المؤامرة على فلسطين

ناصر بن محمد الأحمد

2015-02-17 - 1436/04/28
عناصر الخطبة
1/استمرار مأساة الشعب الفلسطيني 2/حقيقة الصراع بين المسلمين واليهود \"الدلائل القرآنية والشواهد التاريخية\" 3/مؤامرة خارطة الطريق ضد الشعب الفلسطيني والتحذير منها 4/موقف المجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني 5/رسائل اعتذار للشعب الفلسطيني 6/بعض واجبات المسلمين تجاه الشعب الفلسطيني 7/كثرة المحن النازلة بالمسلمين وبعض فوائدها 8/تضحيات وبطولات الشعب الفلسطيني 9/نداءات مهمة للشعب الفلسطيني

اقتباس

فالصراع أخذ يتفجّر ويتعاظم، والاستغلال والأطماع تزداد وتتفاقم، والتمادي في الاستخفاف بالمسلمين ومقدساتهم بلغ أوج خطورته من جرذان العالم، نقضةِ العهود والمواثيق، مَنْ عشَّش الغدر والتخريب والمكر في عقولهم، وسرى الظلم والطغيان في عروقهم، فأبوا إلا الصَلَف والرعونة، والفساد والأذى، بدعم مادي ومعنوي من دولة الكفر العالمي.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

منذ أن احتل اليهود أرض فلسطين، فإن هذه المرحلة التي نحن فيها الآن هي من أصعب المراحل التي تمر بها الأرض المقدسة.

 

لقد اتفق عليها العدو والصديق، والقريب والبعيد، والمجاور والمباعد، وهذه أول مرة يجتمع كل هؤلاء ليرسموا خارطةً خبيثة للقضاء على كل صور المقاومة هناك، وقطع جميع خطوط الإمداد للانتفاضة المباركة سواء المادي منها أو المعنوي.

 

أيها المسلمون: إن ما يعيشه الفلسطينيون هذه الأيام من أوضاع مأساوية، وما نكأته الأحداث الأخيرة من جراحات دموية، لا يسع الغيورين على أحوال أمتهم السكوتُ عليها، والتغاضي عنها، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

لم يُبرز التاريخ قضيةً تجلّت فيها ثوابتُنا الشرعية، وحقوقنا التاريخية، وأمجادنا الحضارية، كما برزت فيها الأحقاد الدولية، وظهرت فيها المتناقضات العالمية، وانكشف فيها حرب المصطلحات، وتعرّى فيها بريق الشعارات، وسقط القناع عن التلاعب فيها بالوثائق والقرارات كقضية المسلمين الأولى، قضية فلسطين المسلمة المجاهدة الصامدة، والقدس المقدسة، والأقصى المبارك، حيث تشابكت حلقات الكيد في سلاسل المؤامرة، لتمثل منظومةً من العداء المعلن، والكره المبطّن في تآمر رهيب من القوى العالمية، كان من أرز إفرازاته الخطيرة اجتماعي شرم الشيخ، والعقبة الأخيرة.

 

وتجلى ذلك في إقصاء قضية فلسطين والقدس والأقصى من دائرتها الشرعية، ومنظومتها الإسلامية، إلى متاهاتٍ ومستنقعات من الشعارات القومية والإقليمية، والنعرات الحزبية والطائفية، وذلك بترٌ لها عن قوّتها المحرِّكة، وطاقتها الدافعة المؤثرة، حتى تاهت القضية في دهاليز الشعارات، والتواء المسارات، وظلام المفاوضات، ودياجير المساومات، وأنفاق المراوغات، في معايير منتكسة، وموازين منعكسة، ومكاييل مزدوجة تسوِّي بين أصحاب الحقوق المشروعة، وأصحاب الادعاءات الممنوعة، حتى خُيِّل لبعض المنهزمين أن القضية غامضة شائكة، لغياب التأصيل العقدي والشرعي لهذه القضية.

 

أو لسنا أمةً لها مصادرها الشرعية، وثوابتها العقدية، وحقوقها التاريخية؟.

 

أيها المسلمون: ماذا يؤكدّ قرآننا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-؟ ماذا تقرّر عقيدتنا؟ ماذا يدوِّن تاريخنا عن القضية وأطرافها؟

 

مما يؤكد بجلاء أن الصراع بيننا وبين اليهود صراع عقيدة وهوية ووجود، ألم نقرأ قول الحق -تبارك وتعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ)[المائدة: 82].

 

وقوله سبحانه: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)[البقرة: 120].

 

اقرأوا التاريخ لتدركوا أن يهود الأمس سلف سيِّئ، ويهودَ اليوم خلف أسوأ، كفَّارُ النعم، ومحرِّفو الكلم، عُبَّاد العجل، قتلة الأنبياء، مكذِّبو الرسالات، خصوم الدعوات، شُذَّاذ الآفاق، حثالة البشرية: (مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ)[المائدة: 60].

 

هؤلاء هم اليهود، سلسلةٌ متصلة من اللؤم والمكر والعناد، والبغي والشر والفساد: (وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)[المائدة: 64].

 

حلقات من الغدر والكيد، والخسة والدناءة، تطاولوا على مقام الربوبية والألوهية: (لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء)[آل عمران: 181].

 

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ)[المائدة: 64] -تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً-.

 

 

لقد رموا الرسل بالعظائم، واتهموهم بالشناعات والجرائم، آذوا موسى، وكفروا بعيسى، وقتلوا زكريا ويحيى، وحاولوا قتل محمد -صلى الله عليه وسلم-، عملوا له السحر، ودسّوا له السمّ: (أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ)[البقرة: 87].

 

واليوم تواجه الأمة الصراع على أشدّه مع أعداء الأمس، واليوم والغد مع أحفاد بني قريظة والنضير وقينقاع -عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة- فهل يعي بنو قومنا حقيقةَ أمةِ الغضب والضلال بعد أن تفاقم شرهم، وتطاير شررهم، وطفح بالعدوان كيلهم؟

 

فالصراع أخذ يتفجّر ويتعاظم، والاستغلال والأطماع تزداد وتتفاقم، والتمادي في الاستخفاف بالمسلمين ومقدساتهم بلغ أوج خطورته من جرذان العالم، نقضةِ العهود والمواثيق، مَنْ عشَّش الغدر والتخريب والمكر في عقولهم، وسرى الظلم والطغيان في عروقهم، فأبوا إلا الصَلَف والرعونة، والفساد والأذى، بدعم مادي ومعنوي من دولة الكفر العالمي.

 

أيها المسلمون: إن هدف خارطة الطريق هو: تحقيق سلام من طرف واحد.

 

إنه سلام مع جهة لا يرضيها إلا تصفية الخصم، واستلاب أرضه، وتشريد أهله، والعبث باقتصاده، وإلغاء كرامته، وانتقاص سيادته، وتقطيع أوصاله، وتناثر أشلائه؛ لذا فهذه الخارطة منذ بدايتها خارطة الطريق المسدود، أو خارطة الطريق إلى جهنم، أو خارطة الطريق إلى الحرب الأهلية الفلسطينية مقابل وعد بالمفاوضات، أو خارطة تصفية القضية الفلسطينية، وكلها عناوين تصلح لوصف خارطة الطريق الأمريكية، ويكفي أن تكون الخارطة أمريكية لتدرك أنها خارطة تؤدي إلى الضياع الفلسطيني، فهل رأينا من أمريكا كمسلمين إلا كل ما هو سيء؟

 

لقد جاءت خارطة الطريق عقب الانتهاء من العمليات العسكرية في العراق، وإذا كانت تلك الحرب على العراق هزيمة للعرب والمسلمين، وأنها زادت من قوة الأوراق الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وإذا كانت إسرائيل هي المستفيد الأول من تلك الحرب ونتائجها، بل وهي المحرض الأول عليها أصلاً، لأدركنا على الفور وبشكل منطقي أنها خارطة هزيلة، لن تؤدي إلى مصلحة فلسطينية كاملة أو جزئية، بل هي نوع من ذر الرماد في عيون الذين سمحوا لأمريكا أو ساعدوها في حربها ضد العراق، فإسرائيل من ناحيتها لن تقبل إلا بعصر الليمون، حتى آخر نقطة، فأعلنت على الفور أنها تتحفظ على تلك الخارطة، وتريد إدخال 15 تعديلاً عليها.

 

أيها المسلمون: ألا فلتعلم الأمة: أن هؤلاء القوم قومٌ تاريخهم مقبوح، وسجلهم بالسواد مكلوح، ولن يرضوا إلا بتحقيق أطماعهم، لا بلّغهم الله مرادهم، يريدون إقامة دولة إسرائيل الكبرى، وأن تكون القدس عاصمةً لها، كما يطمحون ويطمعون إلى هدم المسجد الأقصى، وبناء هيكلهم المزعوم على أساسه، يريدون إبادة دولة التوحيد والقرآن، وإشادة دولة التوراة والتلمود على أنقاضها.

 

فعلى مبادرات السلام؛ السلام، مع قومٍ هذا ديدنهم عبر التاريخ، وتلك أطماعهم ومؤامراتهم، ولعل ما تشهده الساحة الفلسطينية هذه الأيام من مشاهد مرعبة، ومآسٍ مروِّعة، حيث المجازر والمجنزرات، والقذائف والدبابات، جُثثٌ وجماجم، حصار وتشريد، تقتيلٌ ودمار، في حرب إبادة بشعة، وانتهاك صارخ للقيم الإنسانية، وممارسة إرهاب الدولة الذي تقوم به الصهيونية العالمية، مما لم ولن ينساه التاريخ، بل سيسجّله بمداد قاتمة، تسطّرها دماء الأبرياء الذين رويت الأرض بمسك دمائهم، من إخواننا وأخواتنا على أرض فلسطين المجاهدة، الذين يُذبَّحون ذبح الشياه. عشراتُ المساجد دمِّرت، ومئات البيوت هُدّمت، وآلاف الأنفس أُزهقت، كم نساءٍ أيِّمت، وأطفالٍ يُتِّمت، ومقابر جماعية أقيمت، فإلى متى الذل والمهانة والضعف والهزيمة والاستسلام؟

 

أما آن لهذا الهوان أن ينتهي، وللضعف والذل أن ينقضي، وليلِ الليل الطويل أن ينجلي؟ فهل تفيق أمتنا من سباتها؟.

 

نداءٌ حار إلى قادة المسلمين: أن أدركوا فلسطين قبل أن تضيع، واعملوا على إنقاذ الأقصى قبل أن يُستقصى.

 

إن من يشنّ هذه الحرب الضروس، ومن يقف وراءها انطلاقاً من فلسفة الإبادة العنصرية لن يفلت من قبضة الجبار -جل جلاله-، كما لن يسلم من غضب الشعوب، وسخط التاريخ.

 

إنها مأساة يعجز اللسان عن تصويرها، ويخفق الجنان عند عرض أحزانها، ويعيى البيان عن ذكر مآسيها، ويقصر الوصف عن بيان أبعادها وخطورتها، مأساةٌ بكل المقاييس، ومعضلةٌ بكل المعايير، ليس لها من دون الله كاشفة، اللهم سلم، اللهم سلم.

 

إن هذه الكارثة من أوضح الدلائل على سجية القوم، وما يكنُّونه لأمتنا ومقدّساتنا.

 

إنه لأمر تَبكِي له العيون دماً، يُقتَل الأبرياء العزّل على أيدي سفاحي الصهاينة، ورثة النازية والفاشية، فأيُّ حقٍّ لهم في فلسطين؟

 

الأرض الإسلامية التاريخية إلى قيام الساعة التي تبوّأت منذ فجر التاريخ مكانتها المرموقة لدى المسلمين، بل هي جزء من ثوابتهم، وأمانة في أعناقهم، ولن يفرّطوا بشبر من أرضها -بإذن الله- ما دام فيهم عرق ينبض، وإن الحق الذي يدعيه يهود في فلسطين خرافةٌ لا سند لها، وصلافةٌ لا مبرِّر لها، لقد مضى أكثر من خمسة عقود من الزمان على قضية المسلمين الكبرى، والمأساة تتجدد يوماً بعد آخر، فأين المسلمون؟.

 

إني أنادي والرياح عصيبة *** والأرض جمرٌ والديار ضِرام

يا ألف مليون ألا من سامع؟ *** هل من مجيب أيها الأقوام؟

قد بُحّ صوتي من نداكِ أمتي *** هلا فتًى شاكي السلاح هُمام؟

 

لقد نكأت الأوضاع المستجدة الجراح، فأين منا خالد والمثنَّى وصلاح؟ يا ويح أمتِنا ماذا أصابها؟ أيطيب لنا عيش، ويهدأ لنا بال، ويرقأ لنا دمع، ومقدساتنا تئنّ، وقدسُنا تستنجد، وفلسطيننا تنادي، والأقصى يستصرخ قائلاً:

 

كلُّ المساجد طُهِّرت *** وأنا على شرفي أُدنَّس؟

 

كل ذلك يحدث على مسمع من العالم ومرأى، وكأن المسلمين لا بواكي لهم، أين العالم بهيئاته ومنظماته؟ أين مجلس أمنهم وهيئة أممهم؟ أين هم من بكاء الثكالى، وصراخ اليتامى، وأنين الأرامل، واغتصاب الأرض، وتدنيس العرض؟

 

فسلام الله على جنين الصُّمود، ونابلس الشُّموخ.

 

أين شعارات ومنظمات حقوق الإنسان الزائفة؟ ماذا يردّ الضمير العالمي؟ وأين هي المقاطعات السياسية والاقتصادية على مجرمي الحرب والمستهترين بالأعراف الدولية والقرارات العالمية؟.

 

فيا صناع القرار، يا قادة العالم، يا أصحاب الرأي، يا من تدّعون محاربة الإرهاب: ماذا تسمون ما فعله هؤلاء المجرمون بالمسلمين في فلسطين؟

 

وسيرجع إليك الطرف خاسئاً وهو حسير، حينما يتَّهمون أصحاب الحق المشروع المقاومين للظلم والبغي والاحتلال بالإرهابيين، فهل تطلُّعات أكثر من مليار من المسلمين في الحفاظ على مقدساتهم تُعدُّ وحشية وإرهاباً؟: (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) [النور:  16].

 

أيها الإخوة المرابطون على أرض فلسطين المجاهدة الصامدة، أرضِ العز والشموخ والفداء، والتضحية والجهاد والإباء، يا أهلنا في الأرض المباركة فلسطين، يا أحبتنا في أرض الإسراء والمعراج: عُذراً إن وجدتم من كثير من أبناء أمتكم التخاذل والتثاقل، لَكَم أرَّقنا أنَّ أقصانا أسير بأيدي البغاة الطغاة العتاة، فما يُذكر الأقصى إلا وتعتصر قلوبُنا حسرةً وأسى على ما جرى له ويجري، مما فطّر الأكباد، وأدمى القلوب، فصبراً صبراً أيها المرابطون.

 

لقد سطرت انتفاضتُكم المباركة بأحرف العز والنصر والشرف ملحمةً من أروع النماذج في التاريخ المعاصر، لقد أعدتم الأمل في النفوس، فثِقوا بنصر الله لكم متى ما نصرتم دينه: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: 7].

 

قلوبنا معكم، والله ناصركم، فواصلوا دربَكم، واستنهضوا الهمم، هنيئاً لكم تقديمُ الأرواح رخيصةً في سبيل الله، ودعاؤنا أن يتقبل الله قتلاكم شهداء، وأن يكتب لمرضاكم عاجل الشفاء، وأن يحييكم حياة السعداء، لا تيأسوا من روح الله، فالنصر قادم -بإذن الله-: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الروم: 47].

 

(أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)[البقرة: 214].

 

فهذه بوارق النصر تلوح، ورائحته تفوح، تتوِّجها انتفاضةٌ جهادية باسلة، لا تزال هي الورقة الرابحة، وشمعة الأمل المضيئة في أيدي المخلصين من أبناء هذه الأمة، حيث لم تنجح معها سياسة ليّ الذراع، وألوان الصلف والتعسف، إنها أرواح تتهادى نصرة لدين الله، وإعلاءً لكلمة الله، وما أكثر النماذج الحية في أمتنا المعطاءة، التي أنجبت الأبطال والشهداء.

 

لا بد من الجدِّ في مسالك الإصلاح، والاستيقاظ من الغفلة والتغفيل، وبعث الوعي العميق والتأصيل الوثيق بخطىً مؤصلة، ومنهجية مدروسة، تواجه دسائس اليهود، بكل حزم وحكمة.

 

أمةَ الجهاد والفداء: إن واجب المسلمين الوقوف مع إخوانهم في العقيدة في فلسطين وغيرها، ودعمهم مادياً وعينياً ومعنوياً، والإنفاق في سبيل الله، فالجهاد بالنفس مطلوب، والجهاد بالمال مطلوب، والجهاد بالقول مطلوب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ)[الصف: 10 - 11].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "جاهدوا المشركين بألسنتكم وأموالكم وأنفسكم"[خرجه مسلم في صحيحه].

 

والمسلم الحق لا يتردد في البذل والعطاء في مواطن الجهاد والفداء: (هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)[محمد: 38].

 

بارك الله ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه ...

 

أما بعد:

 

إن محنةَ فلسطين ليست هي الأولى والأخيرة، فقد تعرضت هذه الأمةُ لمحنٍ كثيرة قاسية، بل أكثر قسوة وشدةً من محنتنا في فلسطين، فلم تستسلم هذه الأمة، ولم تيأس، ظلَّت تكافح وتجاهد حتى نصرها الله على أعدائها.

 

في تاريخ الأمم كبواتٌ وعثرات وآلام، إلاّ أن الأمة الحيّةَ تنهض من كبوتها، وتتجاوز آلامها، بل تكون هذه الآلام باعثاً لها على العمل والجد والكفاح حتى النصر.

 

وفي تاريخ الأمة صعودٌ وهبوط، ضَعُفَ الرجالُ في فترات تاريخية ثم أنجبت الأمة رجالاً غيّروا مسار التاريخ.

 

وإذا كان تاريخُ الأمة التي فضَّلها الله على غيرها من الأمم قد اختلّ، فإن الحاضر الماثل أمامنا اليوم يدلُّ على مولِد الكثيرين الذين يستعدُّون لحمل راية الإسلام، وتغيير مسار التاريخ من جديد.

 

إن الأحداث الجسام التي تمرّ بها الأمة تبعث الهمَّة، وتوقد العزائم، هذا تاريخ الإسلام يَحكي أن حَالات الضعف والتردِّي، وتسلُّط الأعداء، يحرّك الأمةَ لتستردَّ التفكير السليم، والعمل الجادَّ الذي تردّ به المعتدي، وتستعيد به عزّها ومجدَها.

 

في مثل هذه الأحداث تنجب الأمة أبطالاً مجاهدين وعلماء عاملين، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مثل أمتي مثل المطر لا يُدرَى أولُه خير أم آخره".

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته".

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِي لي منها".

 

أيها المسلمون: إن هذه الأحداث قَدَرٌ مكتوب على هذه الأمة لتنهض من كبوتِها، وتعيَ رسالتَها، وترصَّ صفوفَها تحت راية واحدة: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" مع الصدق مع الله، وعدم الركون إلى الدنيا الفانية، وإلى أعداء الله: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: 7].

 

لا بد من التواصل مع هموم وطموح وآلام الأمة الإسلامية، لنتعاون على حمل هذا الهمّ الثقيل للخروج من هذا الواقع الأليم الذي يمثّل منعطفاً خطيراً، ولكنه مؤقتٌ وقصير في مسار الأمة الإسلامية -بإذن الله-.

 

فها هي الأنباء صباحَ مساءَ تحمل إلى المسلم الغيور كلَّ يوم عن إخوانه في فلسطين ما يزلزلُ قلبَه زلزالاً شديداً، وما يعصر فؤادَه من الألم عصراً، وما يكوي كبدَه بالأسى والحزن، لم يذق هذا الشعبُ الأعزل طعمَ الأمن منذ سلب اليهودُ أرضَه، وشرّده من مساكنه، وسامه سوءَ العذاب، ومع ذلك يبقى الشعب صامدًا بأطفاله، صامداً بنسائه وجراحه وآلامه، بل لا يكاد يخلو بيتٌ من فقد عزيز لديه أو قريب منه، إنها صور ثبات واعتزاز.

 

أحداثٌ دامية، ومناظرُ مأساوية، قتلٌ وخراب ودمار، بهمجية لا تعرف للإنسانية معنًى، وبربريةٍ لا رحمة فيها، إنها مآسٍ يقشعرُّ من هولها البدن، وتذرف العين دمعَها.

 

لقد ضرب هذا الشعب الفلسطيني المسلم أروعَ الأمثلة والبطولات، فمع عشرات الشهداء، وأضعاف ذلك من الجرحى، ومئات المعتقلين الأسرى، مع الحصار الشامل لكل المدن والقرى، مع المجازر التي تُقام في كل مكان، مع ذلك كلِّه يؤكِّد الشعبُ الفلسطيني المسلم أنه لا استسلامَ ولا ذلَّ ولا هوان، وأن الجهاد ماضٍ حتى النصر، قال الله -تعالى-: (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ)[الحشر: 13].

 

ما نسمعه وما نراه اليومَ فصلٌ من جهادٍ عظيم، وصبر طويل لهذا الشعب المرابط، لقد جاهد هذا العشب وصبر وصابر ورابط، وتقلَّب به البلاء، فما هدأ وما استكان، ولا أعطى الدنيةَ يوماً، ولله درُّ عمر -رضي الله عنه- حينما قال: "لا تستصغروا هممَكم، فإني لم أر أقصر عن المكرمات من صغر الهمم".

 

يواصل هذا الشعبُ المقاومة دون استسلام، مقدِّماً شهيداً تلوَ شهيد، ضارباً أنبلَ أمثلة الصبر، علَّم المرابطون على أرض الإسراء والمعراج، علَّموا الأمةَ كيف تعيش عزيزةً كريمة، وتموت عظيمة شهيدة، والأمة التي تحسن صناعةَ الموت، وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهبُ الله لها الحياةَ العزيزة في الدنيا، والنعيمَ الخالد في الآخرة.

 

يا حماة الأقصى: اصبروا وصابروا ورابطوا، فإن نصر الله قريب، فكلما اشتدَّ الظلام قرُب بزوغُ الفجر: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)[البقرة: 214].

 

يا أهل فلسطين: لا تهنوا؛ لأن الله القدير يؤيِّدكم وينصرُكم، ويوهن كيدَ أعدائكم، قال الله -تعالى-: (وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ)[الأنفال: 18].

 

يا رجال التضحية والبطولة: إن النصر بيد الله وحده، والقلةُ مع تأييد الله لها لا بد أن تغلبَ الكثرةَ مهما بلغت من القوة: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 249].

 

(إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ)[الأنفال: 65].

 

أيها المسلمون: ذكرت إحصاءات إسرائيلية رسمية: أن عدد الجنود والمستوطنين اليهود الذين قتلوا في عمليات المقاومة الفلسطينية، منذ اليوم الأول من اندلاع انتفاضة الأقصى بلغ أكثر من 800 قتيل، ونحو 5500 جريح: (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)[النساء: 104].

 

اللهم ...

 

 

المرفقات

المؤامرة على فلسطين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات