المسؤولية (1)

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ تكرار التنبيه على المسؤولية في القرآن والسنة 2/ تحمل المسؤولية ليست ادعاءً باللسان 3/ أركان المسؤولية 4/ ترويض النفس على تعظيم الغيب

اقتباس

المسؤولية عنوان كبير وضخم يستمد ضخامته من أكبر مسؤولية في الوجود، من الأمانة التي عرضها الله -سبحانه وتعالى- على السماوات الواسعة والأرض الشاسعة، والجبال الشاهقة، فأبين أن يحملنها، بل وأشفقن منها، الأمانة هي تكاليف الدين، الأمانة هي المسؤولية العظيمة التي تنتهي بالمسائلة، ثم الثواب أو العقاب، ست مرات في حديث واحد تكرر اسم المسؤولية لتنبيه المسلم ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71]. 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

المسؤولية عنوان كبير وضخم يستمد ضخامته من أكبر مسؤولية في الوجود، من الأمانة التي عرضها الله -سبحانه وتعالى- على السماوات الواسعة والأرض الشاسعة، والجبال الشاهقة، فأبين أن يحملنها، بل وأشفقن منها، الأمانة هي تكاليف الدين، الأمانة هي المسؤولية العظيمة التي تنتهي بالمسائلة، ثم الثواب أو العقاب، ست مرات في حديث واحد تكرر اسم المسؤولية لتنبيه المسلم كي يتهيأ للمسائلة المحتومة، في صحيح البخاري يقول ابن عمر -رضي الله عنهم- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيته، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته"، كلكم راع ومسؤول عن رعيته، ست مرات يتكرر لفظ المسؤولية حتى يتأكد معناها في قلب من قرأ هذا الحديث.

وجاء ذكر المسؤولية في القرآن كثيرًا: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36]، (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23]، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34]، (وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا) [الأحزاب: 15]، (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف: 44]، (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر: 8]، (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [الأحزاب: 8]، (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر: 92، 93]، (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف: 6]، (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النحل: 93].

المسؤولية وجدت مع خلق الإنسان وتكليفه، والإسلام شدد على تحمل المسؤولية لمن آلت إليه حتى قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ما من راع يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لها، إلا حرم الله عليه رائحة الجنة". رواه مسلم.

فالمسائلة لا تقف عند حدود نفسك وخاصتك، بل تجاوزها إلى من هم في ولايتك إلى أفراد عائلتك وإلى خدمك، وإلى موظفيك وإلى شعبك، ولهذا كان حديث المسؤولية واضح في هذا: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، حتى لا ينسى الإنسان أن في ذمته مسؤوليات سوف يسأل عنها يومًا ما.

أيها الإخوة: الكل يدعي أنه يشعر بالمسؤولية تجاه دينه، تجاه نفسه، تجاه زوجته، تجاه أولاده، تجاه إخوانه المسلمين بنصرتهم والدعاء لهم، الكل يدعي ذلك، لكن ماذا ينفع الشعور بالمسؤولية إذا لم ترَ له أثرًا، ولذا يمكن أن نقول: إن الشعور بالمسؤولية نوعان: شعور فاعل وشعور سلبي.

أما الشعور الفاعل: فهو الذي دائمًا يشغل ذهن صاحبه، يملأ عليه حياته، كالهاجس الدائم، ومن ثم لابد أن ينتج عملاً محسوسًا لأنه شعور حي يحرك لأداء المسؤولية، شعور يدفع للحفاظ على الأمانة وردها إلى أهلها، شعور لها حضوره الكبير في حياة الإنسان يجعله يبذل قصارى جهده للقيام بمسؤوليته بصدق وإحسان واحتساب؛ لأنه يستشعر أنه يومًا ما سيسأل وسيحاسب، إن لم يكن في الدنيا فقطعًا ويقينًا وجزمًا في الآخرة: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة: 18]. هذا هو الشعور الفاعل.

أما الشعور السلبي الخامل: فهو الذي لا يتجاوز حد المعرفة السطحية بمفهوم المسؤولية، يعرف أن الأمر الفلاني من مسؤوليته، يعرف لكنه لا يستشعر خطورة تضييع تلك المسؤولية، وبالتالي لا يتحرك، يقول مثلاً: أنا أعرف أني مسؤول عن زوجتي، ثم يرى زوجته تلبس ملابس فاضحة فلا ينطق، أنا أعرف أني مسؤول عن بيتي، ثم يرى المنكرات في بيته فلا ينهى، أنا أعرف أني مسؤول عن نزاهة الماليات في مؤسستي أو في إدارتي، ثم يرى الرشوة تمر أمام عينيه وبمعرفته فلا يمنعها ولا حتى يبلغ عنها.

هذان هما أقصى الطرفين في الشعور بالمسؤولية، شعور فاعل إيجابي في طرف، وفي الطرف الآخر شعور خامل سلبي، وبينهما يتدرج الناس قربًا أو بُعدًا إلى هذا الطرف الفاعل أو إلى ذاك الخامل، أن تفكر في قوله تعالى: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49]، وقوله تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10].

معاشر الإخوة: المسؤولية تتكون من ثلاثة أركان: سائل ومسؤولية ومسؤول، وتختلف قيمة وأهمية المسؤوليات باختلاف هذه الأركان الثلاثة، السائل والمسؤولية والمسؤول.

أما السائل أو المراقب المحاسب، فإذا كان هذا السائل الذي سيستقصى أداءك ومدى قيامك بمسؤولياتك وسوف يحاسبك، السائل الذي ينتظرك في نهاية المطاف هناك، إذا كان مدرسًا وأنت طالب، أو كان لجنة تحكيم تعليمية والمسائلة قريبة وأنت تترقب وتتمنى أن تكون إجابتك صحيحة كاملة كي تنال درجة عالية تدفع بك إلى النجاح، ألم تستشعر المسؤولية وبالتالي تؤدي أحسن ما يمكنك أدائه؟! بلى، فإذا كان السائل مديرًا كبيرًا وأنت تأمل رضاه وترجو من ورائه تحسينًا لوضعك الوظيفي والمادي، ألن يكون أداؤك أفضل مما لو كان السائل دون ذلك؟! بلى، فكيف إذا كان السائل المحاسب سلطانًا أو ملكًا من الملوك وأنت تجتهد لتكون عند حسن ظنه ومحافظًا على أمانتك وحسن أدائك وخائفًا من العقوبة في حال التفريق، ألن يكون أداؤك أقوى واستشعارك للمسؤولية أعظم؟! بلى.

والآن كيف إذا كان من سيحاسبك هو رب المدرس والمدير والسلطان؟! بل رب العالمين أجمعين، بل ملك الملك الذي بيده مصيرك الأبدي؟!! ألن يكون أداؤك أقوى واستشعارك للمسؤولية أعظم؟! بلى، هذا هو المفترض نظريًا على الأقل.

لكن هناك مشكلة، المشكلة أن أولئك السائلين من ملوك أو وزراء هم في عالم الشهادة تراهم أمامك وتسمعهم وتتكلم معهم وتنتظر مساءلتهم قريبًا، وما يتعلق بها من مكافأة أو عقوبة قريبًا، أما رب العالمين ففي الغيب، لا يرى عيانًا ولا يسمع، وليس بالضرورة أن ترى من عنده ثوابًا عاجلاً في الدنيا لحسن أدائك، أو عقوبة لسوء أدائك، ليس بالضرورة، وهنا يأتي الإيمان ليحل هذه المشكلة، الإيمان هو الذي يحل هذه المشكلة، فالمؤمن يبتلى بالغيب في المقام الأول، ولذا خص القرآن الذين يخشون ربهم بالغيب بالثناء: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة: 3]، (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) [ق: 33]، (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء: 49]، (إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ) [فاطر: 18]، (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ) [المائدة: 94]، (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك: 12].

فالذي روّض نفسه على تعظيم الغيب واستحضاره في القلب حتى صار يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، سوف يحسب حسابه وسيؤمن عمليًا بأن أعظم مسؤولية هي التي ستوقفه أمام ربه -جل وعلا- يوم القيامة.

نحن نعلم أن كل مسؤولية يقوم بها المسلم ينبغي أن تكون نيته فيها موصلة إلى الله تعالى؛ لأن حياة المسلم كلها عبادة، فالعبادة اسم جامع لكل ما يحب الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة، فكل ما يرجو به الإنسان رضا ربه من الأعمال النافعة المباحة هو عبادة، لكن ينبغي الاهتمام بالعبادات المنصوص عليها تحديدًا في القرآن أو السنة كقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58]، وقوله: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36]، وقوله: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء: 34]، فكل التكاليف الواردة في القرآن يجب أن تشغل أكبر حيز من الاهتمام من مجموع مسؤوليتنا، لماذا؟! لأن السائل أو الذي سيسألك عنها هو الله رب العالمين، وليس التكاليف فقط، بل حتى ما شابه ذلك من النصوص المحذرة كقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عائشة: إياك ومحقرات الذنوب؛ فإن لها من الله -عز وجل- طالبًا". أخرجه الدارمي.

ويفسر حديث سهل بن سعد في صحيح الجامع هذا المعنى لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإن لها من الله طالبًا"، قال -عليه الصلاة والسلام-: "وإن محقرات الذنوب متى يأخذ بها صاحبها تهلكه". نسأل الله السلامة والعافية.

فالسؤال يوم القيامة عسير إلا على من استقام وأدى الحقوق وقام بمسؤولياته، وإذا كان السؤال يوم القيامة يتناول ظلم البهائم -يا إخوة- فكيف بظلم الناس!! صح في النسائي من حديث ابن عمر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من إنسان قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله -عز وجل- عنها يوم القيامة"، قيل: يا رسول الله: ما حقها؟! قال: "يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها ويرمي بها". هذا في شأن العصافير، فكيف بظلم المسلم؟! بل أعظم من ذلك كيف بظلم المسلم الصالح من أهل الخير؟! وقد قال تعالى في الحديث القدسي: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب".

إن معاداة أوليائه معاداة له هو -جل وعلا-، ومحاربة له هو -جل وعلا-، ومن كان متصديًا لعداوة الرب ومحاربة ملك الملوك فهو مخذول لا شك في ذلك، وقد قال تعالى: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) [الزمر: 36]، سبحانك ربنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:

فإن النصوص في المسألة أوسع مما تقدم بكثير، صح في صحيح مسلم من حديث عدي بن حاتم -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه تَرْجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تِلقَاءَ وجهه، فاتقوا النار ولو بِشِقِّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة". ولذلك كثيرًا كان يتأثر -صلى الله عليه وسلم- إذا تذكّر يوم الحساب والعرض.

يقول ابن مسعود: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأ عليّ القرآن"، قال قلت: يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيري"، فقرأت النساء، حتى إذا بلغت قوله: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) [النساء: 41]، هناك غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه -صلى الله عليه وسلم- تسيل على وجنتيه.

إن استشعار الموقف العظيم: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)، ذلك اليوم العظيم، يوم القيامة، وهو أمر غيبي، هو الذي جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي حتى سالت دموعه على وجنتيه الشريفتين.

إن الخوف من سؤال الله تعالى ومحاسبته يتفاوت في القلوب بحسب قوة الإيمان.

هاتفني أحد المتضررين من سيول جدة، رجل فاضل من كلامه لا أعرفه، يسأل سؤالاً: يقول: إنه كان يملك إلى جانب سيارته التي يقودها سيارة مهملة ومعطوبة في بطن الوادي، فجرفها السيل مع السيارات، فقدرت لجنة التسنين ثمن سيارته تلك واتصلت به ليستلم مبلغ التعويض، يقول لي: يا شيخ: المبلغ كبير والسيارة لا تساوي، والناس يقولون: رزق جاءك من الله، هل يجوز لي أن آخذ المبلغ؟! فقلت له: كلم اللجنة، فقال: كلمتهم وقالوا هذا تثميننا، ثم قال: يا شيخ: ما يهمني كلامهم، المسألة حلال وحرام، وأنا أخاف من الحساب، فقلت في نفسي: سبحان الله!! ما أكثر ما يفترق الناس في هذا الشعور، شعور الخوف من المسائلة يوم الدين وعدم الخوف المطلق، بعضهم يغرف من المال ويعب منه عبًّا دون قيود، ويفرح بالحرام تمامًا كفرحه بالحلال، لا فرق إن لم يكن أكثر، والآخر لا: (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23]، جعلني الله وإياكم من الصالحين المتقين.

الكلام عن المسؤولية متصل إن شاء الله.
 

 

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات