عناصر الخطبة
1/المال فتنة في جمعه وإنفاقه 2/حرمة المال العام 3/التحذير من الجرأة على المال العام 4/وصايا عامة للموظفين والمسؤولين.اقتباس
مِن أعظمِ الخيانةِ خيانةُ مَن حَمَلَ أمانةَ عملٍ من أعمالِ المسلمين، ثم اتَّخذَ من ذلك العمَلِ مطيّةً لجمعِ الأموالِ ونيلِ المصالحِ الخاصّةِ، كاتخاذِ يدٍ له عند مسئولٍ، أو بالنّهبِ أو الابتزازِ أو الرشوةِ أو التحايُلِ بالباطلِ أو فرْضِ مقابلٍ على عملِه بلا حقٍّ.
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ للهِ؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يهِده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ له. وأشهد أن لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلى اللهُ وسلم عليه وعلى آله وأصحابهِ ومن سار على نهجِه إلى يومِ الدينِ.
أما بعد: فاتقوا اللهَ -تعالى-: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[الأنفال:28]؛ "فتنةٌ في تحصيلِها، وفتنةٌ في تمويلِها، وفتنةٌ في إنفاقِها. المال أكبرُ همِه وشغلُ قلبِه، إن قام فهو يفكرُ فيه، وإن قعدَ فهو يفكرُ فيه، وإن نامَ كانت أحلامُه فيه"(الضياء اللامع من الخطب الجوامع: 2/8).
وقد روى البخاريُ أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(صحيح البخاري:3118). "يتخوضون: أي: يتصرفون في مالِ المسلمين ببذلِها فيما يَضر"(فتح الباري لابن حجر:6/219).
فيا تُرى: مَن أولئكَ المتخوضونَ في مال اللهِ بغير حق؟
إنهم أشكالٌ، ومُخادعاتُهم ضَلال، وأشدُها ما أُخذَ بغير وجهِ حقٍّ من المالِ العامِ للمسلمين. وإذا كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ"(صحيح مسلم: 370)، إذا كان هذا ترهيبُه لأجلِ حقِّ مسلمٍ واحدٍ؛ فكيف بالأخذِ من أموالِ المسلمينَ التي هيَ حقٌ لهم جميعاً؟! فالأمرُ أشنعُ، وفي الآخرة أفظعُ.
ومِن الجهلِ والضلالِ قولُ بعضِ العامةِ: "هذا مالُ الدولةِ، والدولةُ غنيةٌ عنه". قال الشيخُ ابنُ عثيمينَ –رحمه الله-: "بيتَ مالِ المسلمين أعظمُ من مُلكِ واحدٍ معيّنٍ؛ وذلك لأن سرقتَه خيانةٌ لكل مسلم، بخلافِ سرقةِ أو خيانةِ رجلٍ معينٍ فإنه بإمكانك أن تَتحللَ منه وتَسلمَ"(الشرح الممتع على زاد المستقنع: 14/ 354).
ومَن توظفَ في مسجد؛ إمامًا أو مؤذنًا أو خادمًا، وهو لا يَحضرُ أصلاً، فقد أفتَتْ في شأنهم اللجنةُ الدائمةُ للإفتاءِ بأن: "الواجبَ إخراجُ جميعِ المبلغِ الذي تَسلمَه بغيرِ حق، وصرْفُه في عِمارةِ أحدِ المساجدِ، أو التصدقِ به على الفقراء"(فتاوى اللجنة الدائمة 23/ 419).
أيها المسلمون: إن موقفَ القيامةِ موقفٌ عصيبٌ ومشهدٌ رهيبٌ. وبعضُ الناسِ يَستسهِلُ أخذَ الأشياءِ القليلةِ أو الرخيصةِ وهذا ما حذر منه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ. قَالَ: "وَمَا لَكَ". قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: "وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى"(صحيح مسلم: 4848).
معاشرَ المسلمين: مِن أعظمِ الخيانةِ خيانةُ مَن حَمَلَ أمانةَ عملٍ من أعمالِ المسلمين، ثم اتَّخذَ من ذلك العمَلِ مطيّةً لجمعِ الأموالِ ونيلِ المصالحِ الخاصّةِ، كاتخاذِ يدٍ له عند مسئولٍ، أو بالنّهبِ أو الابتزازِ أو الرشوةِ أو التحايُلِ بالباطلِ أو فرْضِ مقابلٍ على عملِه بلا حقٍ.
واعلموا أن ثمة مفسدين في الأرض، فلا تَسكُتوا عن إفسادِهم، فسفينتُنا
واحدةٌ، وتعاونوا على تقويمِ المِعْوجِ في التجاوزاتِ الماليةِ والإداريةِ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة:2]؛ علمًا أن الدولةَ فتحَتْ حسابًا بالبنوكِ لاسترجاعِ الأموالِ العامةِ المختلَسَةِ.
فلا تستَهِنْ بالقليلِ من أموالِ المسلمينَ العامةِ، فإن القليلَ مع القليلِ كثيرٌ، ولأجل أن نَتهيّبَ ذلك فلنتأملْ في حالِ رجلٍ خرجَ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- للجهادِ، إِذَا سَهْمٌ-عَائِرٌ- فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ. فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا"(صحيح البخاري 4234، ومسلم: 325). فإذا كان هذا في شملةٍ محقَّرةٍ؛ فكيف سيكونُ الأمرُ لو كانت ملايينَ طائلةٍ؟!
يا جماعةَ كلِّ مسجدٍ: راعُوا الكهرباءَ والماءَ لا تَضِعْ؟
يا أيُّها الموظفُ: راعِ ثلاثًا:
حافظْ على وقتِ عملِك؛ لتأكلَ حَلالاً.
كن جادًا بعملِك، وأنجِزْ ما يجب، بل بادِر بما لا يَجب لتُحَبّ.
المرافقُ الحكوميةُ لا تَستخدِمْها استخدامًا شخصيًا.
يا مسئولاً عن عمل: راعِ رعيَتَك؛ فإنكَ عنهم مِن اللهِ مسئولٌ، ولا تَستغلَّهم
لمصالحِك، ولا تُوَقِّع لهم على بَدَلات وَهْمية.
يا كلَّ مسلمٍ: الشوارعُ والحدائقُ والمتنزّهاتُ حقٌ للجميعِ ببلدِك، فاحذرْ أن يطالِبوكَ بحقِّهم يومَ القيامة.
اللهم بلّغنا من الآمال منتهاها، ومن الخيراتِ أقصاها، واغفر لنا ووالدِينا وزوجاتِنا وذرياتِنا وبارك فيهم، وارزقنا جميعًا الفردوسَ بعد عمُر طويل على عمل صالح.
اللهم لا تجعلْ بينَنا وبينَك في رزقِنا أحدًا سواكَ، واجعلنا أغنى خلقِك بك، وأفقرَ عبادِك إليكَ. وبارك في أرزاقِنا واقضْ ديونَنا.
اللهم احفظ علينا دينَنا وأعراضَنا ومقدساتِنا، وارزق نساءَنا مزيدَ الحشمة، ومزيدَ التبصر بكيدِ متبعي الشهواتِ، الذين يريدون أن نميلَ ميلاً عظيمًا.
اللهم احفظْ ولاةَ أمرِنا وارزقهم بطانةَ الصلاحِ، واكفنا وإياهم وبلادَنا شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفجار، والحاسدينَ والمتربصينَ.
وانصرنا على القومِ الكافرين، وانصرْ مجاهدِينا ومرابطينا على الحدود، واحفظهم من كلِّ الجهات، واخلُفْ عليهم كلَّ غائبةٍ بخير.
اللهم وانصرْ المستضعفينَ من المسلمين في بقاعِ الأرض.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم