عناصر الخطبة
1/عقوبة من ينشر الكذب 2/الشائعات آفة المجتمعات 3/حقيقة الإرجاف وأنه من صفات المنافقين 4/واجبنا تجاه الشائعاتاقتباس
والمرجِفونَ: همُ الناشرونَ للشائعاتِ الكاذبةِ؛ طمعًا في دنيا، أو حسداً من عندِ أنفسِهم، وقد كشفَ -سبحانَه- صفةَ هؤلاءِ المرجِفينَ المعوقِينَ، محذراً السمَّاعينَ المغترِينَ.. فيا أيُها المتعجلونَ بسماعِ ما يُشاعُ: كيفَ (تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) وتُصدقُونَه، وتُذيعُونَه، ألا...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ تَسْلِيْمًا كَثِيْرًا.
أَمَّا بَعْدُ: إنها قصةٌ مفزعةٌ، إنها رؤيا حقٍ بشعةٌ، رآهَا الذيْ جاءَ بالحقِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيثُ قالَ: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ.. فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ، فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى"، هلْ تخيلتمْ شناعةَ عذابِ هذا بقبرِهِ؟! فمنِ المعذبُ بهذا يا تُرَى؟! "إِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(متفقٌ عليهِ).
إنها الشائعاتُ التي يتلقفُها ويتداولُها، أو يختلقُها أناسٌ فارغونَ، أو مغرِضونَ، يتخذونَها سلاحاً لمحاربةِ خصومِهم، والشائعاتُ آفةٌ قاتلةٌ ما انتشرتْ في مجتمعٍ إلا وشتتتْ وحدةَ صفهِ، وفرقتْ اجتماعَ كلمتهِ.
وناقلُ الكذبِ ومُذيعُهُ بلا تثبتٍ هوَ أحدُ الكاذِبِينَ؛ لأنهُ معينٌ على العدوانِ، ناشرٌ للظلمِ والعصيانِ؛ ولذلكَ قالَ ربُنا محذراً: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)[الحجرات: 6]، وإذا كانَ هذا في خبرِ المؤمنِ الفاسقِ، فكيفَ بخبرِ مَن لا يُعلمُ مصدرُه، ولا عدالةُ ناشرِهِ؟! ككثيرٍ من أخبارِ وقصصِ برامجِ التواصلِ الاجتماعِي، والتي لا يُدرَى مَن وراءَها ولا أهدافُهم!.
فليسَ كلُ ما يُقالُ صحيحاً، وليسَ كلُ ما يُعلمُ يُقالُ، وفي الناسِ حسدٌ وكيدٌ، وفيهم تعجلٌ وحبُ إثارةٍ، والسلامةُ لا يعدِلُها شيءٌ، وقد قالَ حبيبُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ"(رواهُ مسلمٌ).
ويزدادُ الأمرُ شناعةً وسوءًا، إذا كانَ في نشرِ الحدثِ إشاعةٌ للفاحشةِ، وتهوينٌ لشأنِها، قالَ اللهُ -تعالى- متوعداً: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور: 19]، وإذا كانَ مجردٌ الرضا بشُيوعِ الفاحشةِ موجباً للعذابِ الأليمِ، فكيفَ بمنْ يُشيعُها ويُذيعُها؟!.
ولقدْ حذرَ ربُنا منْ تلقِي الشائعاتِ والترويجِ لها، فقالَ: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[النور: 15]، ويالَها من آيةٍ عظيمةٍ تقشعرُ لها جلودُ الذينَ يخشونَ ربَهم.
فيا أيُها المتعجلونَ بسماعِ ما يُشاعُ: كيفَ (تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ) وتُصدقُونَه، وتُذيعُونَه، ألا تخافونَ أن تتشبَهوا بالمنافقينَ الذينَ يُشيعونَ شائعاتِ الإرجافِ والتخويفِ وقتَ الأزماتِ والفتنِ: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا)[الأحزاب: 60-61].
والمرجِفونَ: همُ الناشرونَ للشائعاتِ الكاذبةِ؛ طمعًا في دنيا، أو حسداً من عندِ أنفسِهم، وقد كشفَ -سبحانَه- صفةَ هؤلاءِ المرجِفينَ المعوقِينَ، محذراً السمَّاعينَ المغترِينَ، فقالَ: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ)[الأحزاب: 18]، وقالَ: (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)[التوبة: 47].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ مُعطِينا، والصلاةُ والسلامُ على هادِينا.
أما بعدُ: فما الحلُ أمامَ إرجافِ المرجِفينَ، ومشِيعِيْ الشائعاتِ؟! الحلُ كما وصانَا ربُنا فقالَ: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[النور: 16-17].
وأرشدَنا ربُنا إلى ما يجبُ علينا تجاهَ شائعاتٍ خطيراتٍ تُخِلُ بالأمنِ، وتُفرقُ الصفَ، فقالَ -سبحانَه-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النساء: 83].
فأنكرَ -تعالَى- عليهم نشرَهم وخوضَهم في الأمورِ العامةِ المتعلقةِ بالأمنِ والخوفِ، وحذرَ من إذاعتِها قبلَ معرفةِ مصداقيتِها ومنفعتِها، ثم حثَهم على ردِ الأمرِ إلى ولاةِ الأمرِ منَ العلماءِ والأمراءِ؛ فهمْ أقدرُ على النظرِ في عواقبِ الأمرِ، وأعلمُ بما ينبغي إعلانُه، وما يَحسنُ كتمانُه.
فأمسِكْ -يا عبدَ اللهِ- لسانَكَ وبنانَكَ، وحافظْ على تماسُكِ وطنِكَ، ووقّرْ ولاةَ أمرِكَ، واحذرِ الذينَ يَلمزونَ بلادَك وإمامَها وقيادَتها، ولا تكنْ من السمَّاعينَ المفتونينَ بأخبارِ الإثارةِ الكاذبةِ، أو حتى الصادقةِ لكنَّ عواقبَها ضارةٌ، ولا تكنْ بُوقاً تُرددُ أراجيفَهم، وتتسمّعُ لفتنتِهمْ؛ (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)[التوبة: 47]، والمخيفُ أن في المؤمنينَ من يَسمعُ كلامَ المنافقينَ ويُطيعُهمْ وإنْ لم يكنْ منافقًا.
فاللهمَ احفظْ ألسنتَنا من حصائدِها، وادفعْ عنا كيدَ الأعداءِ ومكائدِها، اللهمَ لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى الصحةِ في الأبدانِ، اللهمَ احفظْ علينا دينَنا وجنودَنا وحدودَنا، وثمراتِنا وثرواتِنا، اللهمَ انصرْ إخوانَنا بأكنافِ بيتِ المقدسِ، واهزِمْ إخوانَ القردةِ والخنازيرِ، اللهمَ أيدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، اللهمَ افرُجْ لهم في المضائقِ، واكشِفْ لهم وجوهَ الحقائقِ، واصرفْ عنهم بطانةَ السوءِ، وقالَةَ السوءِ، ونَقَلَةَ السوءِ، وأهلَ الغِشِ والخَديعةِ، والذِمَمِ الوَضيعةِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً، وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا طَبَقًا غَدَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَامًّا سَحًّا دَائِمًا.
اللهم صلِ وسلم على عبدِك ورسولِك محمدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم