عناصر الخطبة
1/حقيقة اسم الله المعطي ودلائله وثمرة الإيمان به.اقتباس
وَعَطَاءٌ خَاصٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ: لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ؛ فَيَهَبُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا الرِّزْقَ الْحَلَالَ وَالذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، وَالْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى، وَالْيَقِينَ وَالْهُدَى الْمُبِينَ، وَهِيَ أَعْظَمُ الْعَطَايَا فِي الدُّنْيَا، رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ الذَّهَبِيُّ عَنْ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ - لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ - فَقَالَ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ، لِاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟ قَالَ: أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ"، فَسُبْحَانَهُ مِنْ خَلَّاقٍ عَظِيمٍ! جَوَادٌ كَرِيمٌ!
الْعَطَاءُ مِنْ أَجَلِّ هِبَاتِهِ، وَالْكَرْمُ: صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، وَالْجُودُ: مِنْ أَعْظَمِ سِمَاتِهِ، فَمَنْ أَعْظَمُ مِنْهُ جُودًا وَكَرَمًا وَعَطَاءً؟!
وَإِنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى: الْمُعْطِي -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، صَحَّ عَنْهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ، وَاللَّهُ يُعْطِي"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).
فَرَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- هُوَ الْمُعْطِي عَلَى الْحَقِيقَةِ لِكُلِّ الْخَلِيقَةِ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ؛ فَعَطَاؤُهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لِكُلِّ مَوْجُودٍ فِي الْوُجُودِ، لَيْسَ لَهُ حُدُودٌ، وَلَا مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ، وَهُوَ كَمَالُ الْكَرَمِ وَالْجُودِ.
وَرَبُّنَا إِذَا أَعْطَى؛ فَتَفَضُّلٌ وَإِصْلَاحٌ، وَإِذَا مَنَعَ فَحِكْمَةٌ وَصَلَاحٌ.
هُوَ مَانِعٌ مُعْطٍ فَهَذَا فَضْلُهُ *** وَالْمَنْعُ عَيْنُ الْعَدْلِ لِلْمَنَّانِ
يُعْطِي بِرَحْمَتِهِ وَيَمْنَعُ مِنْ يَشَـا *** ءُ بِحِكْمَةٍ وَاللَّهُ ذُو سُلْطَانِ
وَعَطَاءُ اللَّهِ نَوْعَانِ: عَطَاءٌ عَامٌّ: فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ: لِكُلِّ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ؛ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، فَاللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَصْلَحَ لَهُمْ أَمَرَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، قَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا)[الْإِسْرَاءِ: 20]، وَقَالَ: (الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)[طه: 50].
وَعَطَاءٌ خَاصٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَهُوَ: لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ؛ فَيَهَبُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا الرِّزْقَ الْحَلَالَ وَالذُّرِّيَّةَ الصَّالِحَةَ، وَالْإِيمَانَ وَالتَّقْوَى، وَالْيَقِينَ وَالْهُدَى الْمُبِينَ، وَهِيَ أَعْظَمُ الْعَطَايَا فِي الدُّنْيَا، رَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ الذَّهَبِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيَا لِمَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ".
وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَهِيَ الْعَطِيَّةُ الْكُبْرَى فِي جَنَّاتِهِ الْعُلَا الَّتِي لَا أَكْمَلَ وَلَا أَجَلَّ مِنْهَا، قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا)[النَّبَأِ: 36].
وَأَعْظَمُ الْعَطَاءِ فِي دَارِ الْحُسْنَى وَالْبَهَاءِ: رِضَا رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالنَّظَرُ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ الْكَرِيمِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ: رَبُّنَا كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكُرَمَاءَ، وَهُوَ الْمُعْطِي وَيُحِبُّ أَهْلَ الْعَطَاءِ؛ وَلِذَلِكَ سَادَ النَّاسُ أَهْلُ الْعَطَاءِ، جَاءَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ: فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا، وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا، وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى، فَأَعْطِ الْفَضْلَ، وَلَا تَعْجَزْ عَنْ نَفْسِكَ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ).
وَلِلْكُرَمَاءِ الْأَجْرُ الْكَبِيرُ مِنْ عِنْدِ مَلِكِ الْمُلُوكِ؛ (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)[الْحَدِيدِ: 7].
وَقَدْ وَعَدَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُعْطِيَهُ حَتَّى يُرْضِيَهُ: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضُّحَى: 5].
وَمِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ رَسُولَهُ فِي الْآخِرَةِ: نَهْرُ الْكَوْثَرِ؛ (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)[الْكَوْثَرِ: 1]، جَاءَ عَنْهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ عَنِ الْكَوْثَرِ: "نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-، عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
سُبْحَانَ مَنْ يُعْطِي الْمُنَى بِخَوَاطِرٍ *** فِي النَّفْسِ لَمْ يَنْطِقْ بِهِنَّ لِسَانُ
سُبْحَانَ مَنْ لَا شَيْءَ يَحْجُبُ عِلْمَهُ *** فَالسِّرُّ أَجْمَعُ عِنْدَهُ إِعْلَانُ
سُبْحَانَ مَنْ هُوَ لَا يَزَالُ وَرِزْقُهُ *** لِلْعَالَمِينَ بِهِ عَلَيْهِ ضَمَانُ
اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمْنَا، وَجُدْ عَلَيْنَا وَلَا تَرُدَّنَا خَائِبِينَ؛ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.
وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم