المرأة في الإسلام

علي بن محمد بارويس

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: قضايا المرأة
عناصر الخطبة
1/ سبب استهداف المرأة المسلمة 2/ من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة 3/ اعتناء الإسلام بالمرأة منذ ولادتها 4/ نماذج لمسلماتٍ يُفاخَر بهنَّ 5/ ردُّ كاتبةٍ على بعض شبهات المغرضين 6/ المنصفون الحقيقيون للمرأة

اقتباس

لسنا بحاجة إلى أن نعرض نماذج مما لاقته المرأة في الجاهلية الأولى، وما كانت تلاقيه من مسخ وذلة ومهانة؛ لكني أعرض لكم اليوم شيئاً من عناية الإسلام بالمرأة، وبيان مكانتها الحقيقية في شرع الله، وبضدها تتميز الأشياء، وأعتذر لكم سلفاً عن الاختصار لما يقتضيه المقام، ومن رام التفصيل فدونه مطولات الكتب ومؤلفات أهل الإسلام؛ ففيها الإيضاح والبيان ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي جعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن أصحابه وآله وأزواجه أمهات المؤمنين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين والمسلمات، فتلك وصية الله لكم ولمن سبقكم: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) [النساء:131].

أيها الإخوة المؤمنون: لا عجب أن يكثر الحديث عن المرأة فهي تمثل نصف المجتمع أو تزيد، وهي الأم والبنت والزوج والأخت، وهي قمة شماء، وصخرة صماء، إذا صلحت واستقامت تحطمت على أسوارها المنيعة مكائد العابثين، وهي نافذة واسعة وبوابة مشرعة للفساد إذا خلص إليها المغرضون.

أمر الله -عز وجل- بحسن العشرة لهن في محكم التنزيل، فقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19]، وأوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بهن خيراً فقال: "استوصوا بالنساء خيراً" رواه البخاري ومسلم، ونزل القرآن الكريم معلياً شأنهن ومؤكداً حقوقهن، مثل قوله -تعالى-: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران:195]، بل نزلت سورة كاملة من القرآن تحمل اسمهن وتعالج قضاياهن.

ومع ذلك كله فهن موضع للفتنة، وأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، وخاف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته من النساء فقال: "ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري ومسلم، لا عجب والحالة تلك أن يكون الحديث عنهن، وأن توضح الصورة المتميزة التي حددها الشرع لهن في وقت كثر الحديث عنهن بحق وبباطل.

أيها المؤمنون والمؤمنات: لسنا بحاجة إلى أن نعرض نماذج مما لاقته المرأة في الجاهلية الأولى، وما كانت تلاقيه من مسخ وذلة ومهانة، لكني أعرض لكم اليوم شيئاً من عناية الإسلام بالمرأة، وبيان مكانتها الحقيقية في شرع الله، وبضدها تتميز الأشياء، وأعتذر لكم سلفاً عن الاختصار لما يقتضيه المقام، ومن رام التفصيل فدونه مطولات الكتب ومؤلفات أهل الإسلام؛ ففيها الإيضاح والبيان.

فيقرر الإسلام ابتداءً وحدة الأصل بين الذكر والأنثى، وأن المرأة كالرجل في الإنسانية سواء بسواء فيقول -جل وعز-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) [النساء:1]، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "إنما النساء شقائق الرجال" رواه أبو داود والترمذي.

ثانياً: ضمن لها الإسلام الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا والآخرة إن هي آمنت وعملت صالحاً، وخوفها من الخزي في الدنيا والآخرة إن هي ضلت السبيل كالرجل، فقال -جل وعلا-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

ثالثاً: كما ساوى الإسلام في تكليفها بالعبادات مع الرجل، فلها ثواب الطاعات إن عملتها، وعليها عقوبة المعصية إن وقعت فيها، قال -جل وعلا-: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35].

وفي سبيل وقاية النوعين من الوقوع في الرذيلة قال -جل وعلا-: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:3031].

رابعاً: حرم الإسلام التشاؤم والحزن لولادتها كما كان شائعاً عند العرب، فقال -جل وعلا-: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [النحل:58]، إلى قوله -جل وعلا-: (أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [النحل:59]، كما حرم وأدها، وشنع عمل ذلك، فقال: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) [التكوير:8-9].

خامساً: كما ضمن الإسلام الأهلية للمرأة في الحقوق المالية مهما كان نصيبها، قال -جل وعلا-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) [النساء:7]، قال سعيد بن جبير وقتادة: كان المشركون يجعلون المال للرجال الكبار ولا يورّثون النساء ولا الأطفال شيئاً، فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية؛ بل فوق ذلك جعل الإسلام للمرأة الرعاية في بيت زوجها، وحمّلها مسئولية رعايته فقال: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" رواه البخاري.

سادساً: واعتنى الإسلام بتعليم المرأة وقال لها وللرجل: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر:9]، وخصص الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوماً للنساء يعلمهن مما علمه الله، وكنّ خير معينات على العلم والتعلم، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا"، فاجتمعن فأتاهن فعلمهن مما علمه الله. متفق عليه.

وأفلح تعليم المرأة المسلمة في عصور الإسلام الزاهية فكانت نوابغ النساء في كافة العلوم كما تشهد بذلك مدونات الإسلام، ويفتخر عدد من الرجال بمشيخة عدد من النساء مع كمال الحشمة والعفة والوقار، لا في عصر النبوة فحسب بل فيما تلاها من القرون أيضاً.

وإذا تجاوزنا أمثال عائشة -رضي الله عنها- نموذج العلم والفقه الأول، فهذه بنت سعيد بن المسيب -رحمهم الله تعالى- حين دخل بها زوجها وكان من طلبة والدها، فلما أصبح أخذ الرداء يريد أن يخرج إلى حلقة سعيد، فقالت له المرأة: أين تريد؟ قال: إلى مجلس سعيد أتعلم العلم، فقالت له: اجلس أعلمك علم سعيد.

وهذه أم الشافعي -رحمها الله- كانت باتفاق النقلة من العابدات القانتات ومن أذكى الخلق فطرة، شهدت مع أم بشر المريسي بمكة عند القاضي فأراد أن يفرق بينهما ليسألهما منفردتين عما شهدتا به استفساراً، فاعترضت عليه أم الشافعي وقالت: أيها القاضي! ليس لك ذلك؛ لأن الله تعالى يقول: (أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) [البقرة:282]، فلم يفرق بينهما.

تلك نماذج وغيرها كثير تفاخر به المرأة المسلمة ويعترف بها غير المسلمين، وهذا غستاف لوبون صاحب حضارة العرب يذكر أنه كثر في العهد العباسي في المشرق وفي ظل الأمويين في الأندلس اللواتي اشتهرن بمعارفهن العلمية والأدبية، ويدل ذلك على أهمية النساء أيام نضارة حضارة العرب، فهل تعيد المرأة المعاصرة تاريخ ومجد أسلافها من المؤمنات العاملات؟ ليس ذلك على الله بعزيز!.

ولا يقف مد الإسلام وفي الأرض مسلم ومسلمة يقولان: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال -جل جلاله-: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء:123-124].

هذه عناية الإسلام بهن حتى تغادر البيت معززة مكرمة، فأين هذا من الحضارة المزعومة المعاصرة التي ترمي بالبنت في قارعة الطريق لتبحث عن مأوى آخر، وتهيم على وجهها في صحراء مهلكة تحيط بها الذئاب من كل جانب؟.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك:2]، الحمد لله الذي (جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان:62]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى:49-50].

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله علّم الناس الخير ودعاهم إليه، وبين لهم الشر وحذرهم منه، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين والمرسلين، وعلى الآل والأصحاب والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها المسلمون والمسلمات: لا تقف عناية الإسلام بالمرأة عند هذه الحدود السابقة، بل يأمر الإسلام بإكرام المرأة أماً وبنتاً وزوجة وأختاً وعمة وخالة منذ ولادتها وحتى مماتها، فعندما تكون بنتاً ضعيفة لا حول لها ولا طَول يأمر أباها وأمها بحسن رعايتها وتوفير حاجاتها، ويرتب على ذلك من الأجر والمثوبة ما يدفع للخدمة والرعاية دون ضجر أو ملل، يقول -عليه الصلاة والسلام- فيما يقول: "من ولدت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده -يعني: الذكر- عليها أدخله الله بها الجنة" رواه أحمد في مسنده.

وفي الحديث الآخر: "مَن كن له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهن أدخله الله الجنة برحمته إياهن"، فقال رجل: وابنتان يا رسول الله؟ قال: "وابنتان"، قال رجل آخر: يا رسول الله! وواحدة؟ قال: "وواحدة" أخرجه أبو داود والترمذي، ويبلغ عائل الجاريتين القمة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه" أخرجه مسلم في صحيحه.

وحين تشب البنت وتصبح زوجةً يضيء الإسلام عنايته بها ويعتبر المتعة بها والأنس معها أفضل ما في الدنيا: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة" رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، وجعل الإسلام الحياة الزوجية ترتكز على دعائم قوية من المودة والرحمة تعجز الأنظمة البشرية أن تبلغها بتشريعاتها، فهو آية من آيات الله، كما قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21].

وإذا كان أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً كما أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، ففي بقية الحديث نفسه قال -عليه الصلاة والسلام-: "وخياركم خياركم لنسائهم" رواه الترمذي وابن ماجه.

فإذا كانت المرأة أمَّاً فهي المنزلة التي لا تباريها منزلة، وهي أحق ما في الوجود بحسن الصحبة والرعاية والإحسان إليها، فقد قرن الله حقهما بحقه فقال -جل وعلا-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء:23] والوصية بهما تنزل من السماء: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) [الأحقاف:15].

ويلفت النظر إلى حق الأم لزيادة مشقتها، قال -جل وعلا-: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) [الأحقاف:15]، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يردد ثلاثاً: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف مَن أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة" أخرجه مسلم.

ولقد فقه سلف الأمة وخيارها هذه الحقوق فرعوها حق رعايتها بأقوالهم وأفعالهم، فهذا ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يقول: إني لا أعلم عملاً أقرب إلى الله -عز وجل- من بر الوالدة.

وهذا ابن عمر -رضي الله عنهما- يشهد رجلاً يمانياً يطوف بالبيت، وقد حمل أمه وراء ظهره يقول:
إنِّي لها بعيرها المذلَّلُ *** إنْ ذعرت رقابها لَمْ أذعر
ثم قال: يا ابن عمر! أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة.

وفي صحيح مسلم قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: والذي نفس أبي هريرة بيده! لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك، قال أحد الرواة: وبلغنا أن أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- لم يكن يحج حتى ماتت أمه لصحبتها؛ فأي تشريع غير الإسلام يبلغ بالمرأة هذه المنزلة؟ وأي حقوق يمكن أن يهبها لها البشر فوق ما حباها الله -جل وعلا- خالق البشر؟.

ولولا أن يطول الحديث لاستكملت عناية الإسلام بالمرأة أختاً، بالمرأة عمة، بالمرأة خالةن بالمرأة قريبةن بالمرأة بعيدة.

وألتفت بعد ذلك إلى صوت نسائي ملفت تعد صاحبته في طليعة المتعلمين، تقول إحدى الدكتورات عن قضية المرأة: إننا لم نكن في حاجة إلى فهم هذه القضية ومثلها كما نحن الآن، إذ يعوز المرأة لكي تعرف حقيقة مكانها في عالم اليوم وتميز دورها فيه أن تستكمل وعيها لذاتها وأن تفهم مقومات وجودها وجوهر شخصيتها، ومحال أن يتحقق شيء من ذلك إذا بترنا ما تأصل في أعماقنا من تراث لنا فكري وروحي ومادي ظل يتناقل جيلاً بعد جيل، وخلفاً بعد سلف، متغلغلاً في كياننا، متحكماً في سلوكنا الفردي والجماعين موجهاً أساليب تناولنا للحياة، وفهمنا لها، وسيرنا فيها.

إلى أن تقول: أجل لقد سمع الله شكوى شاكية، وغضب -سبحانه- لواحدة أخرى افتُري عليها ظلماً وبهتاناً فجعل براءتها آيات تتلى وقرآناً يتعبد به من يؤمن بالله واليوم الآخر... ولو لم يصنع الإسلام غير هذا لكان حسبنا نحن المسلمات، ولو لم يكن لنا من القرآن الكريم سوى هذه الآيات من سورة المجادلة والنور لرضينا بها حظاً ونصيباً، فتأملوا الشريعة الإسلامية كيف صانت المرأة المسلمة، وحمت سمعتها من أراجيف المبطلين؟.

وبعد عرضها لنماذج لحقوق النساء في الإسلام عادت ترد على المغرضين المتشبثين بقضايا زعموا أن فيها إجحافاً بحق المرأة فتقول: أفأحتاج بعد هذا إلى إطالة الوقوف عند الذين زعموه مجحفاً بنا من إباحة تعدد الزوجات والطلاق، واحتساب نصيب الانثيين في الميراث كنصيب الذكر الواحد، وشهادة الأنثيين مكان شهادة الرجل؟ كلا! -والكلام لها- فحكمة الإسلام في كل مسألة من هذه المسائل تبدو واضحة لا يجحدها إلا جاهل أو مكابر.

تعدد الزوجات تقضي به أحياناً ضرورة قاهرة، ويضبطه الإسلام بحدود مادية وأدبية -ولا يزال الكلام للكاتبة-، والطلاق لا محيد عنه إذا لم تعد الحياة الزوجية مستطاعة ولا محتملة، وهو مع ذلك أبغض الحلال عند الله، وإعطاء الأنثى نصف الذكر من الميراث يقابله إعفاؤها من أعباء النفقة حتى مع ثرائها وفقر زوجها، وشهادة الاثنتين بدلاً من شهادة رجل منظور فيها إلى عاطفية المرأة التي هي جوهر أنوثتها.

إخوة الإسلام: أنصار المرأة حقاً هم الذين يطالبون برفع أي ظلم أو هضم يقع على المرأة في حقوقها المعنوية أو الحسية فلا يرضون بإهانتها أو احتقارها أو ضربها بغير حق؛ انطلاقاً من قوله -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19]، وتأسياً بهديه -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" أخرجه الترمذي وابن ماجه.

وهم الذين يقفون في وجه الجهلة المنتقصين لحقوقها المالية في الإرث أو العطاء، قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228]، والنساء شقائق الرجال.

وبالجملة؛ فلا يهضم لها حق، ولا تساوى بالرجل في شيء، والله أحكم الحاكمين، وفي شريعته عدل ورحمة للرجل والمرأة، ومن قال أنه سيعطي المرأة أكثر مما أعطاها خالقها فقد ظلم نفسه، وأساء الأدب مع ربه وما أولئك بالمؤمنين.

اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

هذا؛ وصلوا على من أمرتم بالصلاة عليه، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأئمة الخلفاء، الأئمة النجباء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى الصحابة والقرابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وجودك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم حوزة الدين، وأهلك أعداء الدين المحادين لدينك المعاديين لأوليائك الذين يبغونها عوجاً، اللهم ألف بين قلوب أهل الإيمان واجعلهم هداة مهتدين، غير خزايا ولا ندامى ولا مخطئين، اللهم أصلح المسلمين رجالاً ونساءً ووفقهم لهداك، واجعل عملهم خالصاً وفي رضاك يا رب العالمين.

اللهم احم العراق وأهله من شر فتنة الأهواء والتفرق والاختلاف، اللهم احقن دماء المسلمين، اللهم احقن دماء المسلمين، ورد كيد عدوهم في نحورهم يا رب العالمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.

اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 

 

 

 

 

المرفقات

في الإسلام

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات