المقدمة الثالثة -من الأصول الثلاثة- اعلم أرشدك الله لطاعته

خالد بن علي أبا الخيل

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ تأملات كتاب الأصول الثلاثة 2/ أول واجب على العبيد 3/ أقسام التوحيد ومعنى الحنيفية 4/ أعظم المنهيات على الإطلاق الشرك بالله 5/ آية الحقوق العشرة.

اقتباس

مر معنا في جُمعٍ ماضية في التعليق على الأصول الثلاثة المقدمة الأولى، ثم المقدمة الثانية، وفي هذه اللحظات المتتالية نأخذ المقدمة الثالثة من الأصول الثلاثة وهي: "اعلم أرشدك الله لطاعته". فيقول الإمام المجدد محمد بن عبد الله الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب في كتابه الفذ الجليل، المختصر الوجيز "الأصول الثلاثة": "اعلم أرشدك الله لطاعته! أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصًا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: عباد الله: فاتقوا الله حق تقاه، لعمرك إلا إنما التقوى هي العز والكرام، وحبك للدنيا هو الذل والسقم، وليس على عبدٍ تقيٍ نقيصةٌ إذا حقق التقوى، وإن حاكى، أو حجم.

 

إخوة الإسلام مر معنا في جُمعٍ ماضية في التعليق على الأصول الثلاثة المقدمة الأولى، ثم المقدمة الثانية، وفي هذه اللحظات المتتالية نأخذ المقدمة الثالثة من الأصول الثلاثة وهي:

"اعلم أرشدك الله لطاعته".

 

فيقول الإمام المجدد محمد بن عبد الله الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب في كتابه الفذ الجليل، المختصر الوجيز "الأصول الثلاثة":

"اعلم أرشدك الله لطاعته! أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصًا له الدين، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].

 

ومعنى يعبدون: يوحدون، وأعظم ما أمر الله به التوحيد وهو: إفراد الله بالعبادة، وأعظم ما نهى عنه: الشرك، وهو: دعوة غيره معه، والدليل قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء:36].

هذه المقدمة اشتملت على عشر عناصر يعقد عليها الأواصر.

 

العنصر الأول أيها الأحبة: بقوله: "اعلم أرشدك الله: والرشد هو: موافقة الحق، واتباع الحق، والاستقامة عليه كما قال ابن القيم: "الرشد هو: الهدى ودين الحق" ومن هُدي إلى الرشد فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيمٍ، ومنهجٍ قويم، ففي مسلم عن الرسول الكريم: "ومن يطع الله ورسوله فقد رشد"؛ ولهذا كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد".

 

والرشد عباد الله: ضد الغي والكفر والضلال، (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:256].

 

والرشد -عباد الله- هو أحد الأقسام الثلاثة، فالناس ثلاثة أقسام: غاويٍ، وضالٍ، وراشد. فالغاوي الذي معه علم ولم يعمل بعلمه، والضال يعبد الله على جهلٍ وضلال، والراشد من عرف الحق وعمل به.

 

ومن هذه الجملة نأخذ فائدة تربوية سلوكية، وهو أنه يجب على العلماء، وطلبة العلم، والمعلمين، والمربين الدعاء للآخرين، لاسيما طلبة العلم، والشباب المستقيمين، لاسيما أحبتي في الله من جاء يريد الخير، والفائدة، فينبغي أن نفتح له صدورنا، وأن نشرح له قلوبنا، ولهذا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أثمرت، وأينعت، وأنظر إلى مقدماته الجميلة (أعلم أرشدك الله لطاعتك) فكم قارئٍ؟! وسامعٍ وتالٍ هدي إلى الصراط المستقيم بهذه الدعوة المباركة؟!

 

والعنصر الثاني أيها الأحبة: "أن الحنيفية ملة إبراهيم"، الحنيف هو: المائل؛ أي المائل عن الشرك قصدًا إلى التوحيد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم -عليهما رحمة الله-: (الحنيفُ: المقبل على الله المعرض عن كل ما سواه) ولهذا أُمر نبينا بإتباع هذه الملة (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) [النحل:123]، (دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) [الأنعام:161].

 

وقد ضل نفسه، وتاه في حاله، وصباحه وأمسه من تغير وابتعد عن هذه الملة (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة:130].

 

ملة إبراهيم هي عنوان المؤمنين، وسمة الصادقين (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ) [الحج:78].

 

فلهذا عباد الله كانت هذه الملة الحنيفية التي قال عليه الصلاة والسلام: "بُعثتُ بالحنيفية السمحة"، هي: إفراد الله بالعبادة، والملة هي: الدين.

 

والعنصر الثالث: "لطاعته"، ومن وُفِّق لطاعة الله فقد وُفِّق لخيرٍ كثير، وأجرٍ عظيمٍ كبير، كما قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "ومن يطع الله ورسوله فقد رشد"، صاحب الطاعة طريقه الجنة، ففي البخاري عن رسول الأمة: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبي"، صاحب الطاعة له الفوز في الدين، والدنيا، والآخرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [الأحزاب:70]، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71].

 

صاحب الطاعة لله ولرسوله معه في جنته (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) [النساء:69]، (ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا) [النساء:70].

 

صاحب الطاعة له الفوز والفلاح، والأُنس والنجاح (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].

فالطاعة عباد الله سبيل الجنة، فألزموا طاعته، وإتباعه تنالوا جنته.

 

والعنصر الرابع أيها الأحبة: "أن تعبد الله"، والعبادة عباد الله هي: الذل والخضوع، وهي ما جمعت أمرين: غاية الحُب وتمامه، وغاية الذل وخضوعه وغايته؛ ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله:

وعبادة الرحمن غاية حبه *** مع ذل عابده هما قطبان

وعليهما فلك العبادة دائرٌ *** ما دار حتى قامت القطبان

ومداره بالأمر أمر رسوله *** لا بالهوى والنفس والشيطان

 

العبادة -عباد الله- التعريف الكامل لها، الشامل ما عرفه شيخ الإسلام هي: اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. فيدخل فيها العبادات والواجبات، والعبادات المستحبات، ثم العبادة اسم جامع لكل ما يرضى الإله السامع؛ ولهذا عباد الله العبادة مبناها على الإخلاص والاتباع، فلهذا أن تعبد الله -عز وجل-.

 

والعنصر الخامس: "مخلصًا له الدين"، والإخلاص كما عرفه شيخ الإسلام هو: حب الله وإرادة وجهه، ويعرفه ابن القيم -رحمه الله-: "وحقيقة الإخلاص توحيد المراد، فلا يزاحمه مراد ثاني، الإخلاص أن تستوي سريرتك وعلانيتك، الإخلاص أن تعبد الله في سرك وعلانيتك، في إقامتك وسفرك، أن تمتثل أمر الله فتفرده بالعبادة".

 

فلواحدٍ كن واحدٍ لواحدٍ *** أعني سبيل الحق والإيمان

 

الإخلاص عباد الله: أمر الله -عز وجل- به الناس (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة:5]، بل قال لنبيه: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) [الزمر:2].

 

الإخلاص عباد الله لا يقبل الله سواه (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

 

الإخلاص عباد الله: سببٌ لصرف العبد عن المعاصي، (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف:24].

 

الإخلاص عباد الله: حفظٌ للإنسان من الشياطين، شياطين الإنس، وشياطين الجن (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص:82].

(إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:83].

 

فأخلصوا أعمالكم فبقدر الإخلاص ينجح، وبقدر الإخلاص يفوز ويُفلح، فالإخلاص عباد الله: سبيل النجاة والخلاص.

 

ولهذا أحبتي في الله جاء في صحيح مسلمٍ من حديث أبي هريرة ، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "من أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".

 

إخوة الإيمان: والعنصر السادس: "الحكمة من خلق الإنس والجن"، وخلقهم هو: عبادته؛ ولهذا قال -رحمه الله-: "ولهذا خلقهم لها"، والدليل قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].

 

فالحكمة من وجود الإنس والجن: عبادة الله -عز وجل-، إفراد الله بالعبادة، ومن عرف هذا الهدف هان عليه كل شيء، امتثل أمر الله، وعظم أمر الله، واستجاب لله؛ لأنه يعرف أنه خُلق لهذه الحكمة، فلهذا يُعظم شعائره، ويقوم بأوامره (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]، (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) [الحج:30].

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، إنه كان للأوابين غفورًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

 

وبعد: فالعنصر السابع أيها الأحبة: أعظم ما أمر الله، أعظم المأمورات على الإطلاق هو التوحيد، أعظم الواجبات التوحيد، أول الواجبات التوحيد:

أول واجب على العبيد *** معرفة الرحمن بالتوحيد.

 

ولهذا أول أمرٍ يطرق سمعك، وتسمعه أذنك الأمر بعبادة الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:21].

فلهذا التوحيد أول الواجبات؛ لأن الله لا يقبل سواه، وأول دعوة، وأول الدعوات للبريات كما في الصحيحين حديث ابن عباس، لما بعث معاذًا إلى اليمن قال: "إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك"، فدل على أن أول واجب، وأعظمٍ أمرٍ التوحيد، أعظم من الأمر بالصلاة والزكاة، والحج، والصيام، إذ كل ذلك لا يقبل إلا بالأصل، والأصل هو التوحيد، فلهذا كان هو أعظم ما أمر الله -عز وجل- به على الإطلاق، مما يدل على عظمته أنه دعوة الأنبياء والمرسلين من أولهم إلى آخرهم (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36]، (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25].

 

عباد الله: والعنصر الثامن: فسره فبقوله: "هو إفراد الله بالعبادة"، فالتوحيد تفسيره وإيضاحه، وبيانه هو إفراد الله بالعبادة، بأن تجعل الله -عز وجل- واحدًا في عبادته، فلا ملكٌ مقرب، ولا نبيٌ مرسل (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18]، (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء:36]، (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [المؤمنون:117].

 

والتوحيد عباد الله ثلاثة أنواع:

توحيد الإلوهية وهو: إفراد الله بالعبادة.

وتوحيد الربوبية وهو: إفراد الله بأفعاله سبحانه.

 

وتوحيد الأسماء والصفات وهو: أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الشورى:11].

 

والعنصر التاسع أيها الأحبة: "وأعظم ما نهى الله عنه"، أعظم المنهيات على الإطلاق الشرك بالله -عز وجل-، أعظم من النهي عن القتل، والزنا والسرقة، والإسبال، وسماع الغناء، وأكل الربا، ونحو ذلك من المحرمات (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) [الفرقان:68].

 

في الصحيحين حديث ابن مسعود أن النبي –صلى الله عليه وسلم- سُئل: أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك"، فأعظم ما نهى الله -عز وجل- هو: الإشراك به، صاحب الشرك حابط عمله (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر:65].

 

صاحب الشرك مُخلد في النار (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ) [التوبة:17]، صاحب الشرك لا يُقبل منه عمل (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان:23].

 

صاحب الشرك الجنة عليه حرام، ومأواه النار (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) [المائدة:72].

 

والشرك عباد الله ينقسم إلى: أكبر وأصغر، فالمخلد في النار، والذي لا يغفره الله هو الشرك الأكبر، صرف العبادة لغير الله، كأن يدعو غير الله، أو يسأل غير الله، أو يستغيث بغير الله، أو يطلب المدد من غير الله، أو ينادي غير الله، أو يذبح لغير الله، أو ينذر لغير الله، أو غير ذلك مما يصرفه لغير الله (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18].

 

ولهذا عباد الله كان الشرك أظلم الظلم، وأضل الضلال (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) أي بشرك (أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:82].

 

والشرك عباد الله: تعريفه كما في:

العنصر العاشر: هو دعوة غير الله مع الله، عبادة غير الله مع الله، أو عبادة غير الله مطلقًا، فمن صرف شيئًا من العبادة لغير الله فقد أشرك بالله، وصرف بعضها لغير الله شركٌ وذاك أقبح المناهي، فالعبادات كلها لله، ومن صرف منها شيئًا لغير الله فقد أشرك بالله، فالشرك عباد الله هو صرف العبادة لغير الله، ولهذا قال هو دعوة غيره معه، وينقسم إلى أكبر وأصغر، وخفي، وإن شئت قلت: إلى أكبر وأصغر.

 

والشرك نوعان فمنه أكبر *** به خلود النار إذ لا يغفر

والثاني شرك أصغر وهو الربا *** فسره به ختام الأنبياء

ومنه أقسام بغير الباري ***   كما أتى في محكم الأخبار

 

ثم ختم هذه المقدمة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب بقوله: «والدليل قوله: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) [النساء:36]».

 

وهذه الآية تسمى آية الحقوق العشرة، وهي في سورة النساء، ذكر الله -عز وجل- فيها عشرة حقوق، ابتدأها بالأمر بالتوحيد، والنهي عن الشرك، فدل على أن أعظم الحقوق على الإطلاق: هو إفراد الله بالاتفاق.

 

والله أعلم.

 

 

المرفقات

الثالثة -من الأصول الثلاثة- اعلم أرشدك الله لطاعته

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات