المتين -جل جلاله-

د عبدالله بن مشبب القحطاني

2020-12-11 - 1442/04/26 2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/حقيقة اسم الله المتين وأثر الإيمان به.

اقتباس

إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ مَتِينٌ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ؛ قَطَعْتَ الرَّجَاءَ عَمَّنْ سِوَاهُ؛ فَانْظُرْ إِلَى الَّذِي يُهْلِكُ النَّاسَ: يَحْتَاجُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؛ فَيَقِفُونَ عَلَى أَبْوَابِ اللِّئَامِ، وَقَدْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: نَعِيشُ مَعَ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى: (الْمَتِينِ -جَلَّ جَلَالُهُ-)؛ قَالَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)[الذَّارِيَاتِ: 58]؛ فَرَبُّنَا الْمَتِينُ، أَيِ: الشَّدِيدُ الْقَوِيُّ.

 

قَدْ تَنَاهَى الْمَتِينُ فِي الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ؛ فَهُوَ شَدِيدُ الْقُوَّةِ، لَا تَنْقَطِعُ قُوَّتُهُ، وَلَا تَلْحَقُهُ فِي أَفْعَالِهِ مَشَقَّةٌ، وَلَا يَمَسُّهُ لُغُوبٌ، فَلَهُ الْعِزَّةُ جَمِيعًا، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَمْرِهِ، وَهُوَ الْقَادِرُ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ عَجْزٌ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ لَنَا وَهُوَ الْمَتِينُ: عَنْ أُمَمٍ عَتَتَ عَنْ أَمْرِهِ وَرُسُلِهِ، بَلْ وَادَّعَتِ الْقُوَّةَ وَالْقَهْرَ؛ فَحَاسَبَهَا حِسَابًا شَدِيدًا؛ (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)[فُصِّلَتْ: 15]؛ فَكَانَتِ الْعَاقِبَةُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)[الْأَحْقَافِ: 25].

 

أَيْنَ الْمُلُوكُ وَمَنْ بِالْأَرْضِ قَدْ عَمَرُوا *** قَدَ فَارَقُوا مَا بَنَوْا فِيهَا وَمَا عَمَرُوا

وَأَصْبَحُوا رَهْنَ قَبْرٍ بِالَّذِي عَمِلُوا *** عَادُوا رَمِيمًا بِهِ مِنْ بَعَدِ مَا دُثِرُوا

أَيْنَ الْعَسَاكِرُ مَا رَدَّتْ وَمَا نَفَعَتْ *** أَيْنَ مَا جَمَعُوا فِيهَا وَمَا ادَّخَرُوا

آتَاهُمْ أَمْرُ رَبِّ الْعَرْشِ فِي عَجَلٍ *** لَمْ يُنْجِهِمْ مِنْهُ أَمْوَالٌ وَلَا نُصِرُوا

 

إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ مَتِينٌ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ؛ قَطَعْتَ الرَّجَاءَ عَمَّنْ سِوَاهُ؛ فَانْظُرْ إِلَى الَّذِي يُهْلِكُ النَّاسَ: يَحْتَاجُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؛ فَيَقِفُونَ عَلَى أَبْوَابِ اللِّئَامِ، وَقَدْ سُئِلَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَا الذُّلُّ؟ قَالَ: أَنْ يَقِفَ الْكَرِيمُ بِبَابِ اللَّئِيمُ، ثُمَّ يَرُدُّهُ".

 

وَإِذَا تَيَقَّنَ الْعَبْدُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ: الْقَوِيُّ الْمَتِينُ؛ فَالْعَقَبَاتُ جَمِيعُهَا تَتَبَدَّدُ، فَالْقُوَّةُ لِلَّهِ جَمِيعًا؛ وَهِيَ: قُوَّةٌ فِي الْعَطَاءِ، وَقُوَّةٌ فِي الْعِلْمِ، وَقُوَّةٌ فِي الْحِكْمَةِ، فَأَعْلَى الصِّفَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى قَدْ تُوصَفُ بِالْقُوَّةِ.

 

وَهُنَا؛ يَنْقَطِعُ الرَّجَاءُ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ: الْقَوِيُّ الْمَتِينُ -جَلَّ جَلَالُهُ-؛ فَكَثِيرٌ مِنَ الْخَلْقِ يَتَعَلَّقُونَ بِالْمَخْلُوقِ وَيَتْرُكُونَ الْخَالِقَ، وَيَرْجُونَ الْفَقِيرَ وَيَتْرُكُونَ الْغَنِيَّ، وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى الضَّعِيفِ وَيُهْمِلُونَ الْقَوِيَّ الْمَتِينَ، فَإِذَا سُدَّتِ الْأَبْوَابُ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ؛ الْتَجَؤُوا إِلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ الْقَوِيِّ الْمَتِينِ، وَكُلَّمَا تَعَلَّقَ الْمَرْءُ بِضَعِيفٍ مِثْلِهِ خَابَ ظَنُّهُ، فَإِنْ أَنْزَلَ حَاجَتَهُ عِنْدَ الْمَلِكِ الْكَرِيمِ قُضِيَتْ حَاجَتُهُ، وَكَانَ عَزِيزًا، فَاللَّهُ يَغَارُ أَنْ يَتَعَلَّقَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْرِهِ، وَأَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ يَنْقَادَ إِلَى غَيْرِهِ، أَوْ يُرِيقَ مَاءَ وَجْهِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ.

 

فَالْمُؤْمِنُ عَزِيزٌ؛ إِلَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ فَهُوَ: مُتَذَلِّلٌ لِلَّهِ ثُمَّ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[الْمَائِدَةِ: 54]؛ فَالْمُؤْمِنُ مَعَ اللَّهِ يَتَذَلَّلُ وَيُمِرِّغُ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ زَادَهُ اللَّهُ عِزَّةً وَرِفْعَةً فِي الدَّارَيْنِ، فَتَرَاهُ دَائِمًا مُسْتَرْضِيًا اللَّهَ؛ يَسْتَغْفِرُهُ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ، وَيَسْأَلُهُ حَتَّى مِلْحَ طَعَامِهِ وَشِسْعَ نَعْلِهِ، يُلِحُّ عَلَى اللَّهِ الْقَوِيِّ الْمَتِينِ، لَا يَخْضَعُ لِكَافِرٍ، وَلَا يَتَوَسَّلُ لِمَخْلُوقٍ، وَلَا يَتَضَعْضَعُ لَهُ.

 

وَقَدْ قِيلَ: مَنْ جَلَسَ إِلَى غَنِيٍّ فَتَضَعْضَعَ لَهُ؛ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ؛ فَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ الْحَقُّ يَعْلَمُ: أَنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ مَتِينٌ، وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، يُحِقِّقُ الْأَمَانِيَّ، وَيَجْعَلُ الْبَعِيدَ قَرِيبًا وَالْحُلُمَ حَقِيقَةً.

 

وَهَذَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَأْتِي بِأَهْلِهِ إِلَى وَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ؛ فَيُسْكِنُ الْمَرْأَةَ الضَّعِيفَةَ وَالطِّفْلَ الصَّغِيرَ فِي هَذَا الْوَادِي؛ فَيَقُولُ مُتَوَكِّلًا وَاثِقًا بِقُوَّةِ اللَّهِ؛ (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ)، رَبِّي قَرَّبْتُهُمْ مِنْ بَابِكَ، وَقَطَعْتُ رَجَاءَهُمْ مِنْ دُونِكَ؛ رَبِّي لِيَقُومُوا بِخِدْمَتِكَ؛ فَأَنْتَ أَوْلَى بِهِمْ مِنِّي وَمِنْهُمْ؛ (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)[إِبْرَاهِيمَ: 37]؛ فَذَلِّلِ الْعِبَادَ لَهُمْ إِذَا احْتَاجُوا إِلَى شَيْءٍ؛ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 

اللَّهُمَّ يَا مَتِينُ هَبْ لَكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا فَوْقَ مَا يَسْأَلُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَصَابَ رَجُلًا حَاجَةٌ؛ فَخَرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَا نَعْتَجِنُ وَمَا نَخْتَبِزُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ وَالْجَفْنَةُ مَلْأَى عَجِينًا، وَفِي التَّنُّورِ جُنُوبُ الشِّوَاءِ، وَالرَّحَى تَطْحَنُ؛ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، فَكَنَسَ مَا حَوْلَ الرَّحَى؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ تَرَكَهَا لَدَارَتْ -أَوْ قَالَ: طَحَنَتْ- إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ).

 

هَذِهِ رِسَالَةٌ إِلَى مَنْ حَلَّ بِهِ الْهَمُّ، وَضَعُفَ حَالُهُ، وَسَئِمَ عَيْشَهُ، وَضَاقَ ذَرْعًا بِالْأَيَّامِ، وَذَاقَ حَرَارَةَ الْغُصَصِ؛ أُبَشِّرُكَ بِأَنَّ هُنَاكَ فَتْحًا قَرِيبًا، وَنَصْرًا مُبِينًا، وَفَرَجًا بَعْدَ شِدَّةٍ، وَتَيْسِيرًا بَعْدَ عُسْرٍ، وَقُوَّةً بَعْدَ ضَعْفٍ؛ (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الرُّومِ: 6].

 

فَإِذَا كُنْتَ ضَعِيفًا وَرَبُّكَ قَوِيٌّ مَتِينٌ؛ فَلَا تَخَفْ فَأَنْتَ عَبْدٌ قَوِيٌّ، وَعَبْدٌ مَتِينٌ؛ فَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ كَفَاهُ، وَمَنِ اسْتَغْنَى بِاللَّهِ أَغْنَاهُ، وَلَا تَشْكُ الْقَوِيَّ إِلَى الضَّعِيفِ.

 

وَإِذَا شَكَوْتَ إِلَى ابْنِ آدَمَ إِنَّمَا *** تَشْكُو الرَّحِيمَ إِلَى الَّذِي لَا يَرْحَمُ

 

فَالْقُوَّةُ؛ أَنْ تَتَمَسَّكَ بِاللَّهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ أَفْرَادًا وَأُمَمًا، أَمَا تَرَى إِلَى حَالَةِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عِنْدَمَا تَخَلَّتْ عَنِ اعْتِمَادِهَا عَلَى اللَّهِ، وَعَلَّقَتْ آمَالَهَا بِعَدُوِّهَا؟ سَقَطُوا عِنْدَ اللَّهِ، وَسَقَطُوا فِي أَعْيُنِ أَعْدَائِهِمْ فَهُمْ فِي ذُلٍّ وَخَسَارَةٍ، وَلَنْ تَعُودَ إِلَيْهِمُ الْعِزَّةُ وَالْمَنَعَةُ حَتَّى يَتَعَلَّقُوا بِاللَّهِ الْقَوِيِّ الْمَتِينِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

 

وَهُنَا؛ يَأْتِي النَّصْرُ الْمَرْجُوُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- قَالَ: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْمُجَادَلَةِ: 21]، وَقَالَ: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الْمُجَادِلَةِ: 22].

 

وَلَكِنَّ الْقُوَّةَ وَالنَّصْرَ وَالتَّمْكِينَ لَا تَأْتِي بِالتَّمَنِّي وَالْقُعُودِ، وَإِنَّمَا تَأْتِي بِالسَّعِي إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)[الْأَنْفَالِ: 60]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

فَالْمُؤْمِنُ الْحَقُّ مُتَوَاضِعٌ لِإِخْوَانِهِ، قَوِيٌّ أَمَامَ الْمُشْرِكِينَ، قَوِيٌّ فِي الْحَقِّ؛ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِلَى عُمَرَ؛ فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ النَّاسَ هَابُوا شِدَّتَكَ قَالَ لَهُ: وَاللَّهِ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي قَلْبِي مِنَ الرَّحْمَةِ لَأَخَذُوا عَبَاءَتِي هَذَهِ؛ وَلَكِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يُنَاسِبُهُ إِلَّا كَمَا تَرَى".

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَتِينِ: أَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

 

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

المتين -جل جلاله-.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات