المخدرات وضياع العقول

الشيخ محمد ابراهيم السبر

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أهمية المحافظة على الضرورات الخمس 2/خطورة العبث بالعقل وتغييبه 3/آثار انتشار المخدرات في المجتمعات 4/أسباب الوقوع في فخ المخدرات 5/سبل التصدي لوباء المخدرات.

اقتباس

لقد حرصَ أعداءُ هذه الأمةِ على إفسادِها، وهدمِ كيانِها، وضربِها في أعزِّ ما تملك، وذلك بإفساد شبابها، وتدمير دينهم وعقولهم وأخلاقهم، وكانت المخدراتُ من أعظم أسلحتهم الفتاكةِ التي صدَّرُوها إلى المجتمعاتِ المسلمةِ؛ لأنها إذا انتشرت في المجتمع قضت على الدين والأخلاق والموارد...

الخطبة الأولى:

 

‏الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلَّمه البيان، وزيَّنه بالعقل، وشرَّفه بالإيمان، أحمده -سبحانه تعالى- وأشكره؛ أدَّبَنا بالقرآن، وزيَّننا بزينة الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالخير والإحسان، ونهانا عن الفسوق والعصيان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بالحق وحسن البيان، صلى الله عليه ما تعاقب الجديدان، وتتابع النيران وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

 

عباد الله، يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء:70]؛ لقد ميَّز الله الإنسان عن سائر مخلوقاته بالعقل؛ العقل الذي يميز به بين الخير والشر والحق والباطل والضار والنافع، ولذا جاءت الشرائعُ السماويةِ بالمحافظة على الضرورات الخمس، ومنها العقل، وحمايته عن كل داء وبليَّةٍ تؤثِّرُ فيه أو تُعطِّل فوائدَه؛ حفاظاً على كرامةِ الإنسان، فالعقل هو مناط التكليف.

 

إن العَبَثَ بالعقل وإفسادَهُ جريمة من أفظع الجرائم، وهو في الدين الإسلامي من الكبائر، ومن أعظم الوسائل التي تُفسِدُ العقلَ تعاطي المسكرات والمفترات والمخدرات؛ لذا جاءت نصوصُ الشرعِ بتحريم كلِّ مُسكِرٍ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)[المائدة:90-91]، وفي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ"، وفي رواية مسلم: "وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ"، وفي رواية أخرى: "إِنَّ عَلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ". قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: "عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ"، وهي أم الخبائث فمن تعاطاها أو روَّجها فقد أدخل على نفسه النقص في دينه وماله وعقله، وربما انسلخ من ذلك كلِّه، نسأل الله العافية والسلامة.

 

أيها المسلمون: لقد حرصَ أعداءُ هذه الأمةِ على إفسادِها، وهدمِ كيانِها، وضربِها في أعزِّ ما تملك، وذلك بإفساد شبابها، وتدمير دينهم وعقولهم وأخلاقهم، وكانت المخدراتُ من أعظم أسلحتهم الفتاكةِ التي صدَّرُوها إلى المجتمعاتِ المسلمةِ؛ لأنها إذا انتشرت في المجتمع قضت على الدين والأخلاق والموارد، والمجتمع الذي تنتشر فيه المخدراتُ يسُودُهُ القلقُ والتَّوتُرُ، ويُخيِّمُ عليه العداوة والبغضاء.

 

أعداء الدين والوطن يتربصون بالمسلمين وبمجتمعاتهم الدوائر، وفيهم من لا يدين بدين، ولا يرقُبُ في المؤمنين إلاً ولا ذمَّة، ومطيتهم في بعض المجتمعات المجرمُ والمدمن والمهرب والمروج وضعيف الإيمان ممن يبحث عن المالِ والكسب الحرام ولو على حساب دينه ووطنه، وزادَ الطين بِلَّةً والمرض علة: السفر المحرم إلى دول الكفر والانحلال؛ بحثاً عن المتعة المحرمة، فانغمسوا في أوحال المسكرات، ووقعوا في أتون المخدرات، وعادوا وهم يحملون الدمارَ لبلادهم، والعارَ على أهليهم. نسأل الله لهم الهداية والعافية.

 

ومن أهم أسباب الوقوع في هذا الوباء الرفقة السيِّئة، التي تغري الشاب بها ويوهمونه كَذِباً بأنها تَجلِبُ السعادة، وتُقوِّي الذاكرة، وغير ذلك من الأكاذيب، مما يجعلُهُ يقع في الفخ إما مجاملةً أو خشية اتهامهم له بعدم الرجولة أو الجبن أو نحو هذا، وما هي إلا فترة حتى يقع في شباكهم. ورُبَّما قدَّمُوها لهم هديَّةً في بادئ الأمر، فإذا أوقعوهم فيها وطلبوها فيما بعد بدأت مساومتُهم وابتزازهم له ماديا وأخلاقيا.

 

ومن الأسباب: ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر وضعف الوازع الديني ينضاف لذلك ضعف في التربية ورقابة البيت والأسرة؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن"(رواه البخاري).

 

ومن هنا يتأتى غرس الإيمان بالله -تعالى- واليوم الآخر في نفوس الناشئة أساسُ الصلاح والوقاية من كل فسادٍ وخطرٍ يهدد المجتمع بأسره، فالإيمان له أثره الواضح في نفوسِ الأفرادِ والأُسَرِ والمجتمعات؛ لتخليصهم من شؤم المنكرات وقيامهم بطاعة الله -تعالى-، وإشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فهذا -بإذن الله تعالى- صمام أمان يحفظ المسلمَ من الشرورِ والضياع، ويكفَلُ له السعادة في الدنيا والآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)[فصلت:30-31].

 

إن القوانين والعقوبات الرادعة على أهميتها ودورها العظيم في مكافحة المخدرات لا تصلح بديلاً عن الزاجر الداخلي في الإنسان، المتمثل في الوازع الديني والرقابة الذاتية لدى المسلم، هذا الوازع الذي رأيناه يريق الخمر في شوارع المدينة أنهاراً بمجرد أن يطرق أسماع المسلمين نبأ تحريم الخمر، والأمر باجتنابها، سمعوا نداء القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:90]؛ سمعوا المنادي ينادي: "ألا إن الخمر قد حرمت"، فقال أحدهم: "فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج حتى أهرقنا الشراب، وكسرنا القلال، قال: وبعض القوم شربته في يده أراقها، قائلا: انتهينا ربنا".

 

ما سر هذه الاستجابة السريعة العميقة، بعد أن كانت الخمر محبوبتهم ومن مفاخرهم؟

 

إنه الإيمان الذي خالطت بشاشته القلوب، والذي يفعل أثره أكثر مما يفعل السحر، وتلك هي ثماره وآثاره، الإيمان الذي يجعل من الشاب قوي الإرادة، ماضي العزيمة طموحًا للمعالي نافعًا لدينه ووطنه ومجتمعه.

 

ولا ينسى في هذا المجال اتخاذ الطرق الصحيحة لمعالجة المدمنين في المصحات والمشافي، وملء أوقات فراغهم بالنافع المفيد، فمن تاب؛ تاب الله عليه، وغفر زلته، وحوبته، وأقال عثرته قال -تعالى-: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا)[الفرقان:70-71].

 

بارك الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:

 

اعلموا -عباد الله- أن من واجبات أفراد هذا المجتمع أن يكونوا فاعلين ومتعاونين مع أجهزة مكافحة المخدرات التي تقوم بدورها البطولي لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد مجتمعنا، وذلك بالإبلاغِ عمَّن يروِّجُ ويهرب وعن أوكارها، فهذا من إنكار المنكر وحفظ الأمن؛ ومن التعاون على البر والتقوى لكفّ الشر والأذى عن المسلمين، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "لا ريبَ أن مكافحةَ المسكراتِ والمخدرات من أعظم الجهاد في سبيل الله، ومن أهمِّ الواجبات التعاون بين أفراد المجتمع في مكافحة ذلك؛ لأن مكافحَتَهَا في مصلحةِ الجميع، ولأن فُشُوَّها ورَواجَها مَضَرَّةٌ على الجميع، ومن قُتِلَ في سبيل مكافحة هذا الشرِّ وهو حَسَنُ النية، فهو من الشهداء، ومن أعان على فضحِ هذه الأوكار وبيانها للمسؤولين، فهو مأجور، وبذلك يعتبر مجاهدًا في سبيل الحقِّ، وفي مصلحة المسلمين وحماية مجتمعهم مما يضرُّ بهم"ا. هـ.

 

نسأل الله -تعالى- أن يحفظ بلادنا من كيد الكائدين، وخطر المتربصين، وأن يحفظ شباب المسلمين من الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلهم هداة مهتدين.

 

المرفقات

المخدرات وضياع العقول

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات