المطر

الشيخ د عبدالرحمن السديس

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: الخلق والآفاق
عناصر الخطبة
1/ الاتعاظ بنزول المطر 2/بعض العبر والآيات في نزول المطر 3/تأملات في بعض الآيات التي تتحدث عن نزول المطر
اهداف الخطبة
1/التذكير بنعمة المطر ووجوب شكرها 2/بيان أحكام وآداب تتعلق بنزول المطار

اقتباس

إن في قصة المطر لعبراً وآياتٍ ذكرها ربنا في كتابه فلنعتبر بها ولنتعظ ولنشكر ربنا، ولنعي قوله ولنمتثل أمره، ولنحذر زجره ولنصدق خبره، فما دلّنا إلا على خير، ولا أمرنا إلا بخير، ولا نهانا إلا على ضير، ولننسب الفضل له، فما مطرنا إلا بفضل الله ورحمته ولا نقول ما قال الأبعد حين سمع قول الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك: 30]. قال تأتي به الفؤوس والمعاول، بل نقول: لا يأتي به إلا الله، فهو...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

عباد الله: إننا في هذه الأيام نتقلب في نعم الله وافرة، وخيرات عامرة، سماؤنا تمطر، وشجرنا يثمر، وأرضنا تخضر، فما لنا لا نشكر، وبحسن صنع ربنا بنا لا نعتبر.

 

إن في قصة المطر لعبراً وآياتٍ ذكرها ربنا في كتابه فلنعتبر بها ولنتعظ ولنشكر ربنا، ولنعي قوله ولنمتثل أمره، ولنحذر زجره ولنصدق خبره، فما دلّنا إلا على خير، ولا أمرنا إلا بخير، ولا نهانا إلا على ضير، ولننسب الفضل له، فما مطرنا إلا بفضل الله ورحمته ولا نقول ما قال الأبعد حين سمع قول الله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك: 30]. قال تأتي به الفؤوس والمعاول، بل نقول: لا يأتي به إلا الله، فهو القائل: (وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [المرسلات: 27], والقائل: ( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) [عبس: 24 - 32].

 

 فوالله لولا الله ما سقينا ولا تنعّمنا بما أوتينا (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 63 - 70].

 

اللهم لك الشكر على آلائك التي لا تعد ولا تحصى، اللهم لو شئت لجعلت ماءنا أجاجاً، ولكن رحمتك أدركتنا فجعلته عذباً زلالاً، فلك الشكر لا نحصي ثناءً عليك، فما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر: 27، 28].

 

اللهم فارزقنا الخشية منك, اللهم اجعلنا من العلماء أهل الخشية منك, فمنك ماؤنا، ومنك طعامنا، فلك الشكر ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) [السجدة: 27].

 

إن في قصة المطر لعبراً وآيات (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) [الروم: 46] (تبشر بالخير بعدها) (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) [الروم: 46]، (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم: 48 - 50].

 

نعم إن إحياء الله الأرض بعد موتها لدليل واضح على قدرته سبحانه على إحياء الموتى، فبينما الأرض جرداء قاحلة إذا بها تهتز خضراء رابية، فما يعرض عن هذا إلا أعمى البصيرة (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصلت: 39], (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ) [ق: 9 - 11]. أي كذلك خروجكم من قبوركم بعد موتكم. فالذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على بعثكم بعد موتكم (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [الزمر: 21], (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الروم: 24], (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا) [الفرقان: 48 - 50], (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) [الأعراف: 57- 58].

 

نفعني الله وإياكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

عباد الله: كم نسعد ونفرح حين يكرمنا الله بالمطر، ولكن هل وقفنا معه وقفات تأمّل نعظ بها أنفسنا وأبناءنا ونساءنا وأهلينا وطلابنا وكل من له حق علينا؟!.

 

 إن المؤمن المستبصر يتخذ من كل حركة وسكنة في الكون آية تدله على عظمة الله وقوته وفضله وكرمه.

 

وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه الواحد

 

فيا عجباً: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا ) [الرعد: 12]. نعم نخاف البرق ولكننا نطمع فيما يعدنا من المطر والفضل العميم. (وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) [الرعد: 12] إنها كلمة نقرؤها فهل تدبرناها.

 

هذه السحب التي نراها كل يوماً كم طناً من الماء فيها. إن المتر المكعب يزن طناً، فكم فيها من الأطنان؟ من يحملها؟ ومن ينشئها؟!!.

 

 إننا لا نستطيع أن نتصور وزنها، غير إنها ثقال كما قال ربنا المتعال.

 

(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) [الرعد: 13] نعم إن الرعد ليسبح بحمده، فهل تدبرنا هذا ولفتنا إليه أنظار أبنائنا؟!.

 

(وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) [الرعد: 13] نعم إن الملائكة لتسبح خوفاً من الله (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 20], (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) [الرعد: 13] إنه شديد القوة سبحانه، ولولا شدة قوته لما استطاع ذلك كله، إنها قوة لا حدود لها فما يعجزه شيء سبحانه (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد: 17]. نعم، إن الباطل مثل الزبد الذي يعلو السيل ويربو عليه، والزبد الذي يعلو المعادن حين تصهر لاستخرج الذهب والمعادن منها، فهو في اضمحلال وضلال. يذهب جفاءً.

 

أما الحق وهو الذي ينفع الناس فيمكث في الأرض (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) وهكذا يتخذ القرآن الأحداث الكونية دليلاً أيضاً على حقائق شرعية، ويضرب بها الأمثال ليعقل من يعقل فينجو ويسعد، ويهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حيّ عن بينة.

 

اللهم بصرنا بديننا.

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات