عناصر الخطبة
1/ خطورة المجاهرة بالمعاصي 2/ بعض المظاهر الدالة على فشو المجاهرة بالمعاصي 3/ وسائل لأداء واجب محاربة المجاهرة بالمعاصي 4/ ارتهان تغيير أوضاعنا بتغيير أحوالنا 5/ وجوب الحياء والاستتار بستر اللهاقتباس
وكلنا مسؤولون عن إزالة هذه المنكرات، فلو أن كل واحد منا قاطَع المنكر لزال المنكر، فلو قاطعنا بنوك الربا لزال الربا، ولو هجرنا أماكن الخنا لضعف الفساد في البلاد، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ..
إن المجتمع اليوم مليء بالفساد والمنكرات، منكرات على كافة الأصعدة والمستويات، منكراتٌ سياسية ومنكرات اقتصادية، ومنكرات اجتماعية، ومنكرات إعلامية، ومنكرات أخلاقية، إلى غير ذلك من أنواع المنكرات.
وكلنا مسؤولون عن إزالة هذه المنكرات، فلو أن كل واحد منا قاطَع المنكر لزال المنكر، فلو قاطعنا بنوك الربا لزال الربا، ولو هجرنا أماكن الخنا لضعف الفساد في البلاد، يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس:44].
عباد الله: إن هناك فرقاً بين من يفعل المعصية وهُو كارِهٌ لها، خائفٌ من تبِعاتها، ينظر إلى ذنوبه كجبل يخاف أن يسقط عليه، وبين من يفعل المعصية أو يرتكب الكبيرة وهو غير مبالٍ بها، يراها كذبابٍ وقع على أنفه فقال به هكذا!.
إنَّ المجاهرة بالمعاصي والاستهانة بالذنوب مَزْلَقٌ خطير، وإثمٌ كبير، وشرٌّ مستطير، حذَّر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- أيما تحذير، قال -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ أمَّتي مُعَافَىً، إلا المُجَاهِرِينَ".
إن المجتمع إذا أصبح فيه مَن يجاهر بالمعصية ويتظاهر بالفاحشة فإنه مجتمع مُعَرَّضٌ لسخط الله، كما قالت أم المؤمنين زينب -رضي الله عنها-: "يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعم؛ إذا كثر الخبث".
عباد الله: أصبحنا نرى في مجتمعنا أناساً يجاهرون بإجرامهم، ويتبجحون بأخطائهم لا تهمهم، سمعتهم، ولا يؤلمهم ذكر السوء عنهم.
أصبحنا نرى منكراتٍ عظيمةً يفعلها أصحابها جهاراً نهاراً بلا خوف من الله، أو حياء من خَلق الله، تُفعل في الشوارع العامة والطرقات المكتظة.
أناسٌ أنجاسٌ يأخذون البغايا والمومسات من الشوارع العامة، ويتبايعون معهن على الثمن في قارعة الطريق، ومنهم -والعياذ بالله!- مَن يمارس الفاحشة بها في داخل السيارة أو في أثناء الطريق، بلا حياء أو خجل.
أمرٌ شنيع، ومنكرٌ فظيع، لن يصدق أحد أنه سيقع لولا أنه يقع! يدل على الفساد، يدل على السقوط، يدل على الانحدار.
أوكارٌ للرذيلة، وبيوت للدعارة تظهر بين الحين والآخر يرتادها سفَلة الناس، ويأتي إليها أراذل الخلق، يمارسون فيها كل منكر، ويفعلون فيها كُلَّ شَرٍّ، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أمة محمد، ما مِن أَحَدٍ أغْيَرُ مِن الله -عز وجل- أن يزني عبده أو تزني أمته! يا أمة محمد! والله! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا".
أناسٌ يتابعون الأفلام الجنسية، ويبحثون عن اللقطات الساخنة، ويشاهدون القنوات التي تعرض الفاحشة بكل وقاحة وصراحة، ثم يصبحون يتحدثون ويحدثون عن ما رأوا وشاهدوا وسمعوا.
وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "وإنَّ مِن المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان، عمِلتُ البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه!".
وإن من المجاهرة ما يفعله كثير من الشباب في أوقات الصلاة، فترى الناس في المساجد يصلون وهؤلاء في الشوارع والطرقات يلعبون ويعبثون ويتسابُّون ويتشاتمون، وكأن الصلاة لم تكتب عليهم، أو كأنها فرضت على غيرهم.
وآخرون من الشباب يكابرون ويجاهرون بالإثم بتقليدهم للغربيين في حركاتهم ولباسهم وقَصَّاتِهِم، يفتخرون بذلك أمام زملائهم وأقرانهم، وما علموا أنهم بذلك دخلوا جحر الضب الذي أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَن كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم"، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فَمَنْ؟!" متفق عليه.
وأما عن آلات اللهو وأصوات المعازف والموسيقى والمجاهرة في ذلك برفع الصوت على أعلى الدرجات كما نشاهده واضحاً في الطرقات وعلى الشواطئ والمنتزهات.
انتهاك صارخ لمحارم الله، وغفلة عجيبة عن طاعة الله، ومجاهرة واضحة بالعصيان، وتَحَدٍّ للدَّيَّان، يقول الله: (وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ) [الأعراف:198].
عباد الله: يجب علينا أن نحرص أشدَّ الحرص على أن يبقى المجتمع مجتمعاً نقياً نظيفاً سليماً طاهراً خالياً من أمراض الشهوات وأدواء الشبهات، وأن نسعى في تقليل المنكرات كلٌّ منا بحسبه، فهذا يحذر بقلمه، وذاك بصوته، وهذا باتصاله بصاحب المنكر ونصيحته له، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن رأى منكم منكرا فلْيغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".
يقول خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الناس إذا رأَوُا الظالمَ، فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمَّهم اللهُ بعقاب مِن عنده".
يجب علينا أن نحذِّر أبناءنا من فعل المنكرات، ومن ترك الصلوات، ومن جميع ما يغضب الله، وأن ننهى نساءنا عن إثارة الشهوات، ولبس الألبسة التي تكون سبباً للنظر والنظرات.
يجب علينا أن نطهر بيوتنا من الفواحش والآثام، وألا نسمح فيها بوجود القنوات الساقطة أو الأفلام، أو فحش القول وسوء الكلام؛ فإن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) [النساء:148].
يجب علينا أن نفهم ونعلم أن أوضاعنا وأحوالنا لن تتغير حتى نتغير، فكيفما تكونون يُوَلَّى عليكم، يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العظيم: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد:11].
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن الله حَيِيٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الحياء والستر، فيجب على مَن ابتُلِي بذنب أو معصية أن يستتر حتى لا يقلده غيره في فعل هذه المعصية، وحتى لا يجرأ الناس على فعل المعاصي والذنوب.
فمَن فعل معصية فلا يجوز له أن يحدث الناس عن فعله للمعصية؛ فإن المعصية ذنب، وتحديث الناس بالذنب ذنب أكبر من الذنب نفسه؛ لأنه تسهيل للمعصية، ودعوة لها؛ فإن المجاهر بالمعصية مستخِفٌّ بها، غيرُ مُبَالٍ بمَن عصى، يقول أحد السلف: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى من عصيت.
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها، فمَن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله".
يروى أن رجلاً جئ به إلى سيدنا -عمر رضي الله عنه- وقد تلبس الرجل بسرقة، فقال: والله! هذه أول مرة، فقال له أمير المؤمنين عمر: كذبتَ! إن الله لا يفضح مِن أول مرة.
يقول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: إن الله لا يعذب العامَّة بذنب الخاصَّة, ولكن إذا عُمِلَ المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم.
عباد الله: إن الناس شهداء الله في الأرض، فمَن شهدوا له بالخير فإنه يُرجى له الخير، ومَن شهدوا له بالشر فإنه يرجى له الشر، فالحذَرَ الحذَرَ أن يجاهر الإنسان بالشر، أو يفعل المعصية أمام الخلق فيشهدوا له بالشر، فيخسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين! يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنتم شهداء الله في الأرض".
لنكن من أهل الحياء الذين يمنعهم حياؤهم من إظهار معاصيهم، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنّ مما أدركَ الناس من كلامِ النبوّة الأولى: إذا لم تستحيِ فاصنَع ما شِئتَ".
واسمعوا إلى هذا الحديث العظيم من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، فيقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. ويقول: أعملت كذا وكذا؟ فيقول نعم. فيقرره ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم