عناصر الخطبة
1/اللسان من أسباب دخول النار 2/التحذير من اللعن وبيان خطره 3/من صور اللعن المنتشرةاقتباس
واللَّعَّان قد جرت عليه نصوص الوعيد الشديد, بأنه لا يكون شهيداً, ولا شفيعاً يوم القيامة, ويُنهى عن صحبته؛ ولذا كان أكثر أهل النار النساء؛ لأنهن يُكثرن اللعن, ويكفرن العشير, وأن اللعان ترجع...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن المسلم إذا تفكر في نعم الله عليه, عجز عن حصرها وعدها, خصوصا التي في نفس الإنسان, كما قال -سبحانه-: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الذاريات:21].
ومن أجل النعم التي أنعم الله بها على العبد نعمة اللسان, والتكلم بالإفصاح عما يريد العبد؛ فبه يتفاهم الناس, ويعرفون مقاصدهم, وبه يجني العبد المسلم ملايين الحسنات؛ ولهذا صار شأن اللسان عظيما, إذ به يدخل العبد الجنة أو النار, أخرج الترمذي في جامعه من حديث عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدْنِي مِنْ النَّارِ، قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْت عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟؛ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ (يَعْمَلُونَ)[السجدة: 17]"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟", قُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ!, قَالَ: "رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟", فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ!, فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: "كُفَّ عَلَيْك هَذَا", قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟! فَقَالَ: "ثَكِلَتْك أُمُّك؛ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟", فمن هذا الحديث يتبين أن اللسان من أسباب دخول النار, والعياذ بالله!.
عباد الله: لقد انتشر في أواسط الناس اللعن, حتى أصبح الرجل يلعن ولده, وزوجته, وأهل بيته, والزوجة تلعن, والابن يلعن, بل البعض يلعن نفسه ووالديه, فيا سبحان الله!, هل يعلم هذا اللعان ما معنى اللعن؟!؛ إنه الطرد والإبعاد عن رحمة الله -تعالى-.
ولهذا جاء تحريم اللعن, والزجر عن جريانه على اللسان, وأن المسلم ليس بالطعان ولا اللَّعَّان, ولا يجوز التلاعن بين المسلِمين, ولا بين المؤمنين, وليس اللعن من أخلاق المسلمين ولا أوصاف الصديقين؛ ولهذا أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث الثابت بن الضحاك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعْنُ المسلم كقتله".
واللَّعَّان قد جرت عليه نصوص الوعيد الشديد, بأنه لا يكون شهيداً, ولا شفيعاً يوم القيامة, ويُنهى عن صحبته؛ ولذا كان أكثر أهل النار النساء؛ لأنهن يُكثرن اللعن, ويكفرن العشير, وأن اللعان ترجع إليه اللَّعْنةُ, إذا لم تجد إلى من وجهت إليه سبيلاً, ومن العقوبات المالية لِلَّعَّان أنه إذا لعن دابة تُركت .
وقد بالغت الشريعة في سد باب اللعن عن من لم يستحقه, فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن لعن الديك, وعن لعن البرغوث, فعلى المسلم الناصح لنفسه حفظ لسانه عن اللعن, وعن التلاعن, والوقوف عند حدود الشرع في ذلك, فلا يلعن إلا من استحق اللعنة بنص من كتاب أو سنة.
معاشر المسلمين: كم سمعنا من مسلم يتسوره الغضب على مسلم فيقول: لعنته إلى آدم!, وهذه من أقبح اللعن, وكله قبيح, ومن لعن نبياً أو رسولاً فقد كفر, نسأل الله السلامة, فكم في سلسلة النسب إلى آدم من نبي ورسول وصديق وشهيد.
والبعض يلعن الدين فيقول مثلا: لعنة الله على دين فلان, وهذا إذا كان الملعون مسلما, فهو كفر صراح لسبه الدين, وإن كان غير مسلم فعلى حسب دينه وتحريفه .
ألا فليتق الله قوم يلعنون في كل يوم مرات ومرات, وينشؤون أولادهم على اللعن, فالبيت كله لعن في لعن, فكيف تدخل الرحمة بيتا فيه كل هذا اللعن ؟!.
اللهم أعنا على حفظ ألسنتنا, واكفنا شر ألفاظنا.
الخطبة الثانية :
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن اللعن محرم في كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-, حتى على البهائم, فيحرم لعن الدابة, واللعان للدواب ترد شهادته؛ لأن صفة اللعن جرح له, أخرج مسلم في صحيحه من حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في سفر, فلعنت امرأة ناقةً, فقال -صلى الله عليه وسلم-: "خذوا ما عليها, ودعوها مكانها؛ ملعونة", فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد, ولهما عن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة".
عباد الله: كم نحن بحاجة لتهذيب ألسنتنا, وحفظها؛ فاللسان يهدم الجبال من الحسنات, ويوبق العبد في جهنم, فرب كلمة قالت لصاحبها: دعني, ورب كلمة أدخلت العبد النار وهو لا يشعر, أخرج مسلم في صحيحه من حديث عن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟, إني قد غفرت له، وأحبطت عملك", وفي حديث أبي هريرة: أن القائل رجل عابد، قال أبو هريرة: "تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته", وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا؛ يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا؛ يَهْوِي بها في جَهَنَّم".
عباد الله: إن اللسان على ما عود عليه, فإن عودته على السب والشتم, والكلام البذيء؛ اعتاد عليه, وإن عودته على الكلام الطيب والذكر؛ اعتاد عليه.
عود لسانك قول الحق تحض به *** إن اللسان لما عودت معتاد
اللهم نسألك صحة في إيمان, وإيمانا في حسن خلق.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم