المحبة والاتباع

إبراهيم سلقيني

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ معاني محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتبعاتها 2/ نماذج من محبة الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- 3/ أنت مع من أحببت 4/ آثار الإيمان ومحبة الله ورسوله على العبد.

اقتباس

من يدعي الإيمان ويدعي محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم لا تنعكس هذه المحبة في معاملته، في سلوكه، في تخلقه بأخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في نصرة دينه وشريعته، في تعظيمه، وفي توقيره، وتوقير كل ما جاء عن طريقه فهو كاذب في هذه المحبة؛ ذلك لأن قلب المؤمن إذا خلا عن هذه المحبة أفسده حب الدنيا، حب الشهوات، التصارع على عَرَضها الزائل، وعشعش الشيطان في قلبه فأغفله عن ذكر الله -عز وجل- وعن مراقبته وعن السلوك الصحيح الذي يجب أن يسلكه.

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه الإنسان وحيثما استقر، الحمد لله العلي القادر العزيز القاهر القدير الذي لا ينسى، الحكيم الذي لا يضل.

 

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الملك الحق المبين.

 

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأولاده وخلفائه الراشدين الهادين المهدين من بعده سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى باقي الصحابة والقرابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين".

 

محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معناها تعظيمه وتوقيره ونصرة دينه، ومعناها أيضًا التخلق بأخلاقه، والالتزام بمنهجه وشريعته، والأحكام التي بلّغها عن ربه -عز وجل-، وأن تكون هذه المحبة مقدَّمة على كل محبة بعد محبة الله -عز وجل-.

 

مقدمة على محبة النفس والمال والأهل والولد، وكل ما في هذا الوجود بعد الله -عز وجل-، وأن تكون هذه المحبة راسخة ثابتة ينتج عنها استحسان كل ما حسَّنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستقباح كل ما قبَّحه، ألا نرى شرعًا فوق شرع الله، ولا حكمًا فوق حكم الله مصداقًا لقوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24].

 

ومصداقًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".

 

ذلك لأن قلب المؤمن إذا سكنت فيه محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلح هذا القلب الذي هو سلطان الأعضاء والجوارح، وإذا صلح القلب صلح العمل، وإذا صلح القلب صلح سائر أعضاء الإنسان وتحركاته.

 

فمن يدعي الإيمان ويدعي محبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لا تنعكس هذه المحبة في معاملته، في سلوكه، في تخلقه بأخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، في نصرة دينه وشريعته، في تعظيمه، وفي توقيره، وتوقير كل ما جاء عن طريقه فهو كاذب في هذه المحبة.

 

ذلك لأن قلب المؤمن إذا خلا عن هذه المحبة أفسده حب الدنيا، حب الشهوات، التصارع على عَرَضها الزائل، وعشعش الشيطان في قلبه فأغفله عن  ذكر الله -عز وجل- وعن مراقبته وعن السلوك الصحيح الذي يجب أن يسلكه.

 

وأذكر -أيها الإخوة باختصار سريع نماذج عن عظم محبة الصحابة من الأنصار، ومن المهاجرين لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكيف ضربوا أروع الأمثلة في عظم محبته وفي تطبيق شريعته وفي التخلق بأخلاقه.

 

كان من شدة محبتهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يروه اشتدت وحشتهم واشتد حزنهم، فهذا مثال وهو ثوبان بن مالك -رضي الله تعالى عنه- كان شديد الحب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قليل الصبر عنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا وقد تغير لونه ودخل على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو في حزن شديد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما الذي غيَّر لونك يا ثوبان؟"

 

قال: يا رسول الله! "إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثم ذكرت الآخرة، فأخاف أن لا أراك؛ لأنك تُرفع مع النبيين، وإني إن دخلت الجنة فأنا في منزلة دون ذلك بكثير وإن لم أدخلها لم أرك أبداً".

 

فأنزل الله -تبارك وتعالى- في محكم آياته: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا) [النساء:69- 70].

 

فاستبشر ثوبان حينما تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية، وانشرح صدره، وعلم أنه يكون مع محبوبه -صلى الله عليه وسلم- في الآخرة.

 

وهذا نموذج آخر سيدنا علي -رضي الله عنه- يسأله سائل: كيف كان حبكم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟. قال: "والله كان أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأزواجنا وآبائنا وأمهاتنا، وأحب إلينا من الماء البارد على شدة الظمأ".

 

نعم -أيها الإخوة- كان كل واحد من الصحابة محبًّا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من حبه لنفسه التي بين جنبيه وهو جاهز لأن يجود في كل وقت بروحه فداءً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفداء لدينه ولشريعته.

 

هذا خبيب يأتيه المشركون ليصلبوه ويقترب منه أبو سفيان ويقول له: "يا خبيب! أتحب أن محمدًا الآن في مكانك تُضرب عنقه وأنت جالس في أهلك؟" قال خبيب: "والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنا جالس بين أهلي"، فقال أبو سفيان: "عجبًا لم أرَ أحدًا يحب أحدًا كما يحب أصحاب محمد محمدًا" -صلى الله عليه وسلم-.

 

ولَكَم كان فرح الصحابة عظيمًا حينما أعلن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كل امرئ يُحشر يوم القيامة مع مَن يحب، فعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: "دخل رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله متى الساعة؟" فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "ماذا أعددت لها؟"، قال: "ما أعددت لها من كثير صلاة ولا كثير صيام لا كثير صدقة، ولكني أحب الله ورسوله".

 

طبعًا هنا التقليل من فائدة كثرة الصلاة ولا كثرة الصيام وكثرة الصدقة، ولكن يعني أن المرء كلما زادت محبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- زاد تخلقه بأخلاقه، زاد التزامه بسلوكه ومنهجه في معاملته، في بيته ومع جيرانه، ومع الناس أجمعين.

 

فقال له الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "أنت مع من أحببت"، يقول أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه-: "ما كان فرحنا بعد فرحنا بالإسلام مثل إعلان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنت مع من أحببت، وأنا أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأحب أبا بكر وعمر" رضي الله تعالى عنهما، وعن أنس الذي روى لنا هذا الحديث وقال لنا هذا القول.

 

أيها الإخوة الأحبة : لقد كان الواحد منهم إذا قربت وفاته ودنا أجله يفرح ويستبشر لأنه سيلقى محبوبه الأعظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

هذا بلال مؤذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حضرته الوفاة فصاحت زوجته واكرباه، قال: لا بل وافرحتاه، واطرباه غدًا نلقى الأحبة محمدًا وصحبه.

 

أما نحن يا أيها الإخوة، فإننا نكره الموت؛ لأن محبتنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو محبة أكثرنا لم تصل إلى ما يجب أن تصل إليه، نحب دنيانا فنكره الانتقال من دار العمران إلى دار القرار؛ لأننا عمرنا دنيانا وخربنا آخرتنا.

 

وهذه الصحابية الأنصارية استُشهد زوجها ووالدها وأخوها في غزوة أحد، فلما أخبروها لم تكترث، إنما قالت: كيف حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا لها: هو كما تحبين حي وبخير. فقالت: أرونيه، فلما رأته قالت: "يا رسول الله كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعدَكَ جَلَلٌ" أي: متحملة وصغيرة.

 

وهذا إمام دار الهجرة سيدنا الإمام مالك -رضي الله تعالى عنه- كان من شدة حبه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب كل ما له علاقة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس لقراءة الحديث توضأ وتطهر ولم ينشغل بأي عمل آخر حتى ينهيه.

 

أيها الإخوة الأحبة: أوصي نفسي وأوصيكم بمحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن تكون هذه المحبة مقدمة على كل محبة بعد الله في هذا الوجود، وأن تغرسوا هذه المحبة في أبنائكم ذكورًا وإناثًا، وأن تغرسوا فيهم أخلاق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والغيرة على دينه وشريعته.

 

وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله"، لا لغرض دنيوي أو مصلحة ذاتية لا يحبه إلا لأنه محب لله ملتزم بنصرة الله.

 

"وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يُقذَف في النار"، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: "أدبوا أولادكم على ثلاث خصال؛ حب نبيكم، وحب آل بيته، وقراءة القرآن".

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله..

 

 

 

المرفقات

والاتباع2

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات