اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

محمد بن عبدالله السحيم

2022-03-18 - 1443/08/15 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- كنوز يجب حفظها 2/إكثار النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدعاء ب: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" وشرحه 3/إكثار الصحابة من الدعاء ب (ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار) 4/الدعاء بهذا الدعاء عند عدم معرفة العواقب

اقتباس

الحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يَحسُن وقْعُه عند العبد من رزق هنيء واسع حلال، وزوجة صالحة، وولد تَقَرُّ به العين، وراحة، وعلم نافع، وعمل صالح، ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة، وحسنة الآخرة هي السلامة من...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد: فَـ(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ...)[النساء: 1].

 

أيها المؤمنون: دعوات النبي -صلى الله عليه وسلم- كنوزٌ ثرَّةٌ من منائح الخير الجِزال، حقُّها أن تُدرس وتُحفَظ، ويُناجى بها المولى القريب كما كان خليله -صلى الله عليه وسلم- يناجيه بها، فهو العليم بربه، وبخزائن فضله، وجزيل عطائه، وهو الذي أُوتي جوامع الكلم في بلاغه ودعائه، وأُعطي مفاتح الفصيح التي فاق بها بلغاءَ العرب قاطبةً، وهو الذي بلغ في الأدب مع ربه وخشيته مبلغَ الذروة، وله صلى الله عليه وسلم من تلك الأدعية نخبةٌ، يكثر من مناجاة ربه بها، ومن تلك النخبة دعاء عظيم كان أكثرَ دعاءٍ يدعو به النبي -صلى الله عليه وسلم-، لعِظَمِ ما حوى من مسائل الخير، ومصارف الشر في الدنيا والآخرة، والأدبِ مع ربه -جل وعلا-.

سأل قتادةُ خادمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنسَ بنَ مالك -رضي الله عنه-: أي دعوة كان يدعو بها النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"(رواه مسلم).

 

هكذا تصدرت هذه الدعوة صدارة الكثرة في سُلَّم الأدعية النبوية، وسجَّلت مشهد الحضور في المناجاة النبوية، وكانت الدعوة المحفوظة له صلى الله عليه وسلم بين الركنين في طوافه، بل قال الإمام ابن القيم: "كان لا يدعه، وإن دعا بدعاءٍ أردفه إياه"، فما سرُّ تلك الحفاوة النبوية بهذه الدعوة؟

 

أيها المسلمون: هذه الدعوة دعوةٌ نوَّه الله -سبحانه- بها في كتابه، وجعلها شعار ثناءٍ لمن ساق له نعيمَ الدنيا والآخرة بعد أن بيَّن مطالب مَنْ تملَّكت الدنيا رغائبَه ودعاءه الذي يطلبها به؛ كما قال تعالى: (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[البقرة: 200-202]، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله-: "فجمعت هذه الدعوة كل خير في الدنيا، وصرَفت كل شر؛ فإن الحسنة في الدنيا تشمل كل مطلوب دنيوي؛ من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح (وهي أجل حسنات الدنيا كما قال ابن القيم)، ومركب هنيء، وثناء جميل، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه عبارات المفسرين، ولا منافاة بينها؛ فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا.

 

وأما الحسنة في الآخرة، فأعلى ذلك دخول الجنة، وتوابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، وتيسير الحساب، وغير ذلك من أمور الآخرة الصالحة. وأما النجاة من النار، فهو يقتضي تيسير أسبابه في الدنيا من اجتناب المحارم والآثام، وترك الشُّبهات والحرام".

 

وقال ابن سعدي: "والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يَحسُن وقْعُه عند العبد؛ من رزق هنيء واسع حلال، وزوجة صالحة، وولد تَقَرُّ به العين، وراحة، وعلم نافع، وعمل صالح، ونحو ذلك من المطالب المحبوبة والمباحة، وحسنة الآخرة هي السلامة من العقوبات في القبر والموقف والنار، وحصولُ رضا الله، والفوز بالنعيم المقيم، والقرب من الرب الرحيم، فصار هذا الدعاء أجمعَ دعاء وأكمله، وأولاه بالإيثار، ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الدعاء به، والحث عليه".

 

وعلى هدْي الإكثار سار الصحابة الأطهار، قال عطاء: "طاف عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-، فاتَّبعه رجل ليسمع ما يقول، فإذا هو يقول: (ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار) حتى فرغ، فقال له الرجل: أصلحك الله اتَّبعتُك فلم أسمعك تزيد على كذا وكذا، فقال: أو ليس ذلك كلَّ الخير؟!"(رواه الطبراني في الدعاء).

 

قيل لأنس بن مالك -رضي الله عنه-: "إن إخوانك أتوك من البصرة لتدعو الله لهم، قال: اللهم اغفر لنا وارحمنا، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فاستزادوه؛ فقال مثلها، فقال: "إن أوتيتم هذا فقد أوتيتم خير الدنيا والآخرة"(رواه البخاري في الأدب المفرد وصحَّحه الألباني).

 

وكان إذا أراد أن يدعوَ بدعوة دعا بها، وإذا أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه(رواه أحمد)، قال حبيب بن صهبان: "سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- وهو يطوف حول البيت وليس له هِجِّيرَى (أي: دأب وعادة)، إلا هؤلاء الكلمات: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقِنا عذاب النار"(رواه ابن أبي شيبة).

 

وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يعلِّم الناس أن يدعوا بهذه الدعوة قبيل السلام في الصلاة(رواه ابن أبي شيبة).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله...

 

أما بعد: فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله...

 

أيها المؤمنون: وحسنةٌ أخرى تُضَمُّ لحسنة جماع الخير في تلك الدعوة العظيمة؛ تلكم حسنة أدب العبودية اللائق بمقام مناجاة الرب الكريم، وذلك من خلال ما حوته تلك الدعوة العظيمة من إطلاق الاختيار للعلم الإلهي والرضا به دون تحديد من العبد أو اعتراض.

 

إن هذا التعليم الإلهي لهذه الدعوة والتطبيقَ النبوي الملازم لها يحددان لمن يكون الاتجاه، ويقرران أنه من اتَّجه إلى الله وأسلم له أمرَه، وترك لله الخيرة، ورضي بما يختاره له الله، فلن تفوته حسنات الدنيا ولا حسنات الآخرة.

 

أيها المسلمون: ولئن كانت الحاجة إلى هذا الدعاء ماسةً في عموم الأحوال، فإن الحاجة إليه ألزمُ حال الابتلاء وخفاءِ العاقبة، وذلك لعجلة العبد وجهله، وقصور علمه، وخفاء مآلات الأمور وعواقبها عليه، قال أنس -رضي الله عنه-: "عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلًا من المسلمين، قد خفت (أي: ضعف)، فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه؟" قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبني به في الآخرة، فعجِّله لي في الدنيا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سبحان الله! لا تطيقه أو لا تستطيعه، ألا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" قال أنس: فدعا الله له، فشفاه"(رواه مسلم).

المرفقات

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.pdf

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات