المرأة في الإسلام

سليمان بن حمد العودة

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: قضايا المرأة
عناصر الخطبة
1/ كثرة الحديث عن المرأة وتاثيراته 2/ اعتناء الإسلام بالمرأة ورعايته لحقوقها 3/ نماذج لنساء مسلمات يُحتذى بهنّ 4/ صوتٌ نسائيٌّ مُنصف يفنِّد الشبهات

اقتباس

هذه عناية الإسلام بالبنت حتى تغادر البيت معززة مكرمة، فأين هذا من الحضارة المزعومة المعاصرة التي ترمي بالبنت في قارعة الطريق لتبحث عن مأوى آخر، وتهيم على وجهها في صحراء مهلكة، تحيط بها الذئاب من كل جانب؟.

 

 

 

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [القصص:88].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخِيرتُهُ من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن أصحابه وآله وأزواجه أمهات المؤمنين، ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين والمسلمات، فتلك وصية الله لكم ولمن سبقكم، (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً) [النساء:131].

أيها الإخوة المؤمنون: لا عجب أن يكثر الحديث عن المرأة، فهي تمثل نصف المجتمع أوتزيد، وهي الأم والبنت والزوج والأخت، هي قمة شماء، وصخرة صماء، إذا صلحت واستقامت تحطمت على أسوارها المنيعة مكائد الكائدين، وهي نافذة واسعة، وبوابة مشرعة للفساد إذا خلص إليها المغرضون، أمر الله لهن بحسن العشرة في محكم التنزيل فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19]. وأوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بهن خيراً وقال: "استوصوا بالنساء خيراً" متفق عليه.

ونزل القرآن الكريم معلياً شأنهن، ومؤكداً حقوقهن، من مثل قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض) [آل عمران:195].

بل نزلت سورةٌ كاملة من القرآن تحمل اسمهن، وتعالج قضاياهن.

ومع ذلك كله؛ فهن موضعٌ للفتنة، وأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وخاف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته من النساء فقال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" صحيح الجامع.

لا عجب -والحالة تلك- أن يكثر الحديث عنهن، وأن توضح الصورة المتميزة التي حددها الشرع لهن، ولا عجب أن يكثر الحديث عن المرأة في زمن كثرت أصوات الناعقين، وامتلأت الأجواء ضجيجاً وزوراً وباطلاً باسمهن، ومخادعة لهن.

ومع كثرة اللقاءات والمؤتمرات التي عقدت فيما مضى أو تعقد اليوم، أو يخطط لعقدها مستقبلاً، سواء ما يُسَرُّ به أو يعلن على الملأ، فإنا على ثقة أن هذه الصيحات الفاجرة الظالمة التي تنادي بتحرير المرأة ومساواتها وتدعو إلى خروجها واختلاطها، وتَئِدُ كرامتها وعفتها بعد نزع حجابها والتخلي عن حيائها، إنا على ثقة أنها لن تؤثر -إن أثرت– إلا على صنفين من النساء.

الصنف الأول: امرأة عفيفة في نفسها، لكنها جاهلةٌ بحقوقها ومكانتها في الإسلام، غافلة غائبة عما يريده لها أعداء الإسلام، فتلك يختلط عليها الحقُّ بالباطل، ولا تميز بين أصوات المؤمنين والمنافقين، يخدعها السراب، وتبهرها الأنوار الكاشفة الكاذبة، حتى إذا أطُفئت عنها فجأة وقعت في ظلمات بعضها فوق بعض، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

أما الصنفُ الآخر فهن نساءٌ لديهن حظ من العلم والمعرفة الدنيوية، لكنهن في سلوكهن متهتكاتٌ مستهترات، أو فيهن استعداد لهذا وذاك.

هؤلاء لا يرين في الاختلاط عيباً، ولا في السفور بأساً، قد فتنتهن وغرتهن الدنيا بزينتها، فهي محلُّ تفكيرهن، ومحط آمالهن، وغاية طموحاتهن، أما الآخرة بنعيمها وسرمديتها فتمر بهن أحياناً كالطيف، حين العزاء أو في مناسبات إسلامية عامة كشهر رمضان والحج أو ما شابهها.

ومع ذلك؛ فبابُ الهداية مفتوح غير موصد، وطريق الإنابة والرشد ميسور ليس دونه أبوب تغلق، ومن أوسع أبوابه العلم والخشية، فبالعلم النافع تكون الخشية (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر:28]، وبالخشية تحصل المنعة من الفتنة بإذن الله.

أيها المؤمنون والمؤمنات على طريق العلم والمعرفة وحيث سبق الحديثُ عن نماذج من امتهان المرأة في الجاهليات الأولى، وما كانت تلاقيه من مسخ وخسفٍ وذلة ومهانة، أعرض لكم اليوم شيئاً من عناية الإسلام بالمرأة وبيان مكانتها الحقيقية في شرع الله، وبضددها تتميز الأشياء، وأعتذر لكم سلفاً عن الاختصار بما يقتضيه المقام، ومن رام التفصيل فدونه مطولات الكتب، ومؤلفات أهل الإسلام ففيها الإيضاح والبيان.

أولاً: يُقرر الإسلام ابتداءً وحدة الأصل بين الذكر والأنثى، وأن المرأة كالرجل في الإنسانية سواءً بسواء، ويقول تعالى في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء) [النساء:1]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنما النساء شقائق الرجال" أحمد وأبو داود والترمذي وصححه الألباني.

ثانياً: ضمن لها الإسلام الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا والآخرة إن هي آمنت وعملت صالحاً، وخوّفها من الخزي في الدنيا والآخرة إن هي ضلت السبيل، كالرجل، فقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

ثالثاً: كما ساوى الإسلام في تكليفها بالعبادات مع الرجل، فلها ثواب الطاعة إن عملتها، وعليها عقوبة المعصية إن وقعت فيها.

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب:35]. وقال تعالى -في الجانب الآخر-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور:2].

وقال تعالى مخاطباً الجنسين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) [الحجرات:11].

وفي سبيل وقاية النوعين من الوقوع في الرذيلة قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ) [النور:30-31].

رابعاً: حرم الإسلام التشاؤم بالمرأة والحزن لولادتها كما كان شائعاً عند العرب فقال تعالى: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ) إلى قوله تعالى: (أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:58-59]، كما حرّم وأْدَها وشنع على ذلك فقال: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [التكوير:8-9]، وقال تعالى: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْم) [الأنعام:140].

خامساً: كما ضمن الإسلام الأهلية للمرأة في الحقوق المالية، مهما كان نصيبها، قال تعالى: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) [النساء:7].

قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورثون النساء ولا الأطفال شيئاً. فأنزل الله هذه الآية.

بل فوق ذلك جعل الإسلام للمرأة الرعاية في بيت زوجها، وحمّلها مسؤولية رعايته: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".

فأين ذلك من بعض تشريعات البشر وقوانينهم التي تعتبر المرأة مع الصغير والمجنون محجوراً عليهم؟ كما في القانون الروماني والفرنسي سابقاً!.

سادساً: واعتنى الإسلام بتعليم المرأة، وقال لها وللرجل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الزمر:9].

وخص الرسول -صلى الله عليه وسلم- للنساء يوماً يعلمهن مما علمه الله، وكن خير معينات على العلم والتعليم، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: "اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا"، فاجتمعن فأتاهن فعلمنهن مما علمه الله.

وأفلح تعليم المرأة المسلمة في عصور الإسلام الزاهية فكانت نوابغ النساء في كافة الفنون، تشهد بذلك مدونات الإسلام، ويفتخر عددٌ من الرجال بمشيخة عددٍ من النساء، مع كمال الحشمة والعفة والوقار، وظلت المرأة المسلمة نموذجاً يحتذى في العلم والفقه والعزة بالإسلام، لا في عصر النبوة فحسب؛ بل فيما تلاها من القرون أيضاً.

وإذا تجاوزنا أمثال عائشة -رضي الله عنها- نموذج العلم والفقه الأول، فهذه بنت سعيد بن المسيب رحمهما الله، حين دخل بها زوجها وكان من طلبة والدها، وأصبح أخذ رداءه يريد أن يخرج قالت له زوجه -بنت سعيد-: إلى أين تريد؟ قال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، فقالت له: أجلس أعلمك علم سعيد.

وهذه أم الشافعي -رحمهما الله- كانت باتفاق النقلة من العابدات القانتات، ومن أذكى الخلق فطرة، شهدت مع أم بشر المريسي بمكة عند القاضي، فأراد أن يفرق بينهما ليسألهما منفردتين عما شهدتا به استفساراً، فاعترضت عليه أم الشافعي وقالت: أيها القاضي، ليس لك ذلك؛ لأن الله يقول: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) [البقرة:282]، فلم يفرق بينهما.

تلك نماذج -وغيرها كثير- تفاخر بها المرأة المسلمة، ويعترف بها غير المسلمين، وهذا غوستاف لوبون، صاحب حضارة العرب، يذكر أنه كثر في العهد العباسي في المشرق، وفي ظل الأمويين في الأندلس اللواتي اشتهرن بمعارفهن العلمية والأدبية و... ذلك من الأدلة على أهمية النساء أيام نضارة حضارة العرب. فهل تعيد المرأة المعاصرة تاريخ ومجد أسلافها من المؤمنات العاملات؟ ليس ذلك على الله بعزيز...

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [النساء:123-124].

هذه عناية الإسلام بالبنت حتى تغادر البيت معززة مكرمة، فأين هذا من الحضارة المزعومة المعاصرة التي ترمي بالبنت في قارعة الطريق لتبحث عن مأوى آخر، وتهيم على وجهها في صحراء مهلكة، تحيط بها الذئاب من كل جانب؟.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكوراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله علَّم الناس الخير ودعاهم إليه، وبيَّن لهم الشر وحذرهم منه، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين وعلى الآل والأصحاب والتابعين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها المسلمون والمسلمات: لا تقف عناية الإسلام بالمرأة عند هذه الحدود السابقة، بل يأمر الإسلام بإكرام المرأة أماً، وبنتاً، وزوجة وأختاً، وعمة، وخالة، منذ ولادتها وحتى مماتها.

فعندما تكون بنتاً ضعيفة لا حول لها ولا طول يأمر أباها وأمها وبحسن رعايتها وتوفير حاجاتها، ويرتب على ذلك من الأجر والمثوبة ما يدفع للخدمة والرعاية دون ضجر أو ملل، ويقول -صلى الله عليه وسلم- فيما يقول-: "مَن ولدت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده -يعني الذكر- عليها أدخله الله بها الجنة" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

وفي الحديث الآخر: "مَن كُنَّ له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهن، أدخله الله الجنة برحمته إياهن"، فقال رجلٌ: وابنتان يا رسول الله؟ قال: "وابنتان"، قال رجل يا رسول الله، وواحدة؟ قال: "وواحدة" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

ويبلغ عائل الجاريتين القمة والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "مَن عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين". وضم أصابعه رواه مسلم وغيره.

وحين تشب البنت عن الطوق وتصبح زوجة يوليها الإسلام عنايته، ويعتبر بها والأنس معها أفضل ما في الدنيا: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" رواه مسلم.

وجعل الإسلام الحياة الزوجية ترتكز على دعائم قوية من المودة والرحمة تعجز الأنظمة البشرية أن تبلغه بتشريعاتها، فهو آيةٌ من آيات الله، كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

وإذا كان أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، كما أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- ففي بقية الحديث نفسه قال -صلى الله عليه وسلم-: "وخياركم خياركم لنسائهم" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وصححه ابن حبان.

فإذا كانت المرأة أماً، فهي المنزلة التي لا تدانيها منزلة، وهي أحق ما في الوجود بحسن الصحبة والرعاية، والإحسان لها وللأب يُقرن بحق الله في العبودية: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً....)، والوصية بهما تنزيل من السماء: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً)، ويلفت النظر إلى حق الأم لزيادة مشقتها: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرا) [الأحقاف:15].

والرسول -صلى الله عليه وسلم- يرددها ثلاثاً: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف مَن أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة" رواه مسلم.

ولقد فقه سلف الأمة وخيراها هذه الحقوق فرعوها حق رعايتها بأقوالهم وأفعالهم، فهذا ابن عباس رضي الله عنه يقول: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله -عز وجل- من بر الوالدة.

وهذا ابن عمر رضي الله عنهما يشهد رجلاً يمانياً يطوف بالبيت وقد حمل أمه وراء ظهره ويقول:
إني لـها بعيُرهـا الـمذلل *** إن أُذعِـرتْ ركابها لـم أُذْعرْ
ثم قال: يا ابن عمر أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

وفي صحيح مسلم قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: والذي نفسُ أبي هريرة بيده! لولا الجهاد في سبل الله، والحج، وبر أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك. قال أحدُ رواة مسلم: وبلغنا أن أبا هريرة -رضي الله عنه- لم يكن يحج حتى ماتت أمه؛ لصحبتها. رواه مسلم.

فأي تشريع غير الإسلام يبلغ بالمرأة هذه المنزلة؟ وأي حقوق يمكن أن يهبها لها البشر فوق ما حباها به رب البشر؟.

ولولا أن يطول الحديث لاستكملت عناية الإسلام بالمرأة أختاً، وعمةً وخالةً وقريبةً أم بعيدةً.

وألتفت بعد ذلك إلى صوتٍ نسائي منصفٍ تعد صاحبته في طليعة المتعلمين، وإن كان كل أحدٍ يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحبَ القبر، أعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت عن مالك.

وتقول الدكتورة بنتُ الشاطئ (عائشة عبدالرحمن) عن قضية المرأة: إننا لم نكن في حاجةٍ إلى فهم هذه القضية ومثلها كما نحن الآن، إذ يعوز المرأة لكي تعرف حقيقة مكانها في عالم اليوم، وتميز دورها فيه أن تستكمل وعيها لذاتها، وأن تفهم مقومات وجودها، وجوهر شخصيتها، ومحالٌ أن يتحقق شيء من ذلك إذا بُترنا من ماضٍ لنا بعيد طويل، وجهلنا ما تأصل في أعماقنا من تراثٍ لنا، فكري وروحي ومادي ظل يتناقل جيلاً بعد جيل، وخلَفاً بعد سلف، متغلغلاً في كياننا، متحكماً في سلوكنا الفردي والجماعي، موجهاً أساليب تناولنا للحياة، وفهمنا لها، وسيرنا فيها.

إلى أن تقول: أجل! لقد سمع اللهُ شكوى شاكيةٍ منا، وغضب سبحانه لواحدة أخرى افتري عليها ظلماً وبهتاناً، فجعل براءتها آيةً تتلى وقرآناً يتعبد به من يؤمن بالله واليوم الآخر.

إلى أن تقول: ولو لم يصنع الإسلام غير هذا لكان حسبنا نحن المسلمات، ولو لم يكن لنا من القرآن الكريم سوى هذه الآيات من سورة المجادلة والنور لرضينا بها حظاً ونصيباً، أيّ صنيع يمكن للإنسانية الكريمة أن تطمع فيه للأنثى أسمى من صون حصانتها، وحماية سمعتها من أراجيف المبطلين؟.

وبعد عرضها لنماذج من حقوق النساء في الإسلام عادت لتردد على المغرضين المتشبثين بقضايا زعموا أن فيها إجحافاً بحق المرأة.

وتقول: أفأحتاج بعد هذا إلى إطالة الوقوف عند الذين زعموه مجحفاً بنا من إباحة تعدد الزوجات، والطلاق، واحتساب نصيب الأنثيين في الميراث كنصيب الذكر الواحد، وشهادة الاثنيين مكان شهادة الرجل؟ كلا! فحكمة الإسلام في كل مسألة من هذه المسائل تبدو واضحة لا يجحدها إلا جاهلٌ أو مكابرٌ.

تعدد الزوجات تقضي به أحياناً ضرورةٌ قاهرة، ويضبطه الإسلام بحدود ماديةٍ وأدبية -ولا يزال الكلام للكاتبة- والطلاق لا محيد عنه إذا لم تعد الحياةُ الزوجية مستطاعة ولا محتملة، وهو مع ذلك أبغض الحلال عند الله.

وإعطاء الأنثى نصف الذكر من الميراث يقابله إعفاؤها من أعباء النفقة حتى مع ثرائها وفقر زوجها.

وشهادة الاثنتين بدلاً من شهادة رجل منظور فيها إلى عاطفية المرأة التي هي جوهر أنوثتها.

أيتها الأخت المسلمة: مع الفارق في الحقوق التي منحها الحكيم الخبير للمرأة، والتخبط المشين لأدعياء حقوق المرأة، فإن هناك فارقاً آخَر ألمح إليه الدكتور السباعي في كتابه (المرأة بين الفقه والقانون) وقال: كان التشريع الإسلامي نبيل الغاية والهدف حين أعطى المرأة حقوقها من غير تملق لها أو استغلال لأنوثتها، ففي الحضارتين اليونانية والرومانية، وفي الحضارة الغربية الحديثة، سمح لها بالخروج وغشيان المجتمعات للاستمتاع بأنوثتها، لا اعترافاً بحقوقها وكرامتها، بينما حد الإسلام من نطاق اختلاطها بالرجال وغشيانها المجتمعات حين أعطاها حقوقها، وبعد أن أعطاها وصانها وأعلن كرامتها راعى في كل ما رغب إليها من عمل، وما وجهها إليه من سلوك، أن يكون ذلك منسجماً مع فطرتها وطبيعتها، وأن لا يرهقها من أمرها عسراً. اهـ.

أما الحضارات المادية القائمة، أما جهد المرأة وضياعها، أما حسرتها وقلقها، فلعلي أقص عليكم من نبأ ذلك في خطبة لاحقة بإذن الله

.
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشداً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

هذا وصلوا...

 

 

 

 

المرفقات

في الإسلام1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات