عناصر الخطبة
1/ نعمة الأمطار وآثار تلك النعمة 2/ الماء آية إلهية تستدعي التفكر والاعتبار 3/ استدامة نعمة الماء بشكر الله عليهااقتباس
إن نعمة الماء نعمة عظيمة، وآية من آياته الجليلة، لا غنى للناس عنها؛ لأنها مادة حياتهم، وعنصر نمائهم، وسبب بقائهم، منها يشربون ويسقون، ويحرثون ويزرعون، ويرتوون ويأكلون، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ..
الحمد لله رب العالمين، الذي أسبغ على عباده كثيراً من فضله ونعمه، وأولاهم من جزيل عطائه وإحسانه وبره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مُعين المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين، وجابر كسر المنكسرين، ورافع البلاء عن المستغفرين.
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيدُ ولد آدم أجمعين، الذي كان أكثر الناس شكراً لربه على نعمه، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه، والتابعين ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، واستمسكوا من الدين بالعروة الوثقى، فإن مَن اتقى الله وقاه، ومَن سأله منحه وأعطاه، ومَن توكل عليه كفاه وآواه، ومن طلب رضاه بلّغه مناه.
عباد الله: إن من دلائل وحدانية الله العظيمه، وآيات قدرته الكثيره التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، وشواهدُ عظمته الوفيره التي لا تُحد ولا تُستقصَى تلك الآيات والبراهين التي تترى أمام الناس وهم في غفلة عنها.
نعم يا عباد الله؛ إن نِعمَ الله عظيمة، وآلاءه جسيمة، ومِن نعمه علينا هطولُ تلك الأمطار التي نزلت في الأيام الماضية، والتي أحيا الله بها الأرضَ بعد موتها، (وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الحج:5]، فأعاد للأرض خضارها، وللزهور نضارتها، وللنفوس نشاطها وقوّتها، وفرح الناس بتلك النعمة فرحاً عظيماً.
عباد الله: هذه النعمة العظيمة التي هي مِن أجَلِّ نعم الله تحتاج منّا إلى شكر الله عليها والقيام بما أوجبَ الله تعالى علينا، وأن يُعلمَ أنّ هذا فضل من الله تفضّل به علينا، يقول -جلّ وعلا-: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28].
ويقول -جل وعلا-: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم:48-49].
فسبحانَ القادرِ على كلّ شيء! سبحانَ من إذا قال للشّيء: كن فهو يكون! سبحان الله الكريم بعطائه وفضله! سبحان ذي الجلال والإكرام بجوده وبِره! بينما النّاس يرَون جدبَ الأرض وقلّة المياه إذا هُم بهذا الغيثِ المبارك، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)، فيملأ بها أوديتَهم، ويجريها في مصارفهم، ويسقي بها زروعهم، فتنبت به الأرض، ويمتلئ بسببه الضرع، ويستبشر به الحيوان والطير، فلا إله إلا الله ما أكرمه! ولا إله إلا الله ما أعظمه! ولا إله إلا الله ما أجَلَّهُ وأحْلَمَه! ولا إله إلا الله، ما أعظمَ فرجَه! وما أعظم فضله وإحسانَه وكرمه!.
فعلينا أن نستعينَ بهذه النّعمة في إرضاءِ مَن أنعم بها وتفضّل، وفي الحديث: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال الله -عز وجل- إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري" رواه الطبراني، وضعفه الألباني.
عباد الله: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفرح بهذا المطر فرحاً شديداً فإذا نزل تعرض له بجسده، فقد روى مسلم عن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله! لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديثُ عهدٍ بربِّهِ".
فهذا الماء النازل من السماء بقدرة الله تعالى وفضله قريب عهد بربّه، وقد كان -صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى هذا الماءِ المبارك، فيزداد فرحًا وسرورًا.
فحري بنا أن نفرح ونسعد بتلك النعمة التي غمر الله العباد بها عندما أنزل لهم الغيث من السماء بأمره تعالى، قال -تعالى-: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)، فهو ماءٌ طيب طهور مبارك، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا) [النبأ:14].
فبالماء يخرج الله تعالى جميع أصناف الفواكه والخضروات، وبالماء يشرب الإنسان والحيوان، وكل شيء في هذه الأرض يحتاج إلى الماء، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء:30].
والماء منّة من الله منّ بها علينا، قال -تعالى-: (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ) [الواقعة:68-69].
فسبحانَ القادر على كلّ شيء! سبحانّ المتفضّل والمنعِم والمعطي! لا مانعَ لما أعطى، ولا معطيَ لما منع، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].
عباد الله: إن نعمة الماء نعمة عظيمة، وآية من آياته الجليلة، لا غنى للناس عنها، لأنها مادة حياتهم، وعنصر نمائهم، وسبب بقائهم، منها يشربون ويسقون، ويحرثون ويزرعون، ويرتوون ويأكلون، قال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً).
فلو نظر الناس إلى ما هم فيه من نعمة المال، ونعمة المسكن، ونعمة المركوبات، ونعمة الطعام والشراب، فلو قدر الله -تعالى- أن يحرم الناس نعمة الماء وعندهم كل شيء من تلك النعم، فهل تنفعهم؟ لا؛ بل سيتركون بيوتهم خاوية بما فيها من مُتَع، ويرحلون إلى أماكن فيها الماء لكي يستطيعوا العيش والاستمرار في الحياة.
فلابد من تدبر تلك الآيات الباهرات من الرحيم العظيم لكي نقبل على طاعته، ونجتهد في عمل كل ما يرضيه عنا.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان:34].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم فاستغفروا الله لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الهادي إلى جنته ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بـعـد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على فضله، والزموا أمره ونهيه، تنالوا الرزق الوفير، والعيش الهنيء، ويوم لقائه تفوزوا بالمزيد.
عباد الله: الواجب علينا جميعاً عند نزول الأمطار التفكر في تلك الآيات البينات، وتدبر عظمة المولى جل في علاه، والنظر في ملكوته العظيم، ورحمته التي وسعت كل شيء ليعلم العباد ضعفهم وحاجتهم إلى فضل ربهم.
لكن كثيراً من القلوب عن آيات الله غافلة، والنفوس عن شواهد قدرته لاهية، والعقول عن دلائل عظمته شاردة، إلا من رحم الله! فأين المتفكرون؟! وأين المتأملون؟! وأين أهل البصائر وأولو الألباب؟! عن التفكير في عظمة رب الأرباب، وقدرة مُسَبِّبِ الأسباب؛ ليقودهم ذلك إلى توحيد ربهم -جلَّ وعَلا-، وإخلاص الدين له، وإفراده بالعبادة دون سواه؟!.
فقابِلوا عباد الله: نعمَ الله بشكرِها، وقيّدوها بتعظيمه والثناءِ عليه والاعتراف له بالفضلِ، وأن تكون تلك النعمة سببًا في علاج القلوبِ من أمراضها، واستقامة النفوس على أمر ربها، وقابلوها بالقيام بما أوجَب؛ فما شَكر العباد نِعم الله إلا إذا قاموا بحقه ومحبته وخشيته، فلِلّه الفضلُ والمنّة أوّلاً وآخرًا، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
عباد الله: اسألوا الله تعالى المزيدَ من عطائه وكرمِه وجوده، فهو أكرم الأكرمين، وأجود الأجودين، وأرحم الراحمين، واستعينوا بما أنعَم به عليكم من نعمة المطر وغيرها في مرضاته.
أسأل الله تعالى أن يبارك لنا فيما أنزل علينا من نعمة المطر، وأن يفيض علينا بالمزيد من فضله.
وأسأله تعالى أن يعيننا على شكرَ نعمتِه وحسنَ عبادتِه وذكره، وأن يجعلَنا من الشّاكرين الذاكرين، إنّه على كلّ شيء قدير.
هذا؛ وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال -جل في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك نبينا محمد، وارض اللهم عن أمهات المؤمنين، وسائر الصحابة والتابعين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم أدِم علينا نعمة الأمن والإيمان، والسلامة والإسلام.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنزلت علينا من الغيث، اللهم تابع علينا خيراتك، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا غيثا مغيثا، سحا طبقاً، عاجلاً غير آجل، تسقي به البلاد وتنفع به العباد، وتجعله زاداً للحاضر والباد.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم