عناصر الخطبة
1/جزاء المترفين ليوسف السجن 2/ أبرز صفات المترفين 3/ حال المسلمين وأثر المترفين 4/ التحذير من المترفين.اقتباس
الويل للمجتمعات من المترفين إذا ما تسلطوا عليها وتحكموا في شؤونها.. إذا ألقيت نظرة من حولك أيها المسلم, تجد أكثر مجتمعات المسلمين اليوم وقد تسلط عليها المترفون المفسدون الفاسدون. ما أسوأ حال المسلمين اليوم, تحكم فيهم الحشاشون والفجرة والسراقون, وهؤلاء إنما تنكشف أخبارهم حينما يسقطون. إذا سقط أي واحد منهم انكشفت مخازيه على رؤوس الأشهاد, فإذا هي سرقات بالبلايين واستخفاف بالرعية وبأخلاقهم وحقوقهم ومصالحهم. فأي بلاء هذا البلاء الذي أصاب المسلمين اليوم.
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
أما بعد: فقد حكى الله –تعالى- حكاية عن يوسف الصديق -عليه السلام- قال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) [يوسف:33-35].
لقد واجه التقي النقي الطاهر يوسف الصديق ابتلاءً عظيمًا, تمثل في تلك الإغراءات التي لا قِبل لشاب بها وفي تلك الضغوط والتهديدات، ولما حاصرته الدواعي وخشي على نفسه الفتنة, لجأ إلى ربه بالدعاء أن يصرف عنه ذلك البلاء، ويبعد عنه هذا السوء, فاستجاب له الرب الكريم, ولكنهم بعدما ثبتت لهم براءة يوسف, بدلاً من إكرام المحسن ومعاقبة المسيء عكس المترفون القضية فتركوا المسيء يسرح ويمرح، وعاقبوا المحسن بعد أن ثبتت طهارته ونقاؤه وأمانته، وقامت الأدلة الظاهرة الواضحة على ذلك.
لقد سجنوا يوسف من أجل تحقيق هدفين هما: دفن القضية ولملمتها بعد أن فاحت جريمة تلك المرأة الخائنة، وتناولت الشائعات سيرتها في المجالس حاولوا إخفاء جريمتها بالتهمة إلى يوسف, فإن أكثر الناس إذا ما سمعوا بسجنه في ذلك الوقت بعد سماع الشائعات يثبت عندهم اتهام يوسف، وأنه هو الذي حاول مراودة امرأة العزيز عن نفسها.
وتلك خطة دنيئة لتشويه سمعة شاب طاهر ليكون هو الضحية من أجل إخفاء معالم الجريمة. ولكنها خطة فاشلة فإن شمس الحقيقة لا يمكن إخفاؤها, فإنه يمكن للإنسان أن يغطى عينيه بحجاب فلا يرى ولا يبصر، وهذا هو الذي عمله المترفون بيوسف, حاولوا تغطية أعينهم وأعين كثير من الناس في وقتهم. ولكن أين لهم أن يخفوا شمس الحقيقة وشمس يوسف مشرقة.
وهذا الداء العضال هو أبرز ظواهر الطبقات المترفة, فأولاً هم أهل ظلم يضعون الشيء في غير موضعه, ويسندون الأمر إلى غير أهله.
تأمل صورة لذلك هنا, في امرأة العزيز, بل في العزيز نفسه, واسأل نفسك بعد أن سمعت أحوالهما وأفعالهما وأقوالهما, أتصلح تلك المرأة زوجة وسيدة في قصر زوجها, بل أيصلح العزيز للمسؤولية وهذا حاله في بيته؟ سيضيع الرعية من ضيع بيته وأهله.
وثانيا: إن المترفين لا يصلحون فسادًا أبدًا ولا خللاً, بل حالهم دائمًا الهروب والفرار من المسؤولية؛ لأنهم غارقون في شهواتهم, كل همهم الحفاظ على كراسيهم وحماية مصالحهم.
وثالثا حتى ولو تحرك المترفون، واضطروا للتصرف حينما يتفشى الداء وتكثر المشكلات ولا يمكن إخفاؤها, فإنهم عادة بل قل دائما ما يتصرفون بعكس القضية, دائما يعكسون القضية, يعاقبون المحسن ويكافئون المسيء؛ لأن المسيء هو الأقرب لشهواتهم والأنسب لمصالحهم.
فالشبيه يميل إلى شبيهه وينفر من نقيضه. ولذلك تجد النفرة بين المصلحين والمفسدين, بين الأنقياء والملوثين, بين الصالحين والفاسدين. تجد هذه النفرة دائما حتى إذا ما استحكمت وظهرت, يدب الخلاف والصدام, وعادة ما يبدأ الصدام عباد الشهوات.
فإنهم كلما رأوا مصلحا يعيب عليهم فسادهم واستسلامهم لشهواتهم, فإنهم يضيقون به ذرعا, حتى إذا أعجزتهم الحيلة, ناجزوا المصلحين وصادقوهم وهتفوا بكل جرأة ووقاحة, إن لم يكن بلسان المقال فهو بلسان الأفعال: (أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [النمل:56].
الويل للمجتمعات من المترفين إذا ما تسلطوا عليها وتحكموا في شؤونها؛ لأنهم هم أعداء الأنبياء والمرسلين؛ لأن الأنبياء إنما جاؤوا برسالة الإصلاح والهداية ومهمة المترفين الإفساد في الأرض قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) [سبأ:34]. ولذلك فإنهم أعداء المصلحين. فإن الصدام بين المترفين والمصلحين قاعدة مطردة وأمر محتوم ولكن حبل الطغيان قصير والعاقبة للمتقين.
إذا ألقيت نظرة من حولك أيها المسلم, تجد أكثر مجتمعات المسلمين اليوم وقد تسلط عليها المترفون المفسدون الفاسدون. ما أسوأ حال المسلمين اليوم, تحكم فيهم الحشاشون والفجرة والسراقون, وهؤلاء إنما تنكشف أخبارهم حينما يسقطون. إذا سقط أي واحد منهم انكشفت مخازيه على رؤوس الأشهاد, فإذا هي سرقات بالبلايين واستخفاف بالرعية وبأخلاقهم وحقوقهم ومصالحهم. فأي بلاء هذا البلاء الذي أصاب المسلمين اليوم.
الويل للمسلمين إذا استمر تسلط هؤلاء وتحكمهم في الرقاب وعبثهم في مصالح الأمة: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) [هود:116-117].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الترف معناه في اللغة التنعم الزائد, والمترف هو الذي أفسدته النعمة وأطغته. ومن عادة الإنسان وطباعه الطغيان وخاصة إذا أصابه الغنى والسلطان إلا من عصمه الله بالإيمان (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6- 7].
وهذه الظاهرة ما أكثرها في أحوال الناس, فتجد الإنسان وهو في قمة تمتعه بالنعمة تجده جبارًا عنيدًا, لا يخاف من العواقب ولا يفكر في المصير, فعلى بصره غشاوة وإلا فهو يرى كل يوم إنساناً محمولاً على الأعناق والأعواد يهرولون به إلى حفرته ويعلم علم اليقين أنه صائر إلى ذلك المصير وبالرغم من ذلك فهو لا يعتبر. فهو مهما بلغ من الجبروت والطغيان, فإنه يوما ما سيحملونه على الأعواد ويحشرونه في حفرته.
وليس غريبا أن تعمى بصيرة المترف ويعجبه حجاب الغنى, فإن المترف قد وقع فريسة لشبكة معقدة من الأهواء والشهوات, المصالح المتشابكة والملذات التي ترتبت على استسلامه لحياة الترف.
ولذلك فقد حذر النبي الصادق الأمين, حذر الأمة من الاستسلام لحياة الترف والنعيم. تملك الأموال, لا يمنع ذلك أحد, تملك النفوذ والسلطان لم يحظر عليك ذلك أحد, ولكن ندب أمته من أن يتقللوا في حياتهم, أن يكتفوا بالقليل ولا يعودوا أنفسهم على الترف, فإن الترف مفسد للنفوس ومقسٍ للقلوب, ينسي العبد مقامه بين يدي رب العالمين ويصرفه عن نفسه. ولذلك حذر سيدنا رسول الله من ذلك فقال لأصحابه الكرام: "ما الفقر أخشى عليكم, ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت للذين من قبلكم, فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم" (البخاري: 2988).
ولذلك أيضًا بدأ الرسول بنفسه فاكتفى من هذه الدنيا بزاد الراكب, تقلل في عيشه مع أن الدنيا كلها كانت بين يديه ولكنه مر بها مرور الراكب. كان عليه الصلاة والسلام في حياته على هذا المنهج, أخذا بالعزيمة, فكان يمر الهلال والهلالان وليس في بيت النبي إلا الأسودان التمر والماء.
إن الداء ليس في أصل النعمة التي يمنّ الله بها على العباد إذا أنعم الله على إنسان بنعمة فالداء ليس في أصل النعمة،ولكن في الإنسان الذي يوهب تلك النعمة فيتغير حاله ويبارز ربه بالعظائم والمنكرات، ويسخر تلك النعمة والأموال والقوة للفساد في الأرض والصد عن سبيل الله ومحاربة الله ورسوله والعياذ بالله.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هديه -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
وعليكم أيها المسلمون بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار، واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين-.
يا ابن آدم! أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان، ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله بها عليه عشرًا" (صحيح مسلم: 408).
اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم