المعاهد والمستأمن ما له وما عليه

الشيخ خالد القرعاوي

2022-08-19 - 1444/01/21 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/مكانة الوفاء بالعهد 2/حفظ الضرورات الخمس 3/الأنفس المعصومة 4/شروط إعطاء أهل الذمة حقهم 5/من عقائدنا تجاه أهل الكفر

اقتباس

الإسْلامُ دِينُ العَدْلِ والْقِسْطِ والرَّحْمَةِ؛ فَقَدْ تَكَفَّلَ بِحِفْظِ حَقِّ كُلِّ مَن عَاشَ بَينَ الْمُسلِمِينَ، حيثُ يَتَمَتَّعُونَ بِالِحمَايَةِ وَالعَدْلِ، مَا التَزَمُوا بِمَا عاهَدُوا اللهَ عَليهِ والْمُؤمِنُونَ, بَل وَيَجِدُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الأَمْنَ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ جَعلَ الوَفَاءَ بِالعَهْدِ مِن صِفَاتِ الأَنْبِياءِ، وَعَلامَاتِ الْمُتَّقِينِ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وَحَدَهُ لا شَريكَ لَهُ القَائِلُ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)[البقرة:40]. وَأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُاللهِ وَرَسُولُهُ الصَّادِقُ البَرُّ الأمِينُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومَن تَبِعَهُم بِإحسَانٍ إلى يومِ الدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

       

عِبَادَ اللهِ: أَخْلاقُ الإسْلامِ عَظِيمَةٌ، وَخِصَالُهُ حَمِيدَةٌ. وَخُلُقُ الوَفَاءِ بالوَعْدِ والعَهْدِ مِنْ أَعْظَمِهَا وَأَجْمَلِهَا وَأَحَبِّهَا إلى اللهِ تَعَالى. يَكْفي أنَّ اللهَ تَعالى وَصَفَ إِبْرَاهِيمَ -عَليهِ السَّلامَ- بِقَولِهِ: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)[النجم:37]، وَأَنَّ مِنْ عَلامَاتِ الْمُتَّقِينَ مَا ذَكَرَهُ اللهُ بِقَولِهِ تَعَالى: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا).

قَالَ ابنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: هُمُ الذِينَ لا يَنْقُضُونَ عَهدَ اللهِ بَعْدَ الْمُعَاهَدَةِ, وَلَكِنْ يُوفُونَ بِهِ وَيُتِمُّونَهُ عَلى مَا عَاهَدُوا عَلَيهِ مَنْ عَاهَدُوهُ عَلَيهِ. اهـ. فِي الحَدِيثِ عَن ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا نَقَضَ قَوْمٌ الْعَهْدَ إِلا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ"(صَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ). وَخَطَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "لا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ"(رَواهُ الإمَامُ أَحْمَدُ -رَحِمَهُ اللهُ-).

 

عِبادَ اللهِ: إنِّنا مُطَالَبُونَ بِالتَّمَسُّكِ بِشَرِيعَتِنَا الغَرَّاءِ وَالعَضِّ عَليها بِالنَّواجذِ, وَحِمَايَةِ جَنَابِهَا مِنْ أنْ تُخدَشَ أو تُثلَمَ, أَو أنْ تَتَسَلَّلَ لَهَا أَيْدِي العَابِثينَ، أُولئِكَ الذينَ يُقلِّبُونَ نُصُوصَها وَثَوَابِتَهَا، وَيَتَلاعَبُونَ بِأَحْكَامِهَا وَمُسَلَّمَاتِهَا كَيفَمَا شَاءُوا، وَحَقَّاً: مَنْ عَدِمَ الهِدَايَةَ تَخَبَّطَ فِي الظُّلَمِ! وَلا عَاصِمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إلَّا مَنْ رَحِمَ! وَنَحْمَدُ اللهَ أَنَّنَا فِي بَلَدِ عِلْمٍ وَعُلَمَاءَ عَلى رَأْسِهِم هَيئَةُ كِبَارِ العُلَمَاءِ الذينَ مَا فَتِئِوا يُوَجِّهُونَ وَيَنْصَحُونَ وَيُبَلِّغُونَ دِينَ اللهِ وَأَحْكَامَهُ. وَمِمَّا بَيَّنُوهُ وَأَعْلَنُوهُ أَحْكَامَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِن الْمُعَاهَدِينَ والْمُسْتَأمَنِينَ مَا لَهُمْ وَمَا عَليهِمْ مُنْطَلِقِينَ مِنْ كِتَابِ اللهِ الْحَكِيمِ وَسُنَّةِ وَهَدْيِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ.

 

عِبَادَ اللهِ: اعْلَمُوا أَنَّ شريعةَ اللهِ تَعَالى كُلُّها عَدْلٌ وَحِكْمَةٌ, وَرَحْمَةٌ وَهُدًى لِلنَّاسِ؛ فقَدْ َجَاء دِينُنَا لِيَحفظ لَنَا وَعَلينَا, الدِّينَ وَالنَّفْسَ, وَالعَقْلَ وَالْمَالَ وَالعِرْضَ؛ فَهَذِهِ ضَرُورَاتٌ خَمْسٌ يَجِبُ عَلينَا أَنْ نُحَافِظَ عَلَيها وَنَحْفَظَهَا. أَتَدْرُونَ -يَا رَعَاكُمُ اللهُ- أَنَّهُ لَو مَاتَ إنْسَانٌ دُونَهَا دَخَلَ الجَنَّةَ! لِذَا صَدَّرَ عُلَمَاؤنَا الأَجِلاءُ بَيَانَاتِهِمْ بِوُجُوبِ حَفْظِ هَذِهِ الْضَّرُورَاتِ الْخَمْسِ, وَتحريمِ الاعْتِدَاءِ عَليهَا وَأَكَّدُوا على تَحْرِيمِ الأَنْفُسِ الْمَعْصُومَةِ أَيًّا كَانَ نَوعُهَا وَجِنْسُهَا وَبَلَدُهَا وَدِينُهَا.

 

عِبَادَ اللهِ: وَالأَنْفُسُ الْمَعَصُومَةُ في دِينِنَا إمَّا أنْ تَكُونَ مُسْلِمَةً فَلا يَجوزُ بِحَالِ الاعْتِدَاءُ عَليهَا بِضَرْبٍ أَو ظُلْمٍ أَو قَتْلٍ كَمَا قَالَ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلا: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء:93]. وَبَيَّنَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:" لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ لِلْجَمَاعَةِ".

                       

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- بِسَنَدِهِ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الحُرَقَةِ -قَبِيلَةٌ مِن جُهَينَةَ-، فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلًا مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ أي أَدْرَكْنَاهُ، قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَكَفَّ الأَنْصَارِيُّ عَنْهُ فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا أي مُسْتَجِيرًا وَمُعْتَصِمًا مِنَ القَتْلِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ. وهذا يَدُلُّ أَعْظَمَ الدِّلالَةِ عَلى حُرْمَةِ الدِّمَاءِ فَهَذا رَجُلٌ مُشْرِكٌ وَفِي سَاحَةِ القِتَالِ, وَمَعَ هَذَا لَمْ يَقْبَلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُذْرَ أُسَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَتَأْوِيلَهُ! وَمِنْ الأَنْفُسِ الْمَعْصُومَةِ أَنْفُسُ الْمُعَاهَدِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وِالْمُسْتَأمَنِينَ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ). وَمَنْ أَدْخَلَهُ وَلِيُّ الأَمْرِ الْمُسْلِمِ بِعَقْدِ أَمَانٍ وَعَهْدٍ فَإنَّ نَفْسَهُ وَمَالَهُ مَعْصُومٌ لا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ.

 

وَمَجْلِسُ هَيئَةِ كِبَارِ العُلَمَاءِ يُبَيِّنُ حُكْمَ هَذا الأَمْرِ لِيَحْذَرَ الْمُسْلِمُ مِن الوُقُوعِ في الْمُحَرَّمَاتِ الْمُهْلِكَاتِ وَمِنْ مَكَائِدِ الشَّيطَانِ فَإنَّهُ لا يَزَالُ بِالعَبْدِ حَتَّى يُوقِعَهُ في الْمَهَالِكِ؛ إمَّا بِالغُلُوِّ بِالدِّين، وَإمَّا بِالجَفَاءِ عَنْهُ وَمُحَارَبَتِهِ وَالعِياذُ بِاللهِ. وَكِلا الطَّرِيقَينِ تُوقِعُ صَاحِبَهَا في غَضَبِ الرَّحمَنِ وَعَذَابِهِ.

 

كَمَا يَجِبُ عَلى الْمُسْلِمِ العِنَايَةُ بِالعْلِمِ الشَّرْعِيّ الْمُؤَصَّلِ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وِفْقَ فَهْمِ سَلَفِ الأُمَّةِ, كَمَا يَجِبُ العِنَايَةُ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيِ عَن الْمُنْكَرِ وَالتَّوَاصِي على الحَقِّ, وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ تَقْوَى اللهِ في السِّرِّ وَالعَلَنِ وَالتَّوبَةِ الصَّادِقَةِ النَّاصِحَةِ مِن جَمِيعِ الذُّنُوبِ فَإنَّهُ مَا نَزَلَ بَلاءٌ الَّا بِذَنْبٍّ وَلا رُفِعَ الَّا بِتَوبَةٍ.

 

حَقًّا -عِبَادَ اللهِ- العُلَمَاءُ هُمْ مَنْ اخْتَصَّهُمُ اللهُ بالْحِكْمَةِ وَالَفَهْمِ الدَّقِيقِ والنَّظْرَةِ الثَّاقِبَةِ!  كَفَاهُمْ شَرَفًا أَنَّهُمْ أَخْشَى النَّاسِ للهِ وَأَعَرَفَهُمْ بِهِ؛ فاللهُمَّ ارزقنا علمًا نَافِعًا وَعَمَلا صالِحًا ياربَّ العَالَمِينَ.

 

أقُولُ مَا سمعتم وأستغفرُ اللهَ لي وَلَكُمْ ولِلمؤمِنِينَ والْمُؤمِنَاتِ مِن كُلِّ ذَنبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الحَمْدُ للهِ أَظْهَرَ الشَّرعَ وَأَحْكَامَهُ، بَعَثَ الرُّسُلَ إلى سُبلِ الحَقِّ هَادِينَ، وَأَخْلَفَهُم بِعُلَمَاءَ إلى سُنَنِ الهُدى دَاعِينَ, أَشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الحَقُّ الْمُبينُ، وَأَشْهَد أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ، وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإحْسَانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوى، وَتَمَسَّكُوا مِنَ الإِسلامِ بِالعُروَةِ الوُثقى، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَنْ أَرَادَ الحَقَّ أَصَابَهُ، وَمَن لَجَأَ إلى اللهِ وَفَّقَهُ: (ومن يَعتَصِمْ باللهِ فقد هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ)[آل عمران:101]. 

 

عِبَادَ اللهِ: الإسْلامُ دِينُ العَدْلِ والْقِسْطِ والرَّحْمَةِ؛ فَقَدْ تَكَفَّلَ بِحِفْظِ حَقِّ كُلِّ مَن عَاشَ بَينَ الْمُسلِمِينَ، حيثُ يَتَمَتَّعُونَ بِالِحمَايَةِ وَالعَدْلِ، مَا التَزَمُوا بِمَا عاهَدُوا اللهَ عَليهِ والْمُؤمِنُونَ, بَل وَيَجِدُونَ مِنَ  الْمُسْلِمِينَ الأَمْنَ وَالرِّعَايَةَ مَا دَامُوا عَلى الشُّرُوطِ التي ذَكَرَهَا العُلَمَاءُ -رَحِمَهُمُ  اللهُ- أَخْذًا مِنْ فِعْلِ أَمِيرِ الْمُؤمِنِينَ عُمَرَ ابنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرضَاهُ- فَحِينَ قَدِمَ الشَّامَ التَقَى بِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَكَاتَبَهُمْ عَلى شُرُوطٍ مُعَيَّنَةِ، تَتَلخَّصُ بِمَا يَلِيِ:

أَنْ يَلْتَزِمُوا بِدَفْعِ جِزْيَةٍ لِلمُسْلِمِينَ, وَعِنْدَ الْخِلافِ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلى دِينِ الإسْلامِ, وَيَحْرُمُ عَليهِمْ إيوَاءُ الْجَواسِيسِ والْخَونَةِ دَاخِلَ دُورِهِمْ, وَأَنْ يَغُشُّوا مُسْلِمًا أَو يَسْمَعُوا بِغِشٍّ وَيَكْتُمُوهُ, وَعَدَمُ إحْدَاثِ دُورٍ لِلعِبَادَةِ في بِلادِ الْمُسْلِمِينَ لا كَنَائِسَ وَلا غَيرِهَا, وَألَّا يُظْهِرُوا شَيئًا مِن عِبَادَاتِهِمْ وَشِعَارَتِهم, وَأَنْ يُوقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ وَيَحْتَرِمُوا أَلْبِسَتَهُمْ فَلا يَلْبَسُوا مِثْلَ لِبَاسِ الْمُسْلِمِينَ, وَلَا يَضْرِبُوا فِيهَا نَاقُوسًا إلَّا دَاخِلَ كَنَائِسِهِمْ ضَرْبًا خَفِيفًا, وَلَا يَشْرَبُوا فِي بِلادِ الْمُسْلِمِينَ خَمْرًا وَلَا يَتَّخِذُوا فِيهَا خِنْزِيرًا, وَلا يَرْفَعُونَ صَلِيبًا, وَلا يَدْعُونَ أَحَدًا إلى دِينِهِمْ وَلا يُرَغِّبونَ إليهِ.

 

هَذِهِ بَعْضُ الشُّرُوطِ عَلى أَهْلِ الذِّمَّةِ فَمَتى مَا التَزَمُوا بِهَا وَجَبَ على الْمُسْلِمينَ أَنْ يُعْطُوهُمْ كَامِلَ حُقُوقِهِمْ. وَإنْ انْتَقَصُوا شَيئًا مِنْهَا فَولِيُّ أَمْرِنَا يَتَولَّى أَمْرَهُمْ.

 

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ جَعَلَنَا اللهُ أَعِزَّةً بِالإسْلامِ, وَحَرَّمَ عَلينَا الذِّلَّةَ والْمَهَانَةَ والتَّشَبُّهَ بِالْكُفَّارِ, كَمَا حَرَّمَ عَلينَا مُوالاتَهُمْ وَمَوَدَّتَهُمْ, وَحَرَّمَ عَلينَا الاعْتِدَاءَ عَليهِمْ. وقَاعِدَتُنَا فِي ذَلِكَ قَولُ اللهِ تَعَالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الممتحنة:8-9].

 

كَمَا يَجِبُ علينَا أَنْ نَعْتَقِدَ كُفْرَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنْ لا إلهَ إلَّا اللهَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّهُ خَاتَمُ الأنْبِياءِ والْمُرْسَلِينَ، وَأَنَ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ، وَأنْ مَنْ يَبْتَغِي غَيرَ الإسْلامِ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ, وَأَنَّ الكَافِرينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ.

 

كَمَا يَجِبُ علينَا أَنْ نَتَبَرَّأَ إلى اللهِ تَعَالى بَكُفْرِ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ, وَأَنْ نُبْغِضَ مَا هُمْ عَلَيهِ مِنْ كُفْرٍ وَضَلالٍ بُغْضًا شَرْعِيًّا؛ فالولاءُ والبَرَاءُ أَحَدُ أَرْكَانِ دِينِنَا؛ فَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ"(رَواهُ الإمَامُ أَحْمَدُ).

 

كَمَا يَجِبُ عَلينَا أَنْ نُبَلِّغَ أَهْلَ الذَّمَّةِ دِيَن اللهِ تَعَالى وَأَنْ نَدْعُوَهُمْ إليهِ بِالحُسْنَى.

 

جَعَلَنَا اللهُ جَمِيعًا أَنْصَارًا لِلْحَقِّ، قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ، وَحَمَانَا جَمِيعًا مِن الأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ، وَالفِتَنِ الْمُدْلَهِمَّةِ.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المستضعفين في كل مكانٍ يا رب العالمين.

 

اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادِرين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية.

 

اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين يا رب العالمين، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ.

 

اللَّهُمَّ زيِّنا بزينة التقوى والإيمان, اللَّهُمَّ وفق وُلاةَ أُمُورِ المُسْلِمينَ عَامَّةً, وَولاتَنَا خاصَّةً لما تحبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى.

 

اللَّهُمَّ اعز الإسلامَ والمُسلمين وانصُرْ جُنُودَنا المُرابِطِينَ.

 

اللهُمَّ اغفِر لَنَا وَلِوَالِدِينَا والْمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ.

 

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات

المعاهد والمستأمن ما له وما عليه.pdf

المعاهد والمستأمن ما له وما عليه.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات