عناصر الخطبة
1/ مظاهر الفتور والملل بين المسلمين 2/ أحب العمل إلى الله أدومه 3/ الصبر والمصابرة عند سلفنا الصالح 4/ أمور تعين على علو الهمة ومحاربة الملل 5/ أهمية الوقتاقتباس
مشكلة عظيمة تواجه المسلمين جماعاتٍ وأفرادًا، وخصوصًا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمغريات، ألا وهي مشكلة الفتور والملل وقصور الهمة، فالفتور وقصور الهمة والملل مسلك دنيء، ومركب وطيء، وخلق ساقط، وعمل مرذول، لا يليق بأهل الفضل، ولا ينبغي من أهل النبل والعقل ..
أيها الناس: مشكلة عظيمة تواجه المسلمين جماعاتٍ وأفرادًا، وخصوصًا في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمغريات، ألا وهي مشكلة الفتور والملل وقصور الهمة، فالفتور وقصور الهمة والملل مسلك دنيء، ومركب وطيء، وخلق ساقط، وعمل مرذول، لا يليق بأهل الفضل، ولا ينبغي من أهل النبل والعقل.
الفتور وقصور الهمة شر عظيم، وباب من أبواب انقطاع العمل، ومشكلة المشاكل التي تصاب بها أمة من الأمم عندما يكون أفرادها هِمَمُهم ضعيفة وعزائمُهم واهنة وآمالُهم قاصرة.
عباد الله: إذا تأملنا حالَ الكثير من المسلمين اليوم -وخصوصًا ممن عُرفوا بالاستقامة والصلاح- نجدُ أن هِمَمَهم قد قصرت وأعمالَهم قلّت، بل ربما تركوا أعمالاً صالحةً كانوا يعملونها، وما ذاك إلا بسبب الملل والفتور وقصور الهمة، فمن ذلك -عباد الله- الكسل في العبادة، وخصوصًا الصلاة، الكسل في الدعوة إلى الله، التهاون في قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضَعف الغَيرة على الحق، الكسل في طلب العلم.
وفي المقابل نجد أعمالاً لا تليق بالمسلم، فضلاً عن أهل الصلاح والاستقامة قد فُعلت من قبل بعضهم.
فنجد -عباد الله- من يتخلف عن تكبيرة الإحرام وربما عن صلاة الفجر، ونجد من قلّ حياؤُه وكثر كذبُه وزاد انشغاله بسفاسف الأمور، وكثر إقبالُه على الدنيا، وحمل من هذا الدين مظهرًا طيبًا ومخبرًا سيئًا، بل ربما نجد من أقبل على اللهو المحرم عن طريق التلفاز أو أطباقِ الشر الفضائية.
عباد الله: جاء في صحيح ابن حبان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان عمل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- دِيمَة، وفي حديث آخر: كان أحب العمل إلى رسول الله الذي يدوم عليه صاحبه، وكان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. رواه مسلم. وكان يقول لعبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: "يا عبد الله: لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل". متفق عليه.
وإذا تأملنا حال أسلافنِا نجد أنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بالصبر والمصابرة وعلو الهمة، فتوحاتٌ ورحلات دعوية، وسهر وتحقيق في المسائل، فكانوا من خير المجتمعات وأزكاها، تمثلوا أخلاقَ الإسلام وتعاليمه وآدابَه في جميع شؤونهم .
كان العمل للإسلام يخالط شغافَ قلوبِهم، يترجم ذلك أقوالُهم وأفعالهم، يؤْثر الواحدُ منهم أخاه على نفسه، يطوي أحدُهم جائعًا حتى يشبع أخوه، يشتركون في الآمال والآلام، ويقبلون على العبادة إقبالَ الظمآن على الماء البارد حتى سادوا الأرض.
ركب عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عندما كان أميرًا على مصر، بغلةً قد تغيّر حالها، فقال له أحدهم: أتركب هذه البغلة وأنت من أقدر الناس على امتطاء أكرم فرس بمصر؟! فقال: لا ملَل عندي لدابتي ما حملت رحلي، ولا لامرأتي ما أحسنت عشرتي، ولا لصديقي ما حفظ سري، فإن الملل من كواذب الأخلاق.
عباد الله: ومن الأمور التي تعين -بعد الله- على علو الهمة والإقبال على الله بفعل الطاعة وترك الفتور والملل:
أولاً: كثرة ُالدعاء والإلحاحُ على الله بالثبات على الهداية والاستقامة، وطلب الإعانة من الله على ذكره وشكره وحسن عبادته؛ ولهذا كان من دعاء عباد الله الصالحين أنهم يقولون: (وَجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74]، وإمامة المتقين من أعلى مراتب علو الهمة.
ثانيًا: قراءةُ القرآن بتدبر وتعقل؛ فالقرآن يهدي للتي هي أقوم، وعلو الهمة من جملة ذلك، والقرآن هو الذي ربى الأمةَ وأدبها، وزكى منها النفوس وصفى القرائح، وأعلى الهمم وغرس الإيمان في الأفئدة.
ثالثًا: قِصَرُ الأمل وتذكر الآخرة، وهذا من أعظم الموقظات للهمة، ومن أكبر البواعث على الإقبال على الله؛ وذلك أن المرء إذا تذكر قِصَر الدنيا وسرعة زوالها أدرك أنها مزرعة الآخرة وفرصة لكسب الأعمال الصالحة، وتذكر ما في الجنة من النعيم المقيم وما في النار من العذاب الأليم، وزهد في متع الدنيا وأقصر عن الاسترسال في الشهوات، وانبعثت همته للأعمال الصالحة؛ قال ابن الجوزي رحمه الله: من تفكّر في عواقب الدنيا أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر.
رابعًا: إدامةُ النظر في السيرة النبوية؛ فحياة النبي –صلى الله عليه وسلم- كلها مليئة بالأحداث العظام التي تبعث الهمة وتوقظ العزيمة، حياة النبي –صلى الله عليه وسلم- مليئة بالجهاد والصبر والمصابرة وصدق العزيمة وعلو الهمة، ولا عجب في ذلك -عباد الله-؛ فهو سيد البشر وخيرة الله من خلقه وقدوة الناس أجمعين.
خامسًا: مصاحبةُ الأخيار وأهلِ الهمم العالية؛ فهذا الأمر من أعظم ما يبعث الهمة ويربي الأخلاق الرفيعة في النفس؛ وذلك لأن الإنسان مولع بمحاكاة من حوله، شديدُ التأثر بمن يصاحبه.
سادسًا: التفاؤل؛ فإن ذلك مما يبعث الهمة، ويدعو إلى محاربة الفتور والملل، وإلى الإقبال على الجد والعمل، فإذا عمل المرء ما في وسعه واستنفد جَهده وطاقته فليثق بأن ربه لن يخذله ولن يضيع عمله، وليحذر من اليأس والقنوط والتشاؤم؛ فإنها من أشد المثبطات وأكبر المعوقات.
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا وعملاً صالحًا وتوبة نصوحًا قبل الممات.
الخطبة الثانية:
أيها الناس: الوقت هو رأس مال الإنسان، وساعاتُ العمر هي أنفس ما عني بحفظه الإنسان، ليس يطغى أحدهما على الآخر.
حياة مقسمة تقسيمًا محدودًا: صِبا، فشباب، فكهولة، فشيخوخة، فإذا جاء الأجل فلا مفرّ من الموت، وما فات من الزمن لا يعود؛ فالصبا إذا فات فات أبدًا، والشباب إذا مرّ مرّ أبدًا، والزمن المفقود لا يعود أبدًا.
وإذا أرجعنا البصر في تاريخ علماء الأمة الذين رفعوا للحكمة لواءً وجدناهم يبخلون بأوقاتهم أن يصرفوا شيئًا في غير درس أو بحث أو عمل صالح، فهذا ابن عقيل الحنبلي -رحمه الله- يختصر وقتَ أكِله، فيختار سفَّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ، ولهذا خلَّف -رحمه الله- آثارا عظيمةً، ككتاب الفنون الذي قيل عنه: إنه بلغ ثمانمائة مجلد.
فإذا كان الزمن بتلك المكانة والمنزلة فأجدر بالعاقل اغتنام وقته، والحذر الحذر من إضاعة الوقت بما لا ينفع أو بما يضر: (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ * لَعَلّى أَعْمَلُ صَـالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:99، 100].
اللهم أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم ثبتْنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم