الله لطيف بعباده

أحمد طالب بن حميد

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/من مظاهر لطف الله بعباده 2/من أسباب البلاء قسوة القلوب 3/أصناف الناس عند وقوع البلاء 4/القرآن الكريم هداية وشفاء للقلوب والأبدان 5/وجوب التوبة إلى الله

اقتباس

فاجعلوا بيوتَكم قِبْلة وأقيموا الصلاةَ، واغرسوا في دُورِكم رياضَ الجنة واذكروا الله، وانشروا مصاحِفَكم واتلوا كتابَ الله، وطوبى لمن كان ابتلاؤه اصطفاء، وخلوته للقلب شفاء، وعزلته تضرُّعًا ودعاء، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وآله وسلم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها الناس: اعلموا أن ربَّكم اللهُ الذي لا إله إلا هو، وَسِعَ كلَّ شيء رحمةً وعلمًا، وخلَق كلَّ شيء فقدَّره تقديرًا، وأحصى كلَّ شيء عددًا، ودبَّر خلقَه تدبيرًا، لَطَفَ بما يشاء لما يشاء إلى ما يشاء، وكان بِخَفِيِّ قدرِه ودقيقِ علمِه ببواطن خلقِه ونفاذِ حكمِه لطيفًا خبيرًا، لَطَفَ ببصره لحقائق الأحداق فأدركها، وبسمعه لخفي الأصوات فدقَّقها، وبعلمه لدقيق الخطرات فحقَّقها، (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ * وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[الْأَنْعَامِ: 101-105]، وقال ربكم: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الْمُلْكِ: 13-14].

 

لَطَفَ بخفِيِّ وَحْيِهِ من ملكوت السموات بآياته المتلوة، منجمةً على صواحب الحُجُرات من بيت العزة إلى بيت النبوة، (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا)[الْأَحْزَابِ: 32-34]، أنفذ بلطيف أمره الماءَ من عنان السماء إلى البواطن الجرداء، فبلغ إلى البذر السقاء، وإلى الجذر الرواء، وإلى الروضة نمير الماء، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[الْحَجِّ: 63]، نفذ بلطفه في خلقه بلطيف خلقه إلى عامر العواصم فأخلاها، وشديد الأبدان فأرداها، وإلى عديد الجمع فشرَّدَه، ووفير الماء فبدَّدَه، طاف على رقاب الجبابرة فأذلَّها، وصحيح أحوالهم فأعلَّها، وثابِت أقدامهم فأزلَّها، طال البروج المشيدة، والجيوش المؤيَّدة، والنُّسَّاك والمتعَبِّدة، والهُتَّاك والمتعربِدة، درَج إلى مدائن الأنفاس المتزاحمة، والأجساد المتلاحمة، فلا همسَ ولا لمسَ، كأن لم تغنَ بالأمس، أعدى الأخِلَّاءَ بأخلاق الأعداء، فهُمْ عن وصلهم منقطعون، ومن بعد قُرْبِهم متباعدون، حالَ بينَ الأحباب، فهم يتراءون كترائِي ظامئهم السرابَ، ومُمحِلِهم جلبَ السحاب، وما ذلك إلا لخطب وقع منا، ولطف ارتفع عنا، فلا تظنن أن العدو غلب، ولكن الحافظ تولى، (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[الْأَنْعَامِ: 42]، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الْأَعْرَافِ: 168]، (لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)[الْأَعْرَافِ: 94]، لعلهم يتوبون، (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الْأَعْرَافِ: 130].

 

كَثُفَ رانُ القلوب، فلَطَفَ بها علَّامُ الغيوب، وما كَثُفَ ضَعُفَ، وما لَطُفَ عَنُفَ، (لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 141]، وليعلم الذين نافقوا وينتقم من الذين أجرموا، ويشفي صدور قوم مؤمنين، ويتخذ منهم شهداء، (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[يُوسُفَ: 100].

 

أيها الناس: الله لطيف بعباده، يلطف خفيَّ الرزق بضعيف الخَلْق ولو كره الأقوياء، ويُنفِذ دقيقَ اللطف لذليل العباد ولو امتنع الأعزاء، (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)[الشُّورَى: 19]، سبحانه سبحانه، يستقل كثيرَ النعم على خلقه، وينمِّي قليل الطاعة من عبده، وعلى قَدْر دقة اللطف دقة مأتاه، فهو إذا ناديتَه لبَّاك، وإذا قصدتَه آواكَ، وإذا أحببتَه أدناكَ، وإذا أطعتَه كافاكَ، وإذا عصيتَه عافاكَ، وإذا أعرضتَ عنه دعاكَ، وإذا قرَّبتَ منه هداكَ، يجازيكَ إن أحسنتَ، ويعفو عنكَ إن قصرتَ، مَنْ خضَع له أعزَّه، ومن افتَقَر إليه أغناه، لا يطلب من الأحباب وسائل الأسباب، أمرُه تقريبٌ، ونهيُه تأديبٌ، وعطاؤُه خيرةٌ، ومنعُه ذخيرةٌ، ومجمعُ لطفِه التعطفُ والتقريبُ، فهو القريبُ المجيبُ، ومن أشهد قلبه اللطيف، ارتفع عنه كل كثيف، وألطف اللطف وأعلاه، وأثناه وأجلاه، أن يلطف في العبادة بإعانة، وفي القَدَر برضا وخضوع، وتوبة وتضرُّع ورجوع وإيمان واستكانة.

 

وبعدُ عبادَ اللهِ: فاجعلوا بيوتَكم قِبْلة وأقيموا الصلاةَ، واغرسوا في دُورِكم رياضَ الجنة واذكروا الله، وانشروا مصاحِفَكم واتلوا كتابَ الله، وطوبى لمن كان ابتلاؤه اصطفاء، وخلوته للقلب شفاء، وعزلته تضرُّعًا ودعاء، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، واستعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين، واصبروا وصابروا ورابطوا وأطيعوا مَنْ ولَّاه اللهُ أمرَكم من العلماء والأمراء في طاعة الله.

 

والناس فيما نحن فيه قتلًا وإفسادًا وإحياءً وإسعادًا، صنفانِ: أهلُ تكتُّم على الداء وخلطة للأصحاء ونشر للوباء فويل للمجرمين، وآخرون جعلوا نفوسهم دون النفوس، على ثغور البلاد، أو في أمن العباد، أو حياة الأجساد، فبشرى للمحسنين، (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[الْمَائِدَةِ: 32]، ولا تكونوا عُجُلًا في كل أمر، مذاريع في كل هيعة، بُذُرًا في كل فتنة، ولا أقماع القول الذين يسمعون ولا يهتدون، (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[النِّسَاءِ: 83]، قال الله -تبارك وتعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التَّغَابُنِ: 11-13].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والأثَر، ونفعني بما فيهما من الآيات والعِبَر؛ فإن فيهما عبرة لمن اعتبر، وذكرى وادِّكارًا لمن ادَّكَر.

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ)[هُودٍ: 3]، (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)[هُودٍ: 52]، (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)[هُودٍ: 90]، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الْأَنْفَالِ: 33]؛ فاستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على النبي المصطفى، ومن اتبع بإحسان واقتفى.

 

أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)[الطَّلَاقِ: 2-3]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا)[الطَّلَاقِ: 5].

 

أيها الناس: إن الله قد أنزَل القرآن بلاغًا وذكرًا، وشفاءً وموعظةً وبشرى، قال الله: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)[إِبْرَاهِيمَ: 52]، وقال الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يُونُسَ: 57-58]، وقال الله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النَّحْلِ: 89].

 

وقد وعظَكم اللهُ وعظًا بليغًا، ودعاكم لِمَا فيه حياة أرواحكم وأبدانكم، وأعلَمَكم أنه يَحُول بينَكم وبينَ قلوبكم، وخوَّفَكم يومًا تُحشَرون فيه إلى ربكم، وأنذَرَكم بين يدي ذلك فتنةً تُصيب صالِحَكم وطالِحَكم، وذكَّرَكم سابقَ عهدكم، من قلة عددكم، وضَعْف عدتكم، وحذَّركم خيانةَ الله ورسوله، وخيانة أماناتكم، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[الْأَنْفَالِ: 24-28]، وضرَب لكم بالحياة الدنيا مثلًا، تَعقِلُه الضمائرُ، وتُدرِكُه البصائرُ، وشوَّقكم دارا سالمة من كل المخاطر، قال الله -عز وجل-: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[يُونُسَ: 24].

 

وصلُّوا وسلِّموا عبادَ اللهِ، على كعبة النقاء ومشرب الهناء، أشرف نبي، وأقرب ولي، سيدنا محمد النبي الأمي، فقد قال من اصطفاه واجتباه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن آل بيت نبيِّكَ الطيبينَ الطاهرينَ، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن مَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتكم وفضلك ومَنِّكَ وجودك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وعليك بأعداء الملة والدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً نقاءً وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورنا، اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمِرنا لما تحب وترضى، اللهم وفِّقه لِمَا تحب وترضى، وخُذْ بناصيتِه للبر والتقوى، اللهم اجعل عملَه في رضاكَ، اللهم اجعل عملَه في رضاكَ، ووفِّقه لهداك، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانه وأعوانه لكل خير يا رب العالمين.

 

اللهم اجعلنا وإياهم مفاتيح للخير، اللهم اجعلنا وإياهم مغاليق للشر، اللهم اجعلنا وإياهم من أهل تقاك يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك ومن النار، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية، في ديننا ودنيانا وأهلنا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم إنا نسألك من فجأة الخير، ونعوذ بك من فجأة الشر يا رحمن يا رحيم، اللهم إنا نعوذ بك من فجاءة نقمتك، وتحول عافيتك، ونسألك الغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، ونسألك الفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم إنا نعوذ بك من الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، ومن سوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ارفع ذلك كله عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

 

(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[الْبَقَرَةِ: 286].

 

عباد الله: إن الله يستعتبكم فهل أنتم مستعتِبون؟ ويستتيبكم فهل أنتم تائبون؟ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

الله لطيف بعباده

الله لطيف بعباده

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات