المداومة على الأعمال الصالحة

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2024-04-26 - 1445/10/17 2024-05-09 - 1445/11/01
عناصر الخطبة
1/أهمية المداومة على الطاعات 2/من ثمار المداومة على العمل الصالح 3/بعض الوسائل المعينة على المداومة.

اقتباس

مِنَ الْوَسَائِلِ الْمُعِينَةِ: اخْتِيَارُ الْمُنَاسِبِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَهَذَا أَدْعَى لِلِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ تَتَنَوَّعُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا؛ وَلِذَا كَانَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مَنِ اشْتُهِرَ بِطُولِ الْقِيَامِ، وَآخَرُ بِكَثْرَةِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ مَظَاهِرِ عَظَمَةِ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ دِينٌ يُلَازِمُ الْعَبْدَ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ؛ فِي الْبَيْتِ، وَالسُّوقِ، وَالْعَمَلِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ، وَفِي جَمِيعِ شُهُورِ الْعَامِ؛ كَمَا أَنَّ شَرَائِعَ هَذَا الدِّينِ عَمَّتْ حَيَاةَ الْمُسْلِمِ؛ حَتَّى يَعِيشَ فِي ظِلَالِ طَاعَةِ خَالِقِهِ، وَيُدَاوِمَ عَلَى مَرَاضِيهِ وَمَحَابِّهِ، وَانْظُرُوا -مَثَلًا- إِلَى الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ الَّتِي تَتَكَرَّرُ مَعَ الْعَبْدِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِلَى الصِّيَامِ الَّذِي يَعُودُ كُلَّ عَامٍ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الزَّكَاةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَسَائِرِ الذِّكْرِ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَغَيْرِهِ مِمَّا يَكْثُرُ عَدُّهُ.

 

وَلَمْ يَقِفِ الِاسْتِمْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ عِنْدَ حَدِّ الْفَرَائِضِ فَحَسْبُ؛ بَلْ تَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى النَّوَافِلِ؛ فَاسْتُحِبَّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِيهَا وَلَا يَقْطَعَهَا؛ رَوَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ"(أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ).

 

وَتَأَمَّلُوا مُدَاوَمَةَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ تَجِدُونَ لُزُومَهُ لِطَاعَةِ رَبِّهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، حَتَّى أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي النَّوَافِلَ الْفَائِتَةَ -مَعَ أَنَّهَا نَافِلَةٌ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا-، بَلْ وَحَثَّ الْأُمَّةَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمَنْ كَانَ مُدَاوِمًا عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَإِنَّهُ دَائِمُ الِاتِّصَالِ بِاللَّهِ -تَعَالَى-، مُحَافِظٌ عَلَى فَرَائِضِهِ، مُتَقَرِّبٌ إِلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ؛ حَتَّى يَكُونَ مِنْ أَحْبَابِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَأَيُّ شَرَفٍ أَعْظَمَ مِنْ هَذَا!! يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِحَرْبٍ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".

 

وَاسْتِمْرَارُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ كَفِيلٌ بِتَخْفِيفِ كُلِّ شِدَّةِ وَإِزَالَتِهَا؛ وَلِذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ"(أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ).

 

وَمُدَاوَمَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ سَبَبٌ لِتَهْذِيبِ النَّفْسِ، وَسُمُوِّهَا عَلَى الشَّهَوَاتِ، وَاسْتِعْلَائِهَا عَلَى الْهَوَى، وَحَجْزِهَا عَمَّا لَا يَلِيقُ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45]؛ وَالصَّلَاةُ دَائِمَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ؛ فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا وَمَا يَجِبُ لَهَا نَهَتْهُ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ.

 

وَإِذَا دَاوَمَ الْعَبْدُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عُذْرٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ الْأَجْرَ كَأَنَّهُ قَدْ عَمِلَهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا".

 

إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: وَحَتَّى يُدَاوِمَ الْعَبْدُ عَلَى طَاعَةِ خَالِقِهِ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَسَائِلِ الْمُعِينَةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ:

تَجْدِيدُ التَّوْبَةِ دَائِمًا وَأَبَدًا، وَلُزُومُ الِاسْتِغْفَارِ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْقُوَّةَ وَالنَّشَاطَ، وَضَمَانُ بَقَاءِ الْعَبْدِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَحْتَاجُ إِلَى قُوَّةٍ قَلْبِيَّةٍ وَقُوَّةٍ جَسَدِيَّةٍ؛ قُوَّةٍ فِي إِيمَانِهِ، وَقُوَّةٍ فِي أَعْضَائِهِ، وَفِي التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- حِكَايَةً عَنْ هُودٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)[هُودٍ: 52].

 

وَمِنَ الْوَسَائِلِ الْمُعِينَةِ: اخْتِيَارُ الْمُنَاسِبِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَهَذَا أَدْعَى لِلِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ تَتَنَوَّعُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدًّا؛ وَلِذَا كَانَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مَنِ اشْتُهِرَ بِطُولِ الْقِيَامِ، وَآخَرُ بِكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ، وَثَالِثٌ بِالسَّعْيِ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ وَمُسَاعَدَتِهِمْ، وَغَيْرُهُمْ بِتَعْلِيمِ النَّاسِ وَتَفْقِيهِهِمْ... وَهَكَذَا.

 

وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَ الْعَبْدُ عَمَلًا وَيَتْرُكَ الْأَعْمَالَ الْأُخْرَى؛ لَكِنَّهُ يُكْثِرُ مِمَّا يَرَى أَنَّهُ أَنْشَطُ فِيهِ، وَأَكْثَرُ اسْتِمْرَارًا.

 

وَمِنَ الْمُعِينَاتِ: أَنْ يَسْأَلَ الْعَبْدُ رَبَّهُ الْإِعَانَةَ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ"، وَأَوْصَى مُعَاذًا أَنْ يَدْعُوَ بِذَلِكَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: تِلْكَ هِيَ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ إِلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَمَحَابِّهِ وَعَدَمِ الِانْقِطَاعِ عَنْهَا، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ تَرْكِ الِاسْتِمْرَارِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِمَّا يُنَشِّطُ الْعَبْدَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيَقُودُهُ إِلَى الِاسْتِمْرَارِ فِيهِ مُطَالَعَةَ أَخْبَارِ الصَّالِحِينَ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، مِمَّنْ كَانُوا يَتَحَمَّلُونَ أَعْمَالًا صَالِحَةً كَثِيرَةً وَيُدَاوِمُونَ عَلَيْهَا، وَلَا يَدَعُونَهَا حَتَّى فِي أَحْلَكِ الظُّرُوفِ، وَأَصْعَبِ السَّاعَاتِ؛ وَقُدْوَتُهُمْ فِي ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلِمَا سُئِلَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عَنْ أَيِّ الْعَمَلِ كَانَ أَعْجَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَتْ: "كَانَ يُحِبُّ الدَّائِمَ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيَّ حِينٍ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا سَمِعَ الصَّارِخَ، قَامَ فَصَلَّى"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

وَهَكَذَا كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدَاوِمُونَ عَلَى الطَّاعَاتِ وَيَتَنَافَسُونَ عَلَى الْقُرُبَاتِ؛ سَوَاءً فِي بَابِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ أَوِ النَّوَافِلِ وَالْمَنْدُوبَاتِ، ثُمَّ جَاءَ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنْ بَعْدِهِمْ؛ فَقَدْ كَانُوا يُدَاوِمُونَ عَلَى الْخَيْرِ وَلَا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ -فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا وَرَحِمَهُمْ-.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تِلْكُمْ هِيَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ وَهِيَ غَايَةُ الْخَلْقِ وَفَرِيضَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ فِي طَرِيقِ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ؛ أَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الْحِجْرِ: 98-99].

 

فَاللَّهَ اللَّهَ فِي الْمُدَاوَمَةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ حَتَّى يَوْمِ لِقَاهُ؛ فَذَلِكَ طَرِيقُ الْفَلَاحِ وَسَبِيلُ النَّجَاحِ.

 

أَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى طَاعَتِهِ وَرِضَاهُ، وَيُكْرِمَنَا بِالْفَوْزِ يَوْمَ لِقَاهُ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

المداومة على الأعمال الصالحة.doc

المداومة على الأعمال الصالحة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات