المعقبات اللاتي لا يخيب قائلهن

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ الإنسان ضعيف بدون حماية الله له 2/ فضائل ذكر الله تبارك وتعالى 3/ عواقب الغفلة عن ذكر الله 4/ حفظ الله للإنسان 5/ من فوائد الذكر 6/ أذكار مهمة تحفظ المسلم في ليله ونهاره 7/ من الأعمال التي يحفظ الله بها العبد في النهار 8/ أهمية الذكر في حفظ العبد.

اقتباس

نحن نستيقظ صباحًا ويغدو أهل البيت كلهم إلى مدارسهم وأعمالهم، والدنيا تموج بهم في بحر متلاطم من البلاء والأخطار والشرور، فمن يحفظهم، ويكلؤهم، ويدفع عنهم الشرور، إنه الله جل جلاله، وقد شرع لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-، أذكارًا تُقال في الصبح والمساء تحفظ العبد بأمر الله، فكان لزامًا على كل عبد أن لا يقوم من مصلاه بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر، حتى يقول هذه الأذكار، مشركًا فيها ذريته وآل بيته، وإني لأعجب من البعض ممن لا يعرف تلك الأذكار ولا يكترث بها، وهو محاط بالشرور والمخاطر، كيف يعيش مطمئنًا، معتمدًا على نفسه الضعيفة...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله....

 

أما بعد فيا أيها الناس:

 لقد بيّن الله حالنا في هذه الدنيا، فقال (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء: 28] فالإنسان ضعيف في قوته، وفي تدبير أمره، فالأخطار المحدقة به كثيرة جدا، ولولا حفظ الله، لذهب الإنسان في لمحة بصر، ولكن الله لطيف بعباده.

 

معاشر المسلمين: إن من لطف الله بعبده أنه لم يدعه مكتوف اليدين بلا معين، بل جعل الله له أقوى حماية، وأرشده للتحرز بها من مخاطر شياطين الإنس والجن.

 

وليس فضلها محصورًا في الحفظ فقط، بل هي من أجل العبادات، ولها أفضل الأجور والهبات، فإن ذِكر الله من أفضل العبادات وأحبّها إلى الله -سبحانه وتعالى-، فلم يزل يأمر بها عباده ويحثُّهم عليها تزكيةً لنفوسهم وتقويةً لإيمانهم وزيادةً في يقينهم، فإنَّ المُلازم لذِكر الله في كافة أحواله، لا تراه إلاَّ سبَّاقًا إلى طاعة الله، وقَّافًا عند حدوده، قائمًا بأمره، توَّاقًا إلى لقائه، مُدبِرًا عن الدنيا، مُقبِلاً على الآخرة.

 

وقد علَّق الله -جلَّ وعلا- فلاح المؤمنين بإقامتهم لذكر الله، فقال -تعالى-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10]، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب: 41].

 

ولقد نهى الله -جلَّ وعلا- عن الغفلة عن ذكره، فقال -تعالى-: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) [الأعراف: 205]؛ لأنَّ الغفلة عن ذكر الله تُمكِّن الشيطان من إحداث الوساوس والخواطر، وتُضعِف إيمان المرء وتجعله أسير الشهوة والنفس الأمَّارة بالسوء ومغريات الدنيا الفانية؛ فلا تراه إلاَّ متثاقلاً عن أداء الفرائض، سبَّاقًا إلى الشبهات وانتهاك الحرمات، وتلك علامة الموت والغفلة.

 

أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".

 

وأخرج أبو داود في سننه وهو على شرط مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله -تعالى- فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة".

 

فذِكر الله حياة القلوب وبهجة النفوس، وشفاءٌ للصدور والأرواح، وقوَّةٌ في الأبدان، ونور في الوجه والعقل والبصر، لذلك قال -تعالى-: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) [العنكبوت: 45].

 

أيها المؤمنون: لقد جعل الله للعبد معقباتٍ يحفظونه بأمر الله كما قال سبحانه (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) [الرعد: 11]، قال أبو مجلز: جاء رجل من مراد إلى عليّ فقال: احترس فإن ناسًا من مراد يريدون قتلك; فقال: "إن مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدّر، فإذا جاء القدر خلّيا بينه وبين قدَر الله، وإن الأجل حصن حصينة".

 

وقال كعب الأحبار: "لو تجلَّى لابن آدم كلّ سهلٍ وحزنٍ لرأى على كل شيء من ذلك شياطين. لولا أن الله وكَّل بكم ملائكة يذبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إذًا لتُخُطِّفتم".

 

عباد الله:

مهما تحفظ الإنسان على نفسه واحتاط، فإن البلاء يأتيه من حيث لا يحتسب، ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك".

 

ونحن نستيقظ صباحا ويغدو أهل البيت كلهم إلى مدارسهم وأعمالهم، والدنيا تموج بهم في بحر متلاطم من البلاء والأخطار والشرور، فمن يحفظهم، ويكلؤهم، ويدفع عنهم الشرور، إنه الله جل جلاله، وقد شرع لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم-، أذكارًا تُقال في الصبح والمساء تحفظ العبد بأمر الله، فكان لزامًا على كل عبد أن لا يقوم من مصلاه بعد صلاة الفجر وبعد صلاة العصر، حتى يقول هذه الأذكار، مشركًا فيها ذريته وآل بيته، وإني لأعجب من البعض ممن لا يعرف تلك الأذكار ولا يكترث بها، وهو محاط بالشرور والمخاطر، كيف يعيش مطمئنًا، معتمدًا على نفسه الضعيفة.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا كريم, أقول قولي.....

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد فيا أيها الناس: إن من فوائد الذكر طرفي النهار أن الذاكر يتعلق قلبه بربه، فيقوى توكله، وتعظم رغبته في ما عنده، جل وعلا.

 

إن العبد قد يدفع بإذن الله بعضًا من الشرور التي تحوط به في النهار، ولكن من الذي يدفع عنه وهو في منامه، والأخطار من حوله، إنه الله -جل جلاله-، فلقد سن لنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ذكرًا عند النوم، من قاله أرسل الله له ملكًا يحرسه حتى يستيقظ، سبحان الله، يا لها من نعمة غفل عنها الكثير!

 

أخرج النسائي في سننه وهو في البخاري تعليقًا من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَبِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟"

 

 قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟

 

 قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، شَكَا حَاجَةً وَعِيَالاً، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ تَزْعُمُ أَنَّكَ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ.

 

 فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: مَا هِيَ ؟ قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَهَا (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)، وَقَالَ: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلاَ يَقْرَبُكَ الشَّيْطَانُ حَتَّى تُصْبِحَ، وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهُ كَذُوبٌ وَقَدْ صَدَقَكَ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثٍ، يَا أَبَا هُرَيْرَة؟" فَقُلْتُ: لاَ، قَالَ: "ذَلِكَ الشَّيْطَانُ".

 

كما شرع لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- ذكرًا يحفظنا كذلك عند النوم، وهو قراءة آخر آيتين من سورة البقرة، فقد أخرج الشيخان في صحيحهما من حديث عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي ليلة كفتاه".

 

قال النووي – رحمه الله -: قوله -صلى الله عليه وسلم-: " الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه " قيل: معناه كفتاه من قيام الليل، وقيل: من الشيطان، وقيل: من الآفات.

 

ومن الأعمال التي يحفظ الله بها العبد في النهار صلاة أربع ركعات من أول النهار، كما روى أحمد (22469)، وأبو داود (1289) عَنْ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ الْغَطَفَانِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، لَا تَعْجِزْ عَنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ".

 

وأخرجه الترمذي (475) من حديث أبي الدرداء، وأبي ذر -رضي الله عنهما- بلفظ: "ابْنَ آدَمَ، ارْكَعْ لِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ" (وحسنه الذهبي في "السير" (8/323)، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4339).

 

وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الصلاة، فذهب بعضهم إلى أن المراد بها صلاة الضحى، منهم: أبو داود، والترمذي، والعراقي، وابن رجب الحنبلي، وغيرهم.

 

وذهب البعض الآخر إلى أن المراد بها صلاة الصبح وسنتها، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله -تعالى-.

 

والحاصل: أنه يحتمل أن يكون المراد بهذه الصلاة صلاة الصبح وسنتها، ويحتمل أن تكون صلاة الضحى، فينبغي للمسلم أن يحافظ على أربع ركعات في الضحى مع محافظته على صلاة الفجر وسنتها ليحصل له هذا الفضل.

 

ومعنى قوله: "أَكْفِكَ آخِرَهُ" أي: أنه يكون في حفظ الله -تعالى-، فيحفظه من شر ما يقع في آخر هذا اليوم مما يضره في دينه أو دنياه.

 

أيها الأحبة: إن الأذكار التي تحفظ العبد كثير كالتعوذ بالمعوذتين، وغيرهما، وما ذكرته أمثلة يتعلم منها العبد أهمية الذكر في حفظ العبد، فمن لم يحفظ أذكار الصباح والمساء، فليبادر بقراءتها من كتب الأذكار، ككتاب حصن المسلم، وهو يباع بريال واحد، وتستطع وضعه في جيبك، ومع الوقت ستحفظها، وعلينا عند قراءة الأذكار أن لا نهزها هزًّا بدون تدبر، فهي أدعية، فأخلص الدعاء علها أن تجاب منك.

 

اللهم احفظنا وذرياتنا بحفظك...

 

 

 

المرفقات

المعقبات اللاتي لا يخيب قائلهن.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات