عناصر الخطبة
1/ نعمة الإسلام 2/ معنى أن يكون العبد مسلما 3/ مقتضيات الإسلاماقتباس
إن مما يجب أن يعلمه كل أحد أن الإسلام والإيمان ليس بالتمني، ولكن الإسلام والإيمان عقيدة في القلوب، وأعمال ظاهرة بالجوارح. الإسلام عقيدة، والعقيدة يصدقها القول والعمل.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي شرع لنا دينا قويما، وهدانا صراطا مستقيما، والحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده -سبحانه- على نعمه الغزار، وخيره المدرار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك العزيز الغفار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد: فأوصيكم -يا عباد الله- ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فنعم الزاد التقوى لمن تزود بها في رحلته إلى الله والدار الآخرة، (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) [البقرة:197].
ألا فاتقوا الله عباد الله، اتقوه بطاعته، والاستقامة على دينه، والبعد عن معصيته ومخالفة شرعه؛ ينجز لكم ربكم ما وعدكم من الخير، وعظيم الأجر، وجزيل الثواب في الدنيا والآخرة.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
مَنَّ الله علينا جميعا بتقواه، ورزقنا محبته ورضاه؛ إنه سميع مجيب.
عباد الله: من أعظم نعم الله على عبده أن اصطفاه لدينه فجعله من المسلمين، (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17].
وكيف لا تكون الهداية للإسلام أعظم نعمة وهو السبيل الوحيد لدخول جنة الله، والنجاة من ناره، والفوز بنعيمه، ورؤية وجهه الكريم، والخلاص من عذابه الأليم؟ فليس على وجه الأرض دين ولا ملة توصل إلى ذلك إلا الإسلام وحده، وما عداه من الأديان والملل فكلها أديان باطلة لم يشرعها الله ولم يأذن لأحد بالتعبد بها، ولن توصل معتنقيها إلى الجنة؛ بل جميع من مات على تلك الأديان بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- وقيام الحجة عليه جميعهم محرومون من جنة الله، وهم حطب جهنم هم لها واردون.
فاحمد الله -يا مسلم- بأن جعلك الله من المسلمين، وطب نفسا بهذه النعمة، وافرح بهذه المنة: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
عباد الله: إن مما يجب أن يعلمه كل أحد أن الإسلام والإيمان ليس بالتمني، ولكن الإسلام والإيمان عقيدة في القلوب، وأعمال ظاهرة بالجوارح. الإسلام عقيدة، والعقيدة يصدقها القول والعمل.
إن معنى أن يكون العبد مسلما أن يكون مستسلما للإسلام بالتوحيد، فلا يعبد إلا الله، ولا يصرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله، لا يدعو غير الله، ولا يطلب جلب النفع ودفع الضر إلا من الله، يجتهد في أن تكون أعماله كلها خالصة لوجه الله، يبتغي بها رضوان الله -عز وجل-؛ مبتعدا عن الشرك بجميع صوره وأشكاله، فإنه "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار"، كما صح بذلك الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
معنى أن يكون العبد مسلما أن يكون منقادا لله بالطاعة؛ فيستجيب لأوامر الله وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويحرص على ذلك في صغير الأمر وكبيره، ودقيقه وجليله، ويعلم أن من دلائل محبته لربه ومحبته لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، من علامات ذلك، طاعتهما في جميع ما يأمران، ويدرك أنه بطاعته لربه وطاعته لرسوله -صلى الله عليه وسلم- تحصل له الهداية والفلاح، تحصل له الرحمة والخير، (وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور:54]، (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].
يعلم المسلم أن في مخالفة أمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعدم طاعتهما، في ذلك -والله- الشقاء، في ذلك الهلاك، في ذلك الخسارة والخيبة: (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب:36]، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
المسلم -يا عباد الله- يعلم أن من مقتضيات إسلامه إقامته للصلاة ومحافظته عليها، فهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، ويعلم أن ترْك الصلاة كُفر أعظم، وشرك بيّن، يقول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".
فكيف بالله عليكم يكون مسلما من هو تارك للصلوات مضيع لها؟ إنه لا دين لمن لا صلاة له، لا إسلام لمن لا صلاة له.
المسلم -يا عباد الله- يعلم أن من مقتضات إسلامه حرصه على تطهير ماله بأداء ما افترض الله عليه من الزكاة الواجبة في قليل المال وكثيره، وإيصالها لمستحقيها من الفقراء والمساكين. يعظّم شهر رمضان بصيامه، ويحذر من انتهاك حرمة الشهر بالفطر لغير عذر شرعي، ويسارع إلى أداء ما افترض الله عليه من حج بيت الله الحرام، مستحضرا الوعيد الشديد بالتساهل بذلك: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [آل عمران:97].
المسلم -يا عباد الله- يعلم أن من مقتضيات كونه مسلما اجتنابه المحرمات، فلا يقدم على معصية خالقه، لا يقبل على مخالفة معبوده وسيده ومالك جميع أموره، فيترك الزنا وقتل النفس بغير حق، ويجتنب المسكرات والمخدرات، ويبتعد عن المنكرات والسحر والكهانة وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، ومن يفعل ذلك يلق أثاما.
المسلم يعلم أن من مقتضيات إسلامه أنه يحب في الله ويبغض في الله، ويوالي في الله ويعادي في الله، يحب من أحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويبغض من يبغضه الله -عز وجل- ويبغضه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فأساس علاقاته وموالاته ومعاداته تقوم كلها على الحب في الله والبغض في الله. يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله"، "من أحب في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله؛ فقد استكمل الإيمان".
إنه يحب أهل الطاعة والديانة والأمانة، يحب أهل الصلاح والإيمان والاستقامة، يحبهم ويواليهم، ويبغض أهل الفسق والضلال والإجرام والانحراف ويعاديهم، ولو كانوا أقرب الناس إليه من أب أو ابن أو أخ أو أخت: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة:22].
المسلم -يا عباد الله- يعلم أن من مقتضيات كونه مسلما أن ينصر دين الله، ينصر شريعة الله، بكل ما يستطيع من قول أو فعل أو موقف ايجابي يمكن أن يصنف على أنه نصرة للدين ونصرة لشريعة رب العالمين، يحب الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، يحب علماء الشريعة والدعاة إلى الله؛ لأنهم يدعون الناس إلى الله، ويرغّبون في طاعة الله، ويحذرونهم من معصيته والإعراض عنه.
المسلم تراه آمرا بالمعروف أهله وأقرباءه وأصدقاءه وجيرانه، من يعرف ومن لا يعرف؛ لأن ذلك من أخص خصائص أهل الإيمان، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة:71].
ومن مقتضيات كون العبد مسلما بره بوالديه، وإحسانه إليهما، بقوله وفعله، وحذره من عقوقهما بقول أو فعل أو إشارة أو تصرف يحزنهما؛ (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء:23].
يوقن أنه لا أحد أحق بحسن الصحبة والمعاشرة من والديه، جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، مَن أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثم مَن؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "أبوك".
ويعلم أن عقوق الوالدين من أعظم أسباب دخول النار والحرمان من جنة الله -عز وجل-، وفي الحديث: "لا يدخل الجنة عاق"، وهو -مع ذلك- واصل لرحمه من إخوان وأخوات، وأعمام وعمات، وأخوال وخالات، يصلهم ويكرمهم بالقول والفعل والهدية والزيارة ونحو ذلك، ويحذر ما حذره الله ورسوله منه من قطيعة رحمه: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].
والمسلم -يا عباد الله- يعلم أن من مقتضيات إسلامه وكونه مسلما بُعده عن الظلم بشتى صوره وأشكاله وأنواعه، فهو لا يظلم غيره بقول ولا فعل، يسمع قول ربه -عز وجل-، في الحديث القدسي: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا".
فيبتعد ويحذر من ظلم الآخرين في أموالهم أو أعراضهم أو أبشارهم أو دمائهم، فـ "كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه"، كما صح بذلك الحديث.
وبالجملة -يا عباد الله- فالمسلم يعلم أن كونه مسلما يقتضي منه أنه يحب محاسن الأخلاق، ويكره سيئها، ويبغض سفسافها، يحب الصدق، والتواضع، وإطابة الكلام، وطيب المعشر، وسلامة الصدر، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة؛ ويكره أضدادها من الكذب، والكبر، وسوء المعشر، والفحش والتفحش. ويجاهد نفسه -ما استطاع- في ملازمة الأخلاق الحسنة والصفات الحميدة، والبعد عن الأخلاق السيئة والصفات الذميمة، ويصدق بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق".
ويدعوه ذلك إلى معاملة الآخرين بالأخلاق الفاضلة، بل ويقابل الإساءة منهم بالإحسان؛ عملا بقوله -عز وجل-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34-35].
جعلني الله وإياكم ممن عرف ربه واتقاه، ولازم أمره، وعظم شرعه وما عصاه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
عباد الله: إن المسلم يدرك يقينا أن من مقتضيات كونه مسلما اجتهاده في أن يجعل حياته كلها موافقة لمراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
يعمر أيام حياته وسني عمره التي كتبها الله له في طاعة الله وعبادته والتزام شرعه، ويبتعد المسلم على أن تكون حياته حياة يبغضها الله ويبغضها رسوله الله -صلى الله عليه وسلم-، يحذر المسلم أن تكون حياته حياة اللاهين، حياة الغافلين، حياة المعرضين، الذين لا يرجون لله وقارا. يسخّر جميع ما أنعم الله عليه في مراضي الله ومحابّه، ويحذر من أن يصرفها فيما يغضب الله ويسخطه.
وهو -مع ذلك كله- لا ينظر في دنياه إلى كثرة الهالكين، ولا إلى كثرة الضالين عن الصراط المستقيم، ولا كثرة المبتعدين عن الجادة القويمة، لا ينظر إلى من باعوا دينهم بدنياهم، ولا من قدموا شهواتهم وملذاتهم على طاعة مولاهم، يستحضر قوله -تعالى-: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الزمر:15].
ثم هو يدرك أنه غير معصوم من الخطأ والزلل، فقد تقع منه المعصية والزلة والهفوة؛ لكنه لا يجعل من معصيته لربه ولا من زلته وهفوته لا يجعلها سببا لكره الدين، ومعاداة أهله من العلماء والناصحين والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والدعاة إلى الله -عز وجل-، وإنما هو يعترف بذنبه، ويقر بخطيئته، ويرجو رحمة ربه وعفوه ومغفرته. (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران:135].
أخيرا -يا عباد الله- فالمسلم يعلم أن بعد الموت بعثا ونشورا وجزاء وحسابا وجنة ونارا، فهو يعمل لفكاك نفسه وخلاصها من النار، ويجتهد في أن يكون من أهل الجنة والرضوان، محسنا الظن بخالقه، عظيم الرجاء فيما عند مولاه، حذرا خائفا من عقابه وأليم عذابه، يعلم أن الحياة الحقيقية ليست الحياة الدنيا، بل الحياة الدنيا جبلت على أقذار وأحزان وآلام ومتاعب ومصائب، وأن الحياة الحقيقية إنما هي الحياة الآخرة.
الحياة الحقيقية حينما يدخل جنة الله ويقال له فيمن يقال لهم: "يا أهل الجنة، خلود فلا موت".
نسأل الله -عز وجل- أن يحسن ختامنا، وأن يجعلنا من أهل طاعته وأهل محبته ومرضاته؛ إن ربي على كل شيء قدير.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]. وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم