المسح على الشراب

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-12-20 - 1446/06/18 2024-12-31 - 1446/06/29
عناصر الخطبة
1/الإسلام شرائع اليسر والسماحة 2/حكم المسح على الجوربين والخفين 3/خطورة إنكار المسح على الخفين 4/شروط المسح على الخفين ومدته 5/من أحكام المسح على الخفين.

اقتباس

من شروط المسح على الخفين والجوربين أن يكونا ساترين لجميع القدم، وقد جاءت في الأسواق في الآونة الخيرة أنواعٌ من الجوارب دون الكعبين، فهذه لا يصح المسح عليها، إلا إذا لبس عليها جوربًا آخر ضافيًّا، أو لبس من الأحذية ما يستر القدم كلها...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)[الأنعام: 1]، والحمد لله، (الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43].

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجو بها النجاة والفلاح في يوم لقاه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، خير من بعثه إلى عباده وأدى رسالته بعلمٍ وإحسان، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سلف من رسله الكرام، وسار على نهجهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله: فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

عباد الله: شرع الله -عزَّ وَجَلَّ- في دينه هذا شرائع اليسر والسماحة فلا إصر ولا أغلال، وإنما بدينٍ عامٍ شامل، جاء للناس بالشريعة السمحة التي بعث الله بها نبيه محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، ومن ذلكم -يا عباد الله- المسح على الجوربين والخفين، والذي تتداعى إليه الحاجة في هذه الأيام، أيام هبوب هبائب الشتاء والبرد.

 

والمسح على الخفين -يا عباد الله- يُدْرجه العلماء في مسائل العقيدة، لعدة اعتبارات؛ منها: إن هناك من أهل الأهواء والبدع مَن أنكروا جواز المسح على الخفين، وخالفوا سنة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وخالفوا دين الإسلام، وأنكروا ما جاءت الشريعة به متواترة.

 

 ثانيًا: إن السنة النبوية ورد فيها أكثر من أربعين حديثًا عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، تتعلق بالمسح على الخفين، قال إمام أهل السنة والجماعة الإمام المبجل أحمد بن محمد بن حنبل: "ليس في نفسي من المسح على الخفين شيء، فيه أكثر من أربعين حديثًا عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-".

 

 ثالثًا: إن إنكار المسح على الخفين إنكارٌ لسنةٍ ثابتةٍ متواترة عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، ومن أنكرها مع علمه بها فإنه يخرج من دين الإسلام؛ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء: 65].

 

والعجب أن أكثر هذه الأحاديث الواردة في المسح على الخفين إنما هي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وعن المغيرة بن شعبة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، وعن غيرهم من الصحابة -رضِي الله عنهم أجْمعين-.

 

والمسح على الخفين -يا عباد الله- خرج مخرج الغالب، وإلا فإن ما يشترك مع الخفين من الجوربين، وكذلك من اللفائف التي تُلَفّ على القدمين فإنها يُمْسَح عليها، إلا أن المسح على الخفين والجوربين يشتركان في أحكام؛ أنه لا بد من لبسهما على طهارةٍ، ففي غزوة تبوك كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في رجليه خفين فأهوى المغيرة بن شعبة وكان معه وَضوؤه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، أهوى لينزع خفيه، فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- له: "دعهما؛ فإني إنما أدخلتهما طاهرتين".

 

وتبتدئ المدة -يا عباد الله- للمسح على الخفين وعلى الجورب للمقيم أربع وعشرون ساعة، وهي يومٌ وليلة، أما المسافر فثلاثة أيام بليالها؛ أي ثنتان وسبعون ساعة.

 

متى تبدأ هذه المدة؟ تبدأ -يا عباد الله- من أول مسحٍ بعد لُبْس؛ لقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يمسح المقيم يومًا وليلة ويمسح المسافر ثلاثة أيامٍ بليالها"، وقوله: "يمسح" اعتبارٌ بأن المدة تبدأ من أول مسحٍ بعد اللبس، فمثلاً إذا لبس الإنسان جوربيه بعد المغرب ثم نام تلك الليلة ثم قام لصلاة الفجر فتوضأ فيبدأ مسحه من صلاة الفجر إلى يومٍ وليلة، إلى تمام أربعٍ وعشرين ساعة.

 

واعلموا -عباد الله- أن المسح على الخفين إنما شُرع رفعًا للحرج، وتيسيرًا من الله -جَلَّ وَعَلا- على عباده وأوليائه المؤمنين، كما قال -سبحانه وتعالى-: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185].

 

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: يا عباد الله: فإن من شروط المسح على الخفين والجوربين أن يكونا ساترين لجميع القدم، وقد جاءت في الأسواق في الآونة الخيرة أنواعٌ من الجوارب دون الكعبين، فهذه لا يصح المسح عليها، إلا إذا لبس عليها جوربًا آخر ضافيًّا، أو لبس من الأحذية ما يستر القدم كلها، فعندئذٍ يكون المسح للفوقاني لا لهذا القصير التحتاني.

 

ومن أحكام المسح على الخفين -يا عباد الله- أنه يُمسح عليهما في الحدث الأصغر، أما في الجنابة فلا بد من نزعهما، ولا بد من الغسل كاملاً.

 

 ويفارق -يا عباد الله- الخفان أنواع الجبائر واللفائف الأخرى التي إنما تُوضَع لحاجة، كشدة البرد، وكذلك للكسور وغيرها، فإن هذه الجبائر واللفائف إذا كانت لعذرٍ طبي فلا يتعلق بها مدة أحكام المسح، فيمسح عليها ولو كان وضع الجبيرة أو اللفافة لغير طهارة، فإن هذه من الأذونات الشرعية في ما كان من سببه الأمراض، كالكسور والرضوض وما جرى مجرى ذلك.

 

 ومن أحكام المسح -يا عباد الله- أنه يجوز للنساء أن تمسح على الخمر المدارة تحت حلوقهن، التي يشق عليهن نزعها لأجل الوضوء ولأجل مسح الرأس، فعندئذٍ تمسح على هذه اللفائف بشرط أن يكون الخمار مدارًا من تحت حلوقهن، مشدودًا عليها شدًّا، يصعب عليها أن تزيله، وهذا يكون في شدائد البرد خصوصًا لمن كانوا في البراري والصحاري.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا.

 

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَى أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَى أعدائك يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِينَ يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

 

 اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

المسح على الشراب.doc

المسح على الشراب.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات