المؤمنون يألفون ويؤلفون

محمد بن سليمان المهوس

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/أهمية الألفة والحاجة إليها 2/الألفة توفيق من الله ومكتسبة 3/الألفة لا تدوم إذا كان الهدف منها المصالح الدنيوية 4/الأثر السيء لفقدان الألفة 5/بعض أسباب تحصيل الألفة والاجتماع

اقتباس

مَا أَمَسَّ حَاجَةَ الإِنْسَانِ إِلَى الأُلْفَةِ؛ فَبِهَا يَتَعَايَشُ مَعَ كُلِّ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلٍ وَجِيرَانٍ وَأَصْدِقَاءَ وَزُمَلاَءَ، بَلْ هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى انْسِجَامِ هَذِهِ الأَرْوَاحِ، وَأَمْرُ الاِنْسِجَامِ أَمْرٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، حَيْثُ اخْتِلاَفُ الآرَاءِ، وَتَنَوُّعُ وِجْهَاتِ النَّظَرِ، وَقُلْ كَذَلِكَ تَلَوُّنُ النُّفُوسِ وَطَبَائِعُهَا الْمُتَغَيِّرَةُ، فَمِنْهُمْ أَهْلُ الصَّفَاءِ، وَمِنْهُمُ الْحَاسِدُونَ، وَلَمْ أَجِدْ مِثْلَ الأُلْفَةِ تَسْتَطِيعُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا..

 

أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "الْمُؤْمِنُ مَأْلَفَةٌ وَلاَ خَيْرَ فِيِمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ"(حَدِيثٌ صَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي السِّلْسِلَةِ الصَّحِيحَةِ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صِفَةً عَظِيمَةً، وَخَصْلَةً كَرِيمَةً، أَلاَ وَهِيَ: الأُلْفَةُ، فَمِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِ: أَنْ يَأْلَفَ وَيُؤْلَفَ، وَلاَ يَكُونُ هَذَا إِلاَّ بِمَحَبَّتِهِ لِلنَّاسِ وَبَشَاشَتِهِ مَعَهُمْ وَالإِحْسَاسِ بِهِمْ، وَحِفْظِهِ لِحُقُوقِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ.

 

وَالْمُؤْمِنُونَ الصَّادِقُونَ قَوْمٌ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، يَأْنَسُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، لاَ يَشْعُرُ مَنْ يُجَالِسُهُمْ بِوَحْشَةٍ أَوْ ضِيقِ نَفَسٍ، بَلْ يَرَى فِيهِمُ انْشِرَاحَ الصَّدْرِ، وَبَشَاشَةَ الْمُحَيَّا، وَالتَّوَدُّدَ وَالْمَحَبَّةَ، حَتَّى لاَ يَمَلَّ مُجَالَسَتَهُمْ، وَلَوْ طَالَ الْوَقْتُ مَعَهُمْ.

 

وَمَا أَمَسَّ حَاجَةَ الإِنْسَانِ إِلَى الأُلْفَةِ؛ فَبِهَا يَتَعَايَشُ مَعَ كُلِّ مَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلٍ وَجِيرَانٍ وَأَصْدِقَاءَ وَزُمَلاَءَ، بَلْ هِيَ الطَّرِيقُ إِلَى انْسِجَامِ هَذِهِ الأَرْوَاحِ، وَأَمْرُ الاِنْسِجَامِ أَمْرٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ، حَيْثُ اخْتِلاَفُ الآرَاءِ، وَتَنَوُّعُ وِجْهَاتِ النَّظَرِ، وَقُلْ كَذَلِكَ تَلَوُّنُ النُّفُوسِ وَطَبَائِعُهَا الْمُتَغَيِّرَةُ، فَمِنْهُمْ أَهْلُ الصَّفَاءِ، وَمِنْهُمُ الْحَاسِدُونَ، وَلَمْ أَجِدْ مِثْلَ الأُلْفَةِ تَسْتَطِيعُ بِهَا بَعْدَ اللهِ -تَعَالَى- أَنْ تَجْمَعَ هَذِهِ الْمُخْتَلَفَاتِ وَتُؤَلِّفَ بَيْنَهَا فِي نَسَقٍ يَبْعَثُ بِالرَّاحَةِ وَالأُلْفَةِ.

 

وَالأُلْفَةُ تَوْفِيقٌ مِنَ اللهِ -تَعَالَى- فَبِيَدِهِ سُبْحَانَهُ قُلُوبُ عِبَادِهِ، فَهُوَ الَّذِي أَلَّفَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، فَقَالَ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 63].

وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ؛ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَالأُلْفَةُ تَحْتَاجُ إِلَى جُهْدٍ وَتَضْحِيَةٍ، وَتَنَازُلٍ عَنْ بَعْضِ الْحُقُوقِ، وَعَدَمِ الاِكْتِرَاثِ بِبَعْضِ الْمُوَاجَهَاتِ، وَلَوْ كَانَتْ عَنِيفَةً أَحْيَانًا بَيْنَ الإِخْوَةِ، وَرَأْسُ الأَمْرِ كُلِّهِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ وَاحْتِسَابٌ، وَقَوْلٌ جَمِيلٌ، وَتَعَامُلٌ حَسَنٌ؛ فَمِثْلُ هَذَا هُوَ الَّذِي يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَآلَفَ مَعَ النَّاسِ.

 

أَمَّا مَنْ يَتَمَادَحُ بِقُوَّةِ الْمُجَادَلَةِ، وَالاِنْتِصَارِ فِي النِّقَاشِ، وَيَعُدُّ التَّنَازُلَ عَنْ بَعْضِ الْحُقُوقِ إِهْدَارًا لِكَرَامَتِهِ، فَهَذَا أَبْعَدُ مَا يَكُونُ مِنَ الأُلْفَةِ.

 

وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ هَذَا الْمَوْقِفَ النَّبَوِيَّ الْكَرِيمَ الَّذِي يُنِمُّ عَنْ حِكْمَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وَطِيبِ نَفْسِهِ، وَمَحَبَّتِهِ لأَصْحَابِهِ جَمِيعًا، وَحِرْصِهِ عَلَى تَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ، يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ، فَخَطَبَهُمْ، فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ بِي؟ وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمْ اللَّهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ بِي؟" كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: "مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟" قَالَ: كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا، قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ، قَالَ: "لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا، أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رِحَالِكُمْ، لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

فَالأُلْفَةُ لاَ تَسْتَقِيمُ وَلاَ تَدُومُ إِذَا كَانَ الْهَدَفُ مِنْهَا الْمَصَالِحَ الدُّنْيَوِيَّةَ الزَّائِلَةَ، فَإِنَّهَا سُرْعَانَ مَا تَزُولُ، بِعَكْسِ مَنْ تَقَارَبَتْ أَرْوَاحُهُمْ حَتَّى الْتَقَتْ عَلَى مَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ، حُبًّا وَإِيثَارًا وَنُصْرَةً، وَصُنْعًا لِلْمَعْرُوفِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَأَمَّلُوا كَيْفَ يَعِيشُ مَنْ لاَ يَذُوقُ لَذَّةَ الأُلْفَةِ مَعَ الآخَرِينَ؟ وَكَيْفَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَهُوَ يَشْعُرُ بِثِقَلِهِ عَلَى الآخَرِينَ، أَوْ لاَ يَشْعُرُ، لَكِنَّ الآخَرِينَ يَشْعُرُونَ بِذَلِكَ، وَكَيْفَ يَعِيشُ مَنْ فَقَدَ الأُلْفَةَ بَيْنَ أَفْرَادِ أُسْرَتِهِ، بِسَبَبِ غِلْظَتِهِ وَبَطْشِهِ، أَوْ بِهِجْرَانِهِ لَهُمْ، أَوْ نُفْرَتِهِ مِنْهُمْ، أَوْ بُخْلِهِ عَلَيْهِمْ.

 

فَرُبَّمَا مَنَعَهُ مِنَ الأُلْفَةِ بِمُخَالَطَةِ النَّاسِ كِبْرُهُ وَبَطَرُهُ أَوْ حَسَبُهُ وَنَسَبُهُ وَجَاهُهُ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّ الذِّكْرَ الْحَسَنَ هُوَ الَّذِي سَيَتْبَعُ جَنَازَتَهُ وَيَتَخَلَّى عَنْهُ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ" وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ" قَالَ عُمَرُ: فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، مُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، وَمُرَّ بِجَنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا شَرًّا، فَقُلْتَ: وَجَبَتْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْه).

 

فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَبَادِرُوا بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالَّتِي مِنْهَا النُّصْحُ لإِخْوَانِكُمْ، وَتَعْرِيفُ الْمَعْرُوفِ، وَإِنْكَارُ الْمُنْكَرِ لَهُمْ حَسَبَ الاسْتِطَاعَةِ وَبِالْوَسَائِلِ الْمَشْرُوعَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنَ التَّشَدُّدِ وَالتَّزَمُّتِ الَّذِي يُبْعِدُ الأُلْفَةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَغْضَبُ إِلاَّ إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللهِ، وَإِنَّمَا يَغْضَبُ هَذَا الْغَضَبَ رَحْمَةً بِأُمَّتِهِ أَنْ يُصِيبَهَا عَذَابٌ أَوْ تَحُلُّ بِهَا نِقْمَةٌ، وَلَمْ تَكُنِ الْحِكْمَةُ وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ تُفَارِقُهُ، حَتَّى في غَضَبِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، بَلْ أَمْرُكَ لأَخِيكَ وَأَهْلِكَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُكَ لَهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ هُوَ مِنْ مَحَبَّتِكَ لَهُمْ، وَلَكِنْ كُنْ رَفِيقًا بِهِمْ وَدُودًا بِهِمْ.

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الآيَاتِ وَالْحِكْمَةِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ تَحْصِيلِ الأُلْفَةِ وَالاِجْتِمَاعِ: الإِيمَانَ بِاللهِ تَعَالَى، فَكُلَّمَا زَادَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِ الْمُسْلِمِ ازْدَادَتِ السَّمَاحَةُ وَالْحِلْمُ، وَاتَّسَعَ الصَّدْرُ لِلنَّاسِ، فَلاَ يُقَابِلُ الْجَاهِلُ بِمِثْلِ جَهْلِهِ، وَلَكِنَّهُ قَوْلُ: سَلاَمٌ، وَإِعْرَاضٌ عَنِ اللَّغْوِ: (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)[القصص: 55]، وَكَمَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى- فِي وَصْفِ عِبَادِ الرَّحْمَنِ: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[الفرقان: 63].

 

فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ وَأَخْلِصُوا فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

المرفقات

المؤمنون يألفون ويؤلفون

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات