المعصية الجماعية

ناصر بن محمد الأحمد

2016-05-18 - 1437/08/11
عناصر الخطبة
1/ كل بني آدم خطاء 2/ الفرق بين المعصية الفردية والمعصية الجماعية 3/ أثر المعصية الجماعية مدمر ومخيف 4/ دائرة المنكرات الجماعية دائرة واسعة 5/ أضرار المعاصي الجماعية على الأفراد والمجتمعات 6/ التحذير من كفر النعم والظلم وكسب السيئات.

اقتباس

المعصية الجماعية ينتظم فيها عدد كثير يتواطؤون على فعلها، ولا يزال هذا العدد يكبر ويكبر حتى يشمل المجتمع كله، يجاهَر بها على رؤوس الأشهاد، وقد يصبح فعلها مجال فخر وخيلاء واعتزاز وتطاول على الآخرين، فقد تتخذها الجماعة أو الشعب شعاراً وتعتقد أنه يجلب لها المجد والرفعة.. إن أثر المعصية الجماعية مدمر ومخيف لاتساع المساحة التي يظهر فيها شؤم هذا الأثر، فهي تُعرّض المجتمع الذي فشت فيه بأسره لغضب الله وانتقامه، وتجعله فاقد المناعة، يهوي ويندثر عند تعرضه لأدنى هزة.

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله..

 

أما بعد: أيها المسلمون: لقد خلق الله -تعالى- الإنسان وكرمه واصطفاه، وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلاً، وأودع في النفس البشرية خلالاً وصفات، وسجايا وطبيعات، ومن تلك السجايا والصفات التي فُطرت عليها النفس البشرية: طبيعة التقصير والخطأ، والانحراف والهوى.

 

فالمعصية طبعٌ جبلّي وخَلْق بشري، متى ما كان الوقوع فيها بدافع الشهوة والشبهة دون محبةٍ أو رغبة، مع كره القلب لها ونفور النفس منها.

 

وقد اقتضت حكمة الله -تعالى- واتصافه بصفات المغفرة والرحمة أن يقع العباد في الذنوب والآثام، ثم يرجعون إلى الله مقبلين تائبين فيغفر لهم ويتجاوز عنهم بمنّه وكرمه، ولو شاء الله لآمن من في الأرض أجمعين، ولهدى الناس كلهم، لكن حكمته اقتضت أن يملأ الجنة والنار من خلقه.

 

ما للعباد عليه حقٌ واجب *** كلا ولا سعيٌ لديه ضائع

إن عُذّبوا فبعدله أو نُعّموا *** فبفضله وهو الكريم الواسع

 

المعصية الفردية يرتكبها صاحبها مستتراً، يتوارى من المجاهرة بها افتخاراً وتحدياً لمشاعر الجماهير، وقد يرتكبها وهو معتقد أنها حرام، وأنه ينتهك بارتكابها شرع الله، فيتوارى بفعلته تلك عن الأنظار ويصدّه الحياء عن تحدي المجتمع بذلك، وإذا ما لاحقه شؤم فعله فافتضح فإنه يذهب يلتمس المعاذير التي يعتذر بها عادة المقصرون، وقد يتوب إلى الله فيتوب الله عليه، ويردف السيئة بالحسنات فينسى الناس ما كان بدر منه: (ومَن تَابَ وعَمِلَ صَالِحاً فَإنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ مَتَابا) [الفرقان : 71].

 

هذا النوع من المعاصي خطْبه سهل مقارناً بالنوع الثاني وهو المعصية الجماعية فشؤمه وعواقبه الوخيمة تقتصر على مرتكبه، ودائرته الضيقة التي يتحرك فيها.

 

أما المعصية الجماعية فلها شأن آخر، فهي من حيث التطبيق ينتظم فيها عدد كثير يتواطؤون على فعلها، ولا يزال هذا العدد يكبر ويكبر حتى يشمل المجتمع كله.

 

ومن حيث صورتها يجاهَر بها على رؤوس الأشهاد، وقد يصبح فعلها مجال فخر وخيلاء واعتزاز وتطاول على الآخرين، فقد تتخذها الجماعة أو الشعب شعاراً وتعتقد أنه يجلب لها المجد والرفعة.

 

ومن حيث أثرها السيئ، فإن نتيجتها لا تحيط بأهلها فقط بل بالمجتمع كله مع وجود أناس قد يشمئزون من فعلها في ذلك المجتمع.

 

إن أثر المعصية الجماعية مدمر ومخيف لاتساع المساحة التي يظهر فيها شؤم هذا الأثر، فهي تُعرّض المجتمع الذي فشت فيه بأسره لغضب الله وانتقامه، وتجعله فاقد المناعة، يهوي ويندثر عند تعرضه لأدنى هزة.

 

هذا مع أنه قد يُعجب الناظر إليه، ويَخدع الذي لا يتعمق في تفحص جوهره، فيحسبه سليماً متماسكاً، وهو المعلول الذي يعد الحكماء والأطباء وما أقلهم له الأيام والساعات.

 

أيها المسلمون: لقد قص الله -عز وجل- علينا في القرآن الكريم خبر كثير من الأمم التي أهلكها بسبب المعاصي الجماعية، وذكر لنا جريمتهم التي استحقوا بها ذلك العقاب، مثل قوم عاد: (وتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وعَصَوْا رُسُلَهُ واتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيد) [ هود : 59].

 

ومثل قوم لوط: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ومَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيد) [هود : 82-83].

 

ومثل قوم شعيب: (ولَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وأَخَذَتِ الَذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُود) [هود : 94-95].

 

ثم يبين الله -تعالى- سنته المطردة في عقوبة المجتمعات التي تفشو فيها المعاصي التي يتواطأ عليها المجتمع ويقرها أهله فيقول عز من قائل: (وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد) [هود : 102]، (ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وأَهْلُهَا مُصْلِحُون) [هود : 117].

 

بقي أن نزيد المعصية الجماعية تعريفاً وتحديداً، ولا نكتفي بأمثلة من القرآن الكريم، بل ننظر في واقعنا نحن المسلمين لنرى هل لأمثال هذه المعاصي وجود؟

 

فنقول: المعصية الجماعية هى التى يقترفها جماعة من الناس: شعب، قبيلة، أهل مدينة، أو قرية، وتصبح شيئاً مألوفاً عندهم، وقد يفعلها الجيل بعد الجيل منهم، ولو استنكرها عليهم أحد واجهوه بالإنكار عليه ومحاربته حرباً جماعية أيضاً، لأنهم يرون فيه تهديداً لوحدتهم، بل لوجودهم أحياناً!

 

وهكذا يصبح هذا المنكر أمراً معروفاً ومطلوباً، وقد يصبح شعاراً لهم يُعرفون به ويفتخرون به ويمتازون به عن غيرهم. ولو نظرنا في واقعنا اليوم لوجدنا كثيراً من هذه المنكرات التى أصبحت قوانين ودساتير محمية بقوة السلاح وبسلطة الدول. وأن من يتجرأ على نقدها وبيان عيوبها وخطئها وخطرها يعرض نفسه لحرب شاملة على كل صعيد: مادياً ومعنوياً.

 

وليس المقصود بهذه المنكرات ما يتبادر إلى أذهان الكثيرين لأول وهلة كالزنا وشرب الخمر مثلاً، بل إن دائرة المنكرات دائرة واسعة تشمل هذه وتشمل غيرها من المبتدعات التى فرَّقت المسلمين وأضعفت صفوفهم وأذهبت ريحهم وجعلتهم طعمة لكل طامع، وضحكة لكل ساخر، ولعبة لكل عابث، كالنعرة القومية والقبلية والإقليمية، والجنسية والحزبية والمذهبية، والتعصب لهذه الأصنام التى لا تقل خطراً عن الأصنام التي حطمها أبو الحنيفية إبراهيم الخليل -عليه السلام-، وحطمها من بعده محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- بيده يوم فتح مكة وهو يتلو: (وقُلْ جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ إنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقا) [الإسراء : 81].

 

والعذاب والبأس الذي أنزله الله بمن يتعارفون ويتميزون بهذه المنكرات ويفتخرون بها ويبذلون الأموال الطائلة في استنباتها وترسيخها بين الناس قد يكون من الكوارث والجوائح التي تجعلهم نكالاً لمن يأتي من بعدهم كما عذب القرون السابقة، وقد يكون غير ذلك من البلاء والفتن التى تسلبهم نعمة الأمن والاستقرار وتضربهم بالخوف والجوع والذلة والمسكنة كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون) [الأنعام : 65].

 

وفي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما نزل قوله تعالى: (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُم) قال: "أعوذ بوجهك، (أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُم) قال: أعوذ بوجهك، (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْض)، قال: هاتان أهون".

 

وقد بيَّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الله لن يستأصل هذه الأمة كما استأصل الأمم السابقة، بل سيكون عقابه لها في الدنيا أن يلبسهم شيعاً ويذيق بعضهم بأس بعض، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وأن مُلك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها، وإني أُعطيت الكنـزين الأبيض والأحمر، وإني سألت ربي -عز وجل- أن لا يهلك أمتي بسَنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً فيهلكهم بعامة، وأن لا يلبسهم شيعاً ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فقال: يا محمد: إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يرد، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سواهم فيهلكهم بعامة حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وبعضهم يقتل بعضاً، وبعضهم يسبي بعضاً".

 

 وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، فإذا وُضع السيف في أمتي لم يُرفع عنهم إلى يوم القيامة".

 

والناظر في حال الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل إلى اليوم يرى محنتها الرئيسية ليست المجاعات، ولا الفقر، ولا تسلط الأعداء عليها، بل تسلط بعضهم على بعض، وتفرق كلمتهم، والتيه الذي يعيشون فيه بسبب الدعوات الهدامة المفرقة لأهدافهم، المشتتة لجهودهم.

 

فالمسلمون لم يؤتوا من ضيق ذات اليد، ولا من نقص في الموارد، بل أُتُوا من غفلتهم عما يسبب التفرق لهم من نكبات، ومن قصر النظر الذي يجعلهم يفضلون الأدنى على الأبقى، ويضحون بالمصلحة العامة في سبيل المصلحة الخاصة، ومن إخلالهم بتطبيق قاعدة الولاء والبراء، واضطرابهم في فهم الأولويات، فتراهم يصرفون الجهود العظيمة على السنن والمندوبات ويهملون الفروض والواجبات: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ ولَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتاً وهُمْ نَائِمُونَ، أَوَأَمِنَ أَهْلُ القُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وهُمْ يَلْعَبُونَ، أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُون) [الأعراف : 96-99].

 

بارك الله..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله..

 

أما بعد: أيها المسلمون: احذروا المعاصي والذنوب، واتقوا خطرها على الأبدان والقلوب، وانظروا وتفكروا في ظهور أثرها على الأوطان والشعوب، فإنها سلاّبة للنعم جلاّبة للنقم، تورث أنواعاً عظيمة من الفساد، وتحل أنواعاً من الشرور والفتن والمصائب في البلاد.

 

إن ضررها على الأفراد والمجتمعات لأشد وأنكى من ضرر السموم على الأجسام، إنها لتخلق في نفوس أهلها التباغض والعداء، وتنـزل في قلوبهم وحشة وقلقًا، لا يجتمع معها أُنسٌ ولا راحة، قال الله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) [الصف: 5].

 

أيها المسلمون: إن المعاصي والذنوب هي أصل كل بلاء، ومصدر كل شقاء، ومنبع كل غضب وانتقام، فما نفرت النعم ولا حلت النقم، ولا تسلط الخصوم والأعداء، ولا حلت الأدواء، ولا هجمت المصائب والنكبات إلا بشؤم الرذائل والمنكرات.

 

ليس في الدنيا ولا في الآخرة شر ولا داء ولا بلاء إلا وسببه الذنوب والمعاصي، وما عُذبت أمة من الأمم إلا بذنوبها، ففي كل آية عبرة، وفي كل مثل من الأمم السابقة بلاغ وذكرى، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وقال -تعالى- مبيناً سبب أخذ المهلكين وعقابهم: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].

 

 كل هذا كان فيمن قبلنا، لكن الذنوب هي التي تهلك الأمم اللاحقة أيضاً، قال الله تعالى: (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) [المرسلات: 16- 18].

 

ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا تمكنت من قلوب إلا أعمتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، بها تزول النعم وتحل النقم وتتحول العافية ويُستجلب سخط الله.

 

أيها المسلمون: ما نزل بالأمم والشعوب من ذل وهوان، وآلام وعقوبات، وفتن وزلازل، وما سُلط الأشرار، وسيطر الفجار، وغلت الأسعار، وشحت الوظائف، وكثرت الجرائم، إلا بسبب الذنوب والمعاصي، والمجاهرة بذلك من الداني والقاصي، وترك الأوامر والنواهي، فاعتبروا يا أولي الأبصار. قال الله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ) [الأنعام: 6].

 

ما الذي سبَّب في إخراج الأبوين عليهما الصلاة والسلام من الجنة، دار اللذة والنعيم إلى هذه الدنيا دار الآلام والأحزان؟

 وما الذي سبب إخراج إبليس من ملكوت السماء، وصيره طريداً لعيناً مصدراً لكل بلاء في الإنسانية؟

 لماذا عمّ الغرق قوم نوح حتى على الماء رؤوس الجبال؟

 ولماذا سُلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم كأنهم أعجاز نجل خاوية؟

 وما السبب في إرسال الصيحة على ثمود حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم؟

 ولماذا قلب قرى قوم لوط بهم فجعل عاليها سافلها وأتبعهم بحجارة من سجيل؟

 وما الذي أغرق فرعون وقومه؟ وخسف بقارون الأرض؟ وما الذي هد عروشاً في ماضي هذه الأمة وحاضرها طالما حُميت؟ إنه الذنوب والمعاصي.

 

أيها المسلمون: اعتبروا بالمصائب التي تحصل في معظم الأوطان من الفيضانات والطوفان والأعاصير التي تهلك الحرث والنسل في بعض الجهات، والجدب والجفاف وكثرة المجاعات وانتشار الأوبئة والأمراض في كثير من المجتمعات، وحوادث السيارات والقاطرات المهلكة والبواخر المغرقة والطائرات المحرقة، والزلازل المروعة التي تأتي على البنيان من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم.

 

كل ذلك يا عباد الله وغيرها بسبب كفر النعم والظلم وكسب السيئات، قال الله تعالى: (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) [الزمر: 51]. وقال تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النحل: 45- 47].

 

وقال سبحانه مبيناً عاقبة الظالمين الذين يكفرون نعم الله ولا يشكرونها: (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [سبأ: 19]. وقال -تعالى- مبيناً للذين شاهدوا المصائب أن يأخذوا العبرة من ذلك: (وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [العنكبوت: 35].

 

أيها المسلمون: إن معصية الله -تعالى- والمجاهرة بذلك كفر بالنعم، وإن الكفر بالنعم سبب للعذاب والعقاب: (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

 

قال الله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].

 

وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

 

أيها المسلمون: إن المصائب والأحداث ما هي إلا نُذُر للمسلمين لكي يعودوا ويرجعوا إلى تصحيح أعمالهم ورفع المظالم وإقامة العدل في بلادهم، فالظلم والبعد عن شرع الله -تعالى- سبب للهلاك، قال الله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) [القصص: 59].

 

فاتقوا الله أيها المسلمون، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر: 54- 55]، واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وقد وعد سبحانه ووعده الحق أن لا يعذب المستغفرين، فقال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33].

 

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وقنا عذاب النار، واجعلنا من الصابرين والصادقين والقانتين والمستغفرين بالأسحار.

 

 

المرفقات

الجماعية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات