهـا سحتـا مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ﴿كل لحم نبت مـن حرام فهو سحت  ﴾.(متفق عليه).

 

·- المنهج الإسلامى لمكافحة الغش :

    للإسلام نظرته المميزة لعلاج جريمة الغش وهذه النظرة تجمــع بين القيم الايمانية التربية الأخلاقية ،والتفقه فى ديــن الله والعقـاب الرادع من السلطان ولهذه الجوانب دور هام فى القضــاء على هذه الجريمــة، وتحليـل ذلك كالتالى :

 

 أولاً :دور القيم الإيمانية فى مكافحة الغش :

       تتمثل القيم الإيمانية فى خشية الله ومراقبته والإيمـان بالمحاسبـة الأخروية ، وهذه القيم تمنع من ارتكـاب جريمـة الغش قبل أن تقع ويسمى هذا  بالرقابة الذاتية المانعة ، والتى يجب أن يـربى المنتجـون والتجار والمستهلكون ومن فى حكمهم عليها .

 

ثانياً :دور القيم الأخلاقية فى مكافحة الغش :

      من أهم القيم الأخلاقية التى يجب أن يلتزم بها التجار المسلـمين :الصدق والأمانة وتجنب الشبهـات وعدم الحلف ،والوفاء بالكيـل والميزان وعدم الإحتكار ،وتجنب الجشع وحـسن وتجنب التطفيف فى الكيل والميزان.

    وهذه القيم تقلل من جريمة الغش بل تمنعه تماما ً،ولقـدالتزم بهـا التجار المسلمون ونشروا بها الإسلام فى كثير من دول العالم، ولا سيما فى دول شرق آسيـا وأفريقيـا ، ولذلك يجب بذل كافـة الجهـود لحض التجار على الالنزام بتلك الأخلاق الفاضلة .

ثالثا ً:دور التفقه فى الدين فى معالجة الغش :

      يلزم أن يفقه التاجر فقه المعاملات ،ولقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : ﴿مـن يرد الله به خيرأ يفقهه فى الديـن ﴾(البيهقى) ،وكان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يمر فى الأسـواق يقول للتجار : ﴿لا يبيع فى سوقنا من لايفقه ﴾،ومن أقوال  على بن أبى طالب لأحد التجار : ﴿الفقه ثم المتجرة﴾ .

 

    وعندما يعرف التاجر المعاملات الجائزة والمنهى عنها شرعاً، ويفقه المعاملات الحرام التى فيها غشا فيتجنبها، ففى ذلك الوقاية العملية من الوقوع فى جريمة الغش وعلاجها إن وقعت .

 

رابعاً :دورنظام الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى مكافحة الغش :

 

     يقوم الإسلام على منهج الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بكافة السبل والأساليب المشروعة التى تتفق مع كل زمـان ومكان ،ومن النظم العملية للرقابة على الأسواق نظام الحسبة ومـن مهامه الأساسية مراقبـة الأسواق والاطمئنان من عدم وجود الغـش والخداع والجهالة والتدليس ،وفى هذا الخصوص يقول الفقهاء أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مطلوب من كـل مسلم وفقاً للحكــم القرآنى الذى يقول الله عز وجـل فيه : ﴿ وَلْتَكُـن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُـــونَ إِلَــــى الخَيْرِ وَيَأْمُـــرُونَ بِالمـــَعْرُوفِ وَيَنْهَــــوْنَ عَــــنِ المُنكَـــرِ﴾        ( آل عمران آية:104)،  فأذا قام كل مسلم بتطبيق نظام الحسبة على نفسه وعلى أسرته وعلى الآخرين قُضى على جريمة ارشوة .

 

خامساً : دورالدولة فى مكافحة الغش :

   على الدولة فى الاسلام مسئوليات جسام نحو مكافحة الغش ويتـم ذلك بسبل عديدة منها:

- سن القوانين التى تمنع الغش.

- تحديد المواصفات والمقايسات الواجب توافرها فى السلع والخدمات

- نشر الثقافة والفقه الإسلامى عن المعاملات .

- الرقابة على المعاملات فى الأسواق.

- وغيرذلك من السبل المعاصرة المشروعة .

        وعندما يطبق المنهج الإسلامى السابق سوف تقل جريمة الغش ، ولكن هذا كله يحتاج إلى تعاون أجهزة الدولة والأفـراد والجمعيـات حتى يتم تطهير المجتمع من تلك الجريمة وإيجار السـوق الإسـلاميـة الطاهرة مـن كــل صور الغرر والجهـالة والتدليـس والغـش والاحتكار والاستغـلال .

 

·- نداء.

  ألم يأن للذين آمنوا أن يطبقوا شرع الله عز وجل حتى تستقيم الأمور وتنصلح الأحوال ويعيش الناس حياة كريمة لا غش فيها ولا شفــاء مصداقا لقول الله عز وجل : ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَـنِ اتَّبَــــعَ

هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاََ يشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَـةً ضَنكاً﴾( طه آية:123-124)، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم  الذى يقول : ﴿تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً ، كتـــاب الله وسنتى ﴾(رواه مسلم )

 

والحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات