المتطوعة البحرية ودورهم في حركة الفتوحات الإسلامية

شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي

2022-10-12 - 1444/03/16

اقتباس

لم يظهر دور المتطوعة البحرية إلا بعد سقوط الدولة الأموية؛ ذلك لأن الدولة الأموية كانت دولة جهاد بحري من الطراز الأول، فلم تترك مجالاً لعمل المتطوعين، وإنما ظهر دورهم-بدايةً-مع الدولة العباسية التي أهملت-قليلاً-أمور الجهاد البحري؛ لاهتمامها بالتوسع البري شرقًا، وكان لقيام الدولة الأموية في الأندلس؛ دور كبير في دفع عجلة المتطوعة البحرية.

 

 

 

 

هذه هي الصفحة الأروع والأبرز في تاريخ الفتوحات البحرية للمسلمين، ذلك لأن الأساطيل النظامية كانت ترتبط بالدولة التابعة لها، قوةً وضعفًا، سلمًا وحربًا، وبالتالي فإن نشاطها وتحركاتها كانت خاضعة للكثير من المعايير السياسية والإقليمية التي-غالبًا-ما تحد من نشاطها وقوتها، مما ترك مساحاتٍ كبيرةٍ من العمل البحري، لم يغطها سوى أساطيل البحارة المتطوعين، الذين قاموا بأروع الأدوار كجبهة متقدمة للجهاد ضد أعداء الأمة، وذلك نيابة عن دولة الخلافة التي كانت تعتريها عوامل الضعف في أحيان كثيرة، وذلك عبر التاريخ الإسلامي حتى العصر الحديث.

 

لم يظهر دور المتطوعة البحرية إلا بعد سقوط الدولة الأموية؛ ذلك لأن الدولة الأموية كانت دولة جهاد بحري من الطراز الأول، فلم تترك مجالاً لعمل المتطوعين، وإنما ظهر دورهم-بدايةً-مع الدولة العباسية التي أهملت-قليلاً-أمور الجهاد البحري؛ لاهتمامها بالتوسع البري شرقًا، وكان لقيام الدولة الأموية في الأندلس؛ دور كبير في دفع عجلة المتطوعة البحرية.

 

وقد برز دور المتطوعة البحرية في كل عصور التاريخ الإسلامي حتى العصر الحديث ونستطيع أن نقسم أدوار المتطوعين-تاريخيًا-كالآتي:

 

1-المتطوعة البحرية في الأندلس.

 

2-المتطوعة البحرية في الدولة العباسية.

 

3-المتطوعة البحرية في المغرب العربي.

 

4-المتطوعة البحرية في الخليج العربي.

 

أولاً: المتطوعة البحرية في الأندلس:

  

الأندلس شبه جزيرة تحيط بها البحار والمحيطات من ثلاثة اتجاهات، وتلك الطبيعة الجغرافية البحرية، أكسبت أهل الأندلس خبرات بحرية عالية، ومهارات لا تتوافر في كثير من باقي الشعوب الإسلامية، ولكن اضطراب الأوضاع السياسية داخل الأندلس خلال الفترة من (92هـ حتى 138هـ)؛ أثر على حركة الجهاد عمومًا والبحري خصوصًا.

 

مع قيام الدولة الأموية بالأندلس سنة(138هـ)، استقرت الأوضاع الداخلية-نسبيًا-ولكن بعد سنوات من الصراع مع الخصوم؛ من أجل توطيد الحكم الأموي بالأندلس، وابتداءً من سنة(172هـ) بدأ المتطوعون الأندلسيون في القيام بواجب الجهاد البحري، وذلك نيابة عن الدولة الأموية التي لم تكن تمتلك حينها أسطولاً بحريًا نظاميًا، وأقام المتطوعون مراكز بحرية قوية على الساحل الشرقي للأندلس، وهو الساحل المتحكم في الحوض الغربي للبحر المتوسط، مثل مركز بجانة وألمرية.

 

ومع دخول القرن الثالث الهجري؛ بلغ نشاط المتطوعة البحرية أوج قوته، حيث نجح المتطوعة-وكان معظمهم من أهل قرطبة-في فتح جزيرة كريت (أقريطش) سنة (212هـ -827م) وأقاموا بها حضارة إسلامية عظيمة، ولم تلبث كريت أن تحولت إلى أكبر قاعدة إسلامية بغزو جنوب أوروبا، وسواحل الدولة البيزنطية.

 

ومن مظاهر قوة النشاط البحري للمتطوعة؛ نزول جماعة من غزاة البحر-المسلمين-بالنزول في دلتا (نهر الرون) في فرنسا، وأنشئوا قاعدة عسكرية، انطلقوا منها للإغارة على فرنسا، وشمال إيطاليا وسويسرا، وفيما بين سنتي( 278هـ - 281هـ)؛ تمكنت جماعة من غزاة البحر المسلمين من الأندلسيين من النزول في خليج سان تروبنر على شاطئ بروفانس في جنوبي فرنسا، وتحصنوا في جبل فراكسينتوم (المطل على الخليج)، وتضخم أعداد المتطوعين بها، واتسمت غاراتهم بالجراءة، حتى مدوا نشاطهم إلى سفوح جبال الألب، وملكوا نواحي الممرات المتجهة إلى روما، حتى أنهم قد أغاروا على روما، وفتحوا المدينة القديمة، وكادت روما أن تقع في أيديهم، واضطر بابا روما لدفع الجزية لهم حتى يعودوا عنها.

 

ظل المتطوعون الأندلسيون متمركزين في قاعدة فراكسينتوم فترةً طويلةً من الزمن؛ حتى نشأت فرق طيارة منهم؛ تخرج لضربات سريعة في مخارم جبال الألب، وفي سنة( 328هـ) وصل المتطوعون إلى مدينة سان جالي (في قلب سويسرا)، وحاول الأوروبيون الغربيون (الفرنج) صدهم ففشلوا، وفي سنة( 332هـ) تحالف هوجو (ملك إيطاليا) مع رومانوس ليكابنيوس (إمبراطور بيزنطة)؛ من أجل إخراج هؤلاء المتطوعين الأبطال من قاعدتهم البحرية (فراكسينتوم)، ولكنهم فشلوا، حتى أخرجهم أوتو الأول (إمبراطور ألمانيا)، وهو في نفس الوقت إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة سنة( 361هـ)، ومع ذلك فلم تكن تلك نهايتهم، بل نجدهم يتفرقون في وديان جبال الألب، وكل فريق يواصل نشاطه حتى ذابوا في السكان مع الزمان واختفوا، وإلى يومنا هذا ما زالت وديان كثيرة في جبال الألب الجنوبية في سويسرا، تحمل أسماء المغامرين الأبطال من متطوعي الأندلس.

 

الجدير بالذكر أن خبر قاعدة فراكسينتوم ومتطوعة الأندلس في جبال الألب لم يذكر في أية مراجع إسلامية، ولم يعلم بهم حتى الدول الإسلامية القائمة وقتها، على الرغم من الدور الكبير التي لعبت تلك المجموعات في ردع القوى الأوروبية عن الهجوم على السواحل الإسلامية، ولم تعلم أخبار تلك المجموعات إلا من المراجع والمدونات الأوروبية.

 

وعلى الرغم من كثرة الفتن والاضطرابات الداخلية بالأندلس، والتي عصفت باستقرار الأندلس طوال القرن الثالث الهجري؛ إلا أن حركة المتطوعين البحرية لم تتوقف، وظلت تحقق إنجازات كبيرة؛ حفظت الأندلس من العدوان الخارجي، الذي لو قدر ووقع؛ لكان ضياع الأندلس قد وقع مبكرًا-جدًا-؛ لكثرة الثائرين والخارجين بجنبات الأندلس.

 

ومع انحسار السيطرة الإسلامية على الحوض الغربي والأوسط للبحر المتوسط، وسقوط جزيرة صقلية بيد النورمان؛ ضعفت نشاطات المتطوعين الأندلسيين في جنوب أوروبا، وتحولت من الهجوم للدفاع، وبعد سقوط الأندلس، انطلقت آلاف الأسر الأندلسية إلى عدوة المغرب، وجزر البحر المتوسط، واستوطنوها، ونشروا بين أهلها ثقافة الجهاد البحري، ومن نسل هؤلاء ظهر معظم قادة الأساطيل العثمانية الأفذاذ مثل: عروج، وبربروسا والريس بيري، وحسين الرومي وغيرهم.

 

ثانيًا: المتطوعة البحرية في الدولة العباسية:

 

أيام الدولة الأموية كانت دمشق العاصمة، وبلاد الشام هي عقر دار الإسلام، والدولة معها؛ أعطى الجهاد البحري زخمًا كبيرًا، ولكن تغير الحال مع قيام الدولة العباسية، التي اتخذت في بلاد العراق حاضرةً لها، ومن بغداد عاصمةً لها؛ مما أكسبها البعد الآسيوي البري، فضعفت حركة الجهاد البحري-عمومًا-ما عدا أيام الخليفة هارون الرشيد، الذي كان له اهتمامات بحرية واسعة، ولكن خلفاءه ساروا على خطة توسع برية شرقية، مما ساهم في ضعف حركة الجهاد البحري، هذا الخلو الذي حدث في مساحة الجهاد البحري، لم يغطه إلا المجاهدون المتطوعون الذين أنشئوا لهم مراكز بحرية في سواحل الشام، ومصر، والشمال الإفريقي، ولم يكن نشاط المتطوعين في شرق البحر المتوسط بأقل من نشاط إخوانهم المتطوعين في الأندلس في غرب ووسط البحر المتوسط.

كانت "طرسوس" هي أهم وأكبر القواعد البحرية للمتطوعين في الدولة العباسية، وكان أهلها محبين للجهاد والغزو، وكذلك ولاتها وأمرائها، وكان لهم صولات وجولات ضد الدولة البيزنطية، وفي أواخر القرن الثالث الهجري؛ ظهر أعظم بحار مسلم متطوع في مرحلة ما قبل العصور الوسطى، وهو (ليو الطرابلسي) المذكور باسم غلام زرافة في المراجع الإسلامية والعربية، وكان قائد فرق المتطوعين في شرق البحر المتوسط، وقد استطاع أن يجمع حوله وتحت لوائه نخبة من أمهر وأشجع البحارة المسلمين المعاصرين، شنوا حملات قوية وجريئة على سواحل الدولة البيزنطية، وأشهر تلك الحملات كانت على ثغر تسالونيكا (سلانيك حاليًا في تركيا) سنة( 291هـ)، حيث أوقع بالبيزنطيين هزيمة ساحقة.

 

كان معظم نشاط المتطوعة البحرية في الدولة العباسية متمركز على السواحل الغربية للدولة البيزنطية، وجزر بحر الأرخبيل، وكان القرن الثالث والرابع الهجري ذروة النشاط البحري للمتطوعين، ولكن مع دخول النفوذ الفاطمي إلى الشام بعد مصر في أواخر القرن الرابع الهجري؛ توقفت حركة المتطوعين بصورة كبيرة؛ لكثرة الفتن والاضطرابات بالشام، ثم لم تلبث أن توقفت بالكلية مع دخول الصليبيين واحتلالهم لمعظم سواحل الشام، وضاعت القواعد والمراكز البحرية للمتطوعين.

 

 

 ثالثًا: المتطوعة البحرية في المغرب العربي:

 

بلاد الشمال الإفريقي-عمومًا-والمغرب العربي-خصوصًا-بأجزائه الثلاثة (إفريقية – المغرب الأوسط – المغرب الأقصى)؛ تعد بلادًا بحرية، يعاني أهلها فنون البحر منذ أزمان بعيدة، فما من دولة بالمغرب العربي الإسلامي إلا ولها سواحل طويلة على البحر المتوسط، والمغرب الأقصى له سواحل طويلة على المحيط الأطلسي، أو ما كان يعرف ببحر الظلمات.

 

ومعظم الدول التي ظهرت في منطقة الشمال الإفريقي أو المغرب العربي كانت دول بحرية من الطراز الأول، تمتلك أساطيل نظامية قوية، وأيضًا بها العديد من مراكز المتطوعة البحرية، الذين أسهموا-بشدة-في إثراء وإنماء تلك الدول، مثل دولة الأغالبة، والدولة الفاطمية، والدولة الموحدية، والدولة المرينية، والدولة السعدية، وغيرهم، وتلك الدول شجعت المتطوعين البحريين على شن هجمات صاعقة على القوى الأوروبية المتربصة بالشمال الإفريقي خاصة أسبانيا، والبرتغال، وأعوانهم من فرسان القديس يوحنا في مالطة.

 

وكان لسقوط دولة الإسلام في الأندلس سنة( 897هـ - 1492م)؛ أثر كبير في تذكية حماس، وحمية المتطوعة البحرية في المغرب العربي، ذلك لأن سقوط الأندلس؛ أعقبه حملة أسبانية صليبية شديدة الشراسة، استهدفت من بقى من المسلمين بالأندلس، من أجل إرغامهم على التنصر، وعندها اضطر آلاف المسلمين للفرار بدينهم من الأندلس لعدوة المغرب، وقد سجل التاريخ الإنساني جرائم وحشية للأسبان، الذين كانوا يتعقبون المسلمين الفارين في البحر، ويغرقونهم بأسرهم وأمتعتهم في البحر، وتعالت صيحات الاستغاثة لتصل إلى مسلمي المغرب العربي، فثارت حميتهم، وكانوا أهل دربة ومهارة في ركوب البحر، ومن ثم بدأت فصول الصراع الكبير والرائع بين المتطوعة البحرية المغربية وبين أسبانيا والبرتغال، ومن عاونهم من ناحية أخرى، وهو الصراع الذي استمر قرابة الثلاثة قرون.

 

ومما زاد في حدة الصراع أن أسبانيا والبرتغال لم يكتفيا بجرائمهم ضد المسلمين في بلادهما، وفي عرض البحر، بل قاما بإطلاق حملات بحرية صليبية كبرى؛ من أجل احتلال سواحل المغرب العربي، فاحتل الأسبان مدن "بجاية" و"وهران" و"الجزائر" سنة 920هـ، ودخل ملوك الحفصين-بتونس-في طاعة الأسبان، كما قام البرتغاليون بالدوران حول القارة الإفريقية، واحتلوا عدة مدن استراتيجية بالمغرب، مثل مدينة آسفى وأزمور، وقد صبغ الأسبان والبرتغاليون صراعهم ضد المغرب العربي بصبغة دينية صليبية محضة؛ لضمان التأييد الأوروبي والدعم الشعبي. وقد برز خلال ذلك الصراع المتطوعة البحرية من كل قطر من أقطار المغرب كما يلي:

 

 رجال البحر المراكشيون (المغرب الأقصى):

 

المغرب الأقصى وقاعدته مراكش، التي بناها المرابطون في أواخر القرن الخامس الهجري، هي منتهى العالم الإسلامي من ناحية الغرب، وموقعها الجغرافي شديد الاستراتيجية، وتطل على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي؛ مما جعلها هدفًا-دائمًا-للعدوان الأسباني والبرتغالي، ولكن انتصار المغاربة على البرتغاليين في وادي المخازن سنة (986هـ -1578م)؛ أنهى محاولات البرتغاليين للتدخل في شئون المغرب.

 

واتبع السلطان أحمد المنصور الملقب بالذهبي سنة (986هـ -1021هـ) سياسة الجهاد البحري؛ لردع العدوان الصليبي على بلاده من أسبانيا والبرتغال، وفي نفس الوقت عمل على نشر الإسلام بين الأفارقة ومد نفوذ الإسلام في حوض نهر السنغال حتى نهر النيجر، وذلك لمنع تقدم البرتغاليين على الشواطئ الغربية للقارة الإفريقية.

 

وعندما ضعفت حركة الجهاد البحري في أواسط القرن السابع عشر ميلادي؛ احتل البرتغاليون عدة مدن بالمغرب مثل "المهدية" و"العرائش" و"أصيلة" فكان ذلك جرس إنذار شديد للمجاهدين بالمغرب؛ فأسرعوا واستردوا تلك المدن من يد البرتغاليين، ومع دخول الاحتلال الفرنسي إلى الجزائر؛ نشطت حركة المتطوعة البحرية المغربية؛ لردع الأساطيل الأوروبية بخاصة الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، عن التفكير في الهجوم على المغرب الأقصى، ولكن مع وقوع المغرب تحت الاحتلال الفرنسي الأسباني المشترك؛ توقفت حركة الجهاد البحري للمتطوعة.

 

 رجال البحر الجزائريون:

 

يعتبر المتطوعون الجزائريون من ألمع وأبرز رجال الجهاد البحري الإسلامي في القرن العاشر الهجري وما بعده؛ ذلك أن المياه الجزائرية كانت مسرحًا لبطولات الأخوين: بابا عروج، وخير الدين بربروسا (أي صاحب اللحية الحمراء)، كما سبق وأن أشرنا عنهما في المبحث السابق وعلاقتهما بالدولة العثمانية. وإلى بابا عروج يرجع الفضل الكبير-بعد الله عز وجل-في إذكاء الشعور الإسلامي والوطني ليس لشعب الجزائر فحسب؛ ولكن لشعوب الشمال الإفريقي والمغرب العربي كله، فلقد انضم إلى أسطوله الكثير من المتطوعة الراغبين في الجهاد ضد أعداء الإسلام من الأسبان والبرتغاليين، وبعد استشهاد بابا عروج، واصل أخوه خير الدين قيادة المتطوعين وأمده العثمانيون بالسلاح والرجال، فتطورت الأعمال الجهادية البحرية وصارت أكبر قوة بحرية في الحوض الأوسط للبحر المتوسط، وأثبت خير الدين-بالفعل-أنه المجاهد البحري الأول، ودرع الأمة أمام أعدائها، وقد منحه السلطان سليمان القانوني لقب بيكلربك أريقية (أي بك بكوات المغرب)، ثم منحه لقب قبودان باشا الأساطيل العثمانية، وخير الدين هو الذي بنى مدينة الجزائر، واتخذها عاصمة لإمارته المجاهدة.

 

بعد رحيل خير الدين سنة(953هـ) استمر رجال البحر الجزائريون في جهادهم، واشتهر منهم حسن باشا بن خير الدين، وصالح ريس، والحاج علي، وقد نجح الأخير في تصفية القواعد الأسبانية في تونس عام 1569 ميلادية مما أقلق كرسي البابوية؛ فأعلن عن تشكيل حلف صليبي ضد المتطوعة البحرية الجزائرية، فتحالف المتطوعة في المغرب مع إخوانهم متطوعة الجزائر، وجرت فصول طويلة من القتال بين الجانبين.

 

وفي مؤتمر التسوية الأوروبية في فيينا سنة( 1815م)؛ أظهر الأوروبيون روحًا صليبية عدائية ضد عمليات المتطوعين البحرية، وانتهى المؤتمر بتوصيات خطيرة بمهاجمة أساطيل المتطوعين، وضرورة وضع المياه الإقليمية للمغرب العربي كله، تحت حراسة دولية للوقوف ضد ما أسموه "القرصنة الإسلامية" وبالفعل اشتركت الأساطيل الإنجليزية والهولندية في العدوان على الأسطول الجزائري حيث تم إغراق معظم قطع الأسطول، وتدمير جزء من تحصينات مدينة الجزائر، فاضطر والي الجزائر لإطلاق سراح الأسرى الأوروبيين وكانوا من الأسبان والطليان وعددهم حوالي( 1200) أسير وذلك سنة( 1816م)، ولكن نهاية المتطوعة البحرية الجزائرية كان في معركة نوارين البحرية باليونان، عندما اشتركوا مع الأسطول المصري والعثماني، وتعرضوا لهزيمة قاسية قضت-نهائيًا-على واحدة من أعظم القوى البحرية الإسلامية في البحر المتوسط.

 

 رجال البحر التونسيون:

 

نشاط المتطوعة البحرية في تونس قام على أكتاف قادة الدولة العثمانية أمثال: طرغوت باشا منذ عام 1553م والذي شارك في الدفاع عن تونس ضد الأسبان وفرنسا، واستخلص منهم مدينة قفصة عام 1556م، وبعدها بعامين استخلص مدينة القيروان، وظل يجاهدهم حتى استشهد في القتال ضد فرسان مالطة.

 

ورغم أن موقع تونس الجغرافي، وطبيعة سواحلها على البحر المتوسط؛ تتيح لها أفضل عمليات الجهاد البحري، إلا أنه من المحزن أن ولاة تونس قد أهملوا شأن الجهاد البحري، وتركوا مهمة حراسة السواحل التونسية، والجهاد في مياهها الإقليمية للمتطوعة من الجزائر، وكان موقف ولاة تونس موقفًا سلبيًا من الأحداث الكبيرة، والصراع الضخم الذي وقع في البحر المتوسط بين صليبي أوروبا ومتطوعة الجزائر والمغرب، حتى أنَّ خسرو باشا (قائد الأسطول العثماني) لم يجد سفنًا تونسية تشترك معه في حرب اليونان؛ للإهمال الكبير لشأن الجهاد البحري من قبل ولاة تونس.

 

 

 

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات