اللاجئون جرح الأمة الغائر

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2021-12-03 - 1443/04/28 2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: الأحداث العامة
عناصر الخطبة
1/نعم تساوي الدنيا 2/من هم اللاجئون؟ 3/دواعي اللجوء وأسبابه 4/معاناة اللاجئين ومآسيهم 5/حقوق اللاجئين وما يجب لهم 6/نداء للأمة ..حكومات وأفراد.

اقتباس

قوم ذوو وضع مهدد، يعبرون حدود دولهم إلى بلد آخر التماساً للحماية والأمن والملاذ؛ قوم شردوا من ديارهم، وهجروا من أوطانهم، فخرجوا لا يلوون على شيء، متجهين إلى غير وجهة، ميممين وجوههم إلى...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71]، أما بعد:

 

أيها المسلمون: فإن من نعم الله -تعالى- العظيمة، وآلائه الجسيمة، أن يمنَّ على العباد ببلد آمن، ووطن مطمئن، لا يلحقهم فيه خوف، ولا يدهمهم فيه جوع ولا مسغبة، يرفلون فيه في ثياب النعم، ويتزينون فيه بزي العافية، تجبى إليهم فيه ثمرات كل شيء، ولا ينقصهم من نعيم الدنيا شيء، يعيشون وسط أهاليهم آمنين، وفي بيوتهم وادعين مطمئنين؛ فهذه من النعم المتوجبة الشكر، المستحقة الثناء، لذا لما امتن الله على قريش لم يمتن عليها بكثير عدد ولا عدة، وإنما امتن عليهم بنعمة الأمن من الخوف، والإطعام من الجوع؛ كما قال -تعالى-: (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ *إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)[قريش: 1 - 4].

 

وقال -تبارك وتعالى- ممتنا عليهم كذلك: (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)[القصص: 57]؛ فالأمن من الخوف، والاكتفاء في الرزق من أعظم نعم الله على عباده، ولا يشعر بهذه النعمة إلا من فقدها، ولا يحس بها إلا من سلبها، كأولئك الذين يعيشون في بلاد اختل فيها النظام، وانفلت فيها الزمام، فعاشوا الحروب الطاحنة، والمصائب الكبيرة الموجعة، التي أهلكت الحرث والنسل، ودمرت البيوت والديار، فملأت الأرض رعبًا وخوفًا، وجوعًا ومسغبة وفقرًا، فإذا أهلها مشردون في كل أرض، هائمون في كل وجهة، لا يلم شعثهم لامٌّ، ولا يجمع تفرقهم جامع.

 

اللاجئون.. وما أدراك ما اللاجئون: قوم؛ (أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)[الحج: 40].

 

قوم ذوو وضع مهدد، يعبرون حدود دولهم إلى بلد آخر التماساً للحماية والأمن والملاذ؛ قوم شردوا من ديارهم، وهجروا من أوطانهم، فخرجوا لا يلوون على شيء، متجهين إلى غير وجهة، ميممين وجوههم إلى غير سبيل، يحملون أبناءهم على ظهورهم، يسيرون أفرادا وزرافات، نساءا ورجالا، شبابا وكهولا، قد مزقهم الظلم، وشتتهم الطغيان، وشردهم البغي.

 

هم قوم خرجوا هائمين، إما فارين بأرواحهم من الموت، أو بأعراضهم من التعدي، أو بدينهم من الفتنة؛ فإذا هم يتوسدون الأرض، ويلتحفون السماء، على حدود الدول يجتمعون، وفي المخيمات يسكنون، حيلة المرء منهم خيمة بالية الأسمال، ركيكة الحال، تعبث الريح بأطرافها، وتهز العواصف أطنابها، لا تقيهم حرا ولا قرا، ولا رمضاء ولا زمهريرا، يتكدسون فيها بالعشرات، أحياء كالأموات.

 

قوم فروا من الموت إلى الموت، ومن الخوف إلى المجهول، قد ملأت جثثهم البحار والمحيطات، والجبال والوديان، ومن نجا منهم وجد نفسه بلا عنوان، خارجًا عن الزمان والمكان، يصارع الموت في كل لحظة، ويدافعه في كل آن.

 

إنهم جرحنا الغائر، وكم لنا من جراحات غائرة، ففي اليمن جرح، وفي أراكان جرح، وفي ليبيا جرح، وفي العراق جرح، وفي الشام جرح.

 

لقد خرج هؤلاء من ديارهم، وفروا من أوطانهم لأسباب عدة، من أهمها:

الاضطهاد والظلم الذي يعانونه في أوطانهم، من قمع للحريات، ومصادرة للحقوق والواجبات، وظلم في توزيع الثروات، وهضم واحتقار للأقليات.

 

ومن الأسباب كذلك: الخوف على الحياة في البلد الأصلي بسبب العِرق، أو الدين، أو الأصل القومي، أو الرأي السياسي، أو أي سبب يشكل تهديد على حياة الفرد عند عودته إلى ذلك البلد.

 

ومن أسباب اللجوء كذلك الفرار من الحروب المدمرة التي تهلك الحرث والنسل، وتأكل الأخضر واليابس، وتأتي على الجديد والتليد.

 

فلا يَخفى عليكم -أيها الأكارم- ما تعيشه هذه البلدان اليوم من أنواع البؤس والشقاء، والحروب واللأواء، وتسلط الطغاة والأعداء،  مما أدَّى إلى هدم الديار، وإزهاق الأرواح، والتعدي على الأعراض، واستشراء القتل الذي لم يعد يفرق بين طفل أو بالغ، أو رجل أو امرأة، أو شيخ أو شاب.

 

وكلكم يرى تواطؤ قوى الشر بعضهم مع بعض، وتعاونهم على البغي والظلم، وكأنما يراد لإخواننا في هذه البلدان أن تُفرغ بلادهم منهم، ليحل محلهم قوم آخرون.

 

 ها هو العالم يقف عاجزًا وهو يرى هؤلاء المستضعفين بلا حماية، ولا مأوى، ولا طعام، ولا شراب، فهو عاجز عن كف يد الظلم عنهم، وعاجز عن إدارة أزمتهم، وعاجز عن إيجاد الحلول السياسية التي تحد من تدفقهم إلى الحدود والبلدان، وعاجز عن حمايتهم من تهوّر حكوماتهم، وتأمين حياة كريمة لمن يهربون من فظائع الصراع.

 

إن ما يعانيه إخواننا اللاجئون اليوم في الشتات والمخيمات لأمر يستدعي منا وقفة جادة، وعزيمة صادقة على مختلف الجهات، والعديد من القنوات؛ لإظهار مظلوميتهم للعالم، وبيان حقهم للوجود، وإظهار ما يتوجب علينا إظهاره مما يعانونه في الشتات.

 

أقول هذا القول، وأستغفر لله لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

 

عباد الله: الواجب علينا كحكومات أن نسارع بالخطط العاجلة، والتدابير المحكمة لمساعدة هؤلاء بكل أوجه المساعدة، فلابد من تأسيس اللجان الوطنية الإغاثية، وتفعيل دور الجمعيات الخيرية، والمنظمات الحقوقية، لمساندة هؤلاء الضعفاء، بتوفير الطعام الكافي، والمسكن الدافئ، والدواء الشافي، وتجهيز المخيمات الصالحة للعيش الإنساني الكريم، بما فيها من مرافق صحية، ومدارس تربوية، حتى ينعمون وأبناؤهم بالعيش المستور، إلى أن يكشف الله غمتهم، ويعودوا إلى أوطانهم.

 

هذا على السبيل الإغاثي، أما على السبيل السياسي، فلابد من فتح ملفاتهم أمام العالم، وإشهار مظلوميتهم أمام الدول، والسعي إلى كف يد الطغاة عنهم، وفضح الظلمة والطغاة وملاحقتهم دوليًّا في كل مناسبة يتوجب نصرتهم فيها.

 

وأما دور منظمات حقوق الإنسان التي يفترض أنها من أهم الجهات المسؤولة عن اللاجئين وحقوقهم فيتوجب عليها بذل جهودها في رصد وتوثيق حقوق اللاجئين في الدولة التي تعمل فيها، وفي المنطقة إن كانت إقليمية أو دولية، كما يتوجب عليها تقصي الحقائق من خلال جمع المعلومات والبيانات الخاصة باللاجئين وتحليلها، ومراقبة تطبيق الالتزامات الدولية فيما يتعلق بهم من خلال الاتفاقيات المصادق عليها.

 

ومن واجباتها كذلك تقديم العون والمساعدة لضحايا انتهاكات حقوق الانسان من اللاجئين بما فيها المساعدة القانونية، وتشكيل تحالفات وطنية ودولية وأقليمية ليتسنى لها تنفيذ المهمات التي أنيطت بها لتحقيق أفضل طرق التواصل لحماية وتعزيز حقوق اللاجئين.

 

وأما على مستوى الأفراد؛ فأنت -يا عبد الله- ليكن لك مشاركة ومبادرة فردية مع إخوانك اللاجئين في بلدك ومحيطك؛ فإن كان لك صلة أو رابط يربطك مع أسرة من هذه الأسر، فينبغي عليك أن تقوم بواجبك بقدر الاستطاعة، إذ يتوجب عليك أن تتفقد أحوالهم، وتسأل عنهم، وتطعم جائعهم، وتكسي عاريهم، وتساعد محتاجهم، وتعالج مريضهم، وتستر خلتهم، وتقف عونًا وسندا لضعيفهم.

 

إذ كيف يهنأ لنا عيش أو تحلو لنا حياة وهؤلاء اللاجئون بين ظهرانينا يعانون ولا معين، ويشتكون ولا سامع قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، مَن بات شبعانَ وجاره جائع".

 

ينبغي علينا كمسلمين أن نكون كالجسد الواحد المتماسك، الذي يتوجع إذا توجع العضو منه، ويسهر إذا تألم البعض منه؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه: "مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى"(رواه البخاري ومسلم).

 

وإن من أحق الحقوق وأوجب الواجبات أن نقف مع المستضعفين في الأرض، وأن نناصرهم على من بغى عليهم، وأن نساندهم بكل السبل والطرائق، وأن نحتويهم ونفتح الأبواب والطرق لهم حتى يفروا بدينهم وأعراضهم وأهاليهم وأرواحهم من الأذية والبغي.

 

لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتأذى من أذية المسلم ويحزن عندما يرى بلية المؤمن: "جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: إنِّي مَجْهُودٌ، فأرْسَلَ إلى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما عِندِي إلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلى أُخْرَى، فَقالَتْ مِثْلَ ذلكَ، حتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذلكَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ، ما عِندِي إلَّا مَاءٌ، فَقالَ: مَن يُضِيفُ هذا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؟ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَقالَ: أَنَا، يا رَسولَ اللهِ، فَانْطَلَقَ به إلى رَحْلِهِ، فَقالَ لاِمْرَأَتِهِ: هلْ عِنْدَكِ شيءٌ؟ قالَتْ: لا إلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، قالَ: فَعَلِّلِيهِمْ بشيءٍ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فأطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَرِيهِ أنَّا نَأْكُلُ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ، فَقُومِي إلى السِّرَاجِ حتَّى تُطْفِئِيهِ، قالَ: فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا علَى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ: قدْ عَجِبَ اللَّهُ مِن صَنِيعِكُما بضَيْفِكُما اللَّيْلَة"(رواه البخاري ومسلم).

 

فانظروا كيف تعامل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع رجل جائع واحد فكيف وعندنا ملايين الأفواه الجائعة، التي تموت في الحدود والمخيمات وفي تجمعات اللاجئين، يموتون جوعًا وفقرًا.

 

وفي الحديث الذي أخرجه مسلم من حديث جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: "كنَّا عندَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في صدرِ النَّهار؛ فجاءَه أقوُمٌ حُفاةٌ عُراةٌ مُجتابي النِّمارِ أوِ العَباءِ، متقلِّدي السُّيوفِ، عامَّتُهم من مُضَر، بل كلُّهُم مِن مُضَرَ فتمعَّرَ"، وفي روايةٍ: "فتغيَّرَ  وجهُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لما رأى بِهم منَ الفاقةِ".

 

فكيف لو رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إخواننا اللاجئين، وعليهم أسمال بالية، وبيوتهم قد أصبحت منهم خالية، وقد قتلهم الجوع، وأفناهم الخوف.

 

أيها المسلمون: اعلموا أن في هذا البلاء امتحان عظيم، واختبار كبير، ليس لإخواننا اللاجئين فحسب، بل هو اختبار للعالم، كل العالم، وامتحان للبشرية، كل البشرية، اختبار لمن نزل البلاء وشردهم القضاء، واختبار لمن كان قادرًا على أن يقف مع هؤلاء الضعفاء، سواء كان مسؤولا حكوميا أو فردًا عاديا.

 

وأعدوا -أيها المؤمنون- للوقوف بين يدي الله وعتابه حين ينادي: يا عبدي، يا ابن آدم، مرضت ولم تَعُدْني، استطعمتك فلم تُطعمني، استسقيتك فلم تسقني، أما إنك لو عدته، أما إنك لو أطعمته، أما إنك لو سقيته - لوجدت ذلك عندي.

 

وصلُّوا وسلِّمُوا على خير خلق الله نبينا محمد؛ فقد أمرنا الله بهذا، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

اللاجئون جرح الأمة الغائر.doc

اللاجئون جرح الأمة الغائر.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات