الكهانة وخطرها على عقيدة الأمة

الشيخ عبدالله بن علي الطريف

2021-10-29 - 1443/03/23 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/تعريف الكاهن والعراف والفرق بينهما 2/حكم إتيان الكهنة والعرافين 3/طرق وأساليب الكهنة والعرافين 4/حكم متابعة الكهنة والمنجمين في التلفاز 5/الحث على التوبة والاستغفار

اقتباس

ما زال العلماء يحذرون من هذه القنوات، ويكررون التحريم، فيجب على المسلم أن يتجنبها، ولا يتساهل في شأنها، ولا يدخلها في بيته، أو في محله، يجب على المسلمين أن يحذروا منها غاية الحذر، ولا شك أنه إذا فتحها ونظر إليها، أنه يأثم بذلك...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمد لله عالِمِ الغَيبِ وَالشَّهادَةِ الكَبيرِ المُتَعال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العطاء والأفضال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله كريم الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما تعقب النهار والليال, وسلم تسليماً لا يحده مقال, أما بعد:

 

أيها الإخوة: اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن من أسماء الله -تعالى- العليم والخبير, وهو عالم الغيب والشهادة, قال السعدي -رحمه الله-: "العليم: وهو الذي أحاط علمه بالظواهر والبواطن, والإسرار والإعلان، وبالواجبات والمستحيلات والممكنات، وبالعالم العلوي والسفلي، وبالماضي والحاضر والمستقبل، فلا يخفى عليه شيء من الأشياء".

 

أيها الإخوة: وممن ضل سواء السبيل في جنب علم الله -تعالى-, وادعى ما لا يعلمه إلا الله؛ الكهان، والعرافون، وعرف العلمـاءُ الكاهن بأنه: "الـذي يـوهم غيره أنـه يعلـم الغيـب، ويخـبر عـن الكائنـات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار", والعراف هو: "الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقـدمات أسـباب, يسـتدل بهـا علـى مواقعهـا مـن كـلام مـن يسـأله أو فعله أو حاله، كالـذي يدعي معرفـة الشـيء المسـروق, ومكـان الضـالة ونحوهما".

 

وفرق بعضهم بين العراف والكاهن، فقال: "إن الكاهن هـو الـذي يـدعي العلـم بالمغيبـات في الماضي، وأما العراف فهو الذي يدعي معرفة الأمور المستقبلة", والحاصل: أن كـلاً مـن الكـاهن والعـراف يـدعي علـم المغيبـات، ويـوهم النـاس أنـه يعلم ما في غدٍ، وحينئذ فلا فرق بينهما من هـذا الوجـه, وإن اختلفـا في الوسـيلة وطريـق العلـم بمـا يدعيانه.

 

أيها الإخوة: كل من ادعى أنه يعرف علم ما غاب عنه دون أن يخبره به مخبر، أو زعم أنه يعرف ما سيقع قبل وقوعه؛ فهو مشرك بالله شركاً أكبر، سواء ادعى أنه يعرف ذلك عن طريق الطرق بالحصى، أم عن طريق حروف أبا جاد، أم عن طريق الخط في الأرض، أم عن طريق قراءة الكف، أم عن طريق النظر في الفنجان أو الأبراج, أم غير ذلك، كل هذا من الشرك، ويكفر بذلك؛ لأنه يتولى الشيطان، والشيطان لا يُوحي إليه إلا بعد أن يتولاه، قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ)[الأنعام:121] والشيطان لا يتولى إلا الكفار وهم يتولونه، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)[البقرة:257]؛ أي: يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ نُّورِ الإِيْمَانِ وَالهُدَى، إِلَى ظُّلُمَاتِ الكُفْرِ والضَلَالَةِ.

 

ولقد نهى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن إتيانِ الْكُهَّانِ، فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: "فَلَا تَأْتِهِمْ"(رواه مسلم), وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، أَوْ أَتَى امْرَأَتَهُ حَائِضًا، أَوْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا؛ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ"(رواه أبو داود, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وصححه الألباني), وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ليسَ مِنّا مَنْ تَطيَّر أوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أو تَكَهَّنَ أو تُكُهِّنَ لَهُ، أو سَحَر أوْ سُحِرَ لَهُ، ومَنْ أتى كاهِناً فصدَّقَهُ بما يقولُ؛ فقدْ كَفَر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-"(رواه البزار في مسنده عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وقال الألباني صحيح لغيره), هذه الأدلة تُكَفِرُ من سألَ كاهناً فصدَّقَه بما يقول، فكيف بالكاهن نفسه؟!.

 

ثم إن الكاهن يحاول التشبُّه بالله -تعالى- في صفاته، وينازعُه في ربوبيته؛ لأن علم الغيب من صفات الربوبية التي استأثر الله -تعالى- بها دون من سواه, فقد قال: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ)[الأنعام:59].

 

ويلحق بالكاهن والعراف كل من يدعي علم المغيبات، فإذا كـان الكـاهن والعـراف يـدعيان علـم المغيبـات، ويوهمـان النـاس بمعرفـة مـا خفـي علـيهم مـِنْ أمورهم في الماضي والمستقبل؛ فإننا نستطيع القول بأن كل من يـدعي ذلـك فهـو داخـل في حكمهمـا، ويجري عليه ما يجري عليهما, وإن تسـمى بأسمـاء أُخَـر، أو تلقـب بلقـبٍ مـن قبـلِ نفسـه أو من الناس المغترين به؛ فالعبرة بالنتيجة وإن تنوعت المقـدمات, بـل ولـو سمـاهم النـاس أوليـاء أو مشـايخ أو نحو ذلك.

 

وللكهانة أساليب متنوعة وطرق كثيرة نذكر بعضها، فمن الكهانة: قراءة الكف, وهي وسيلة من الوسائل التي يستخدمها العرافون والكهان لاستطلاع ما في الغيب، ولا تختص بالكف بل يعم كل من يُنظرُ من الأعضاء ليتكهن به, سواء الوجه أو غيره، وينظر الكاهن إلى كَفِ سائله والخطوط التي بها, ثم يخبر صاحبها بأمور تحدث له بالمستقبلِ؛ من طولِ عُمُرٍ وقصره, وسعادةٍ وشقاوة, وغنى أو فقر, وغير ذلك.

 

ومن الكهانة: قراءة الفنجان, بأن يطلب الكاهن من سائله أن يشرب من فنجان، فإذا فرغ من شُربه أداره عدة مرات، ثم نظر ما يعلق في جدران الفنجان من بقية المشروب، ثم يخبر صاحب الفجان ما سيكون له في المستقبل بزعمه أنه قرأ الصور التي تشكلت في الفنجان وفسرها.

 

ومن الكهانة: الاعتقاد بالطوالع والأبراج, وهذا داخـل في حكـم التنجـيم، وهـو اعتقـاد بأن ثمـة علاقـة بـين الطوالـع والأبـراج وأحـوال النـاس, وأن لهـا تأثـيراً في سـعادتهم وشـقائهم!, وينتشـر هـذا في زماننـا عـبر وسـائل الإعـلام المختلفة, كما في بعض الفضائيات والإذاعات، وفي عدد مـن الصـحف والمجلات، بل في مواقـع إلكترونيـة علـى شـبكة الإنترنـت تخـتص بهـذا النـوع مـن التنجـيم، تحـت عنـوان: الحـظ والأبـراج، أو حظك والنجوم, أو نحو ذلك.

 

ومن الكهانة: ما يسمى بـعلم الأرقام, يظهر هذه الأيام من يدعي معرفـة الغيـب عـن طريـق أرقـام يكتبهـا بطريقـة مـا, ومنـه زَعْـمُ متخــذِ هـذه الطريقــة بأن الـرقم الــذي يتكــون منــه تاريـخ مــيلاد ســائله أو نحــو ذلــك, يدُلُــهُ علــى أحداث وأمور تتعلق بذلك الشخص!, وهــذا شــبيه بمــا كــان يعــرف قـديما بعلـم الجمــل المسـمى: "أبا جــاد"؛ أي: "أبجـد هوِزْ حطي كلمن.. إلخ".

 

يكتبــون حــروف أبي جــاد، ويجعلــون لكــل حــرف منهــا قدراً من العدد معلوما عندهم، ويجرون على ذلك أسماء الآدميين والأزمنة والأمكنة وغيرها، ثم يجـرون علـى هـذه الأعـداد عمليـة حسـابية مـن جمـع وطـرح بطريقـة يعرفونها، وينسـب العـدد البـاقي مـن هـذه العمليـة إلى الأبـراج الاثـني عشـر، ثم يقضـون بالسـعود والنحـوس، وبأوقـات الحـوادث والملاحـم، ومُدَدَ الملك وأعمارَ الناس، إلى آخر ذلك من أمور الغيب، وربما سمي: "بـعلم أسرار الحروف".

 

أسأل الله -تعالى- أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح؛ إنه جواد كريم.

 

أقول ما سمعتم, وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إن ربي غفور رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ؛ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ, وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فقد قال اللهُ -تعالى- في وصيته للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131].

 

أيها الإخوة: لقد حارب الإسلام من يدعون الغيب, وشدد في تحريم إتيانهم قطعاً لشرهم، وقسم شيخُنا محمدُ العثيمين -رحمه الله- إتيان الكهان إلى ثلاثة أقسام:

الأول: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه، فهذا محرم، وعقوبة فاعله أن لا تقبل له صلاةٌ أربعين ليلة, كما ثبت في صحيح مسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً".

 

القسم الثاني: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به، فهذا كفر بالله -عزَّ وجلَّ-؛ لأنه صدقه في دعوى علمه الغيب، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله -تعالى-: (قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ)[النَّـمل:65], ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن رَسُولَ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ".

 

القسم الثالث: أن يأتي إلى الكاهن فيسأله؛ ليبين حاله للناس، وأن ما يقولُه كهانةٌ وتمويه وتضليل, فهذا لا بأس به، ودليل ذلك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أتاه ابن صياد، ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا", فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ"(رواه مسلم). أ هـ.

 

أيها الإخوة: قد يسأل بعض الناس عن حكم مشاهدة الكاهن والعراف على التلفاز, هل يختلف عن الحقيقة؟, ونص سؤال لفضيلة الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله-: إن بعض القنوات الفضائية، يعرضون لقاءات مع السحرة والكهان والمشعوذين، وبعض المسلمين -هداهم الله- يشاهدون هذه الفقرات من باب التسلية، ومعرفة أساليبهم وطرقهم, ما حكم هؤلاء المشاهدين؟, هل يصدق عليهم الذهاب إلى الكهان، وأنه لا تُقبل لهم صلاة أربعين يوما؟.

 

فأجاب: "ما زال العلماء يحذرون من هذه القنوات، ويكررون التحريم، فيجب على المسلم أن يتجنبها، ولا يتساهل في شأنها، ولا يدخلها في بيته، أو في محله، يجب على المسلمين أن يحذروا منها غاية الحذر، ولا شك أنه إذا فتحها ونظر إليها، أنه يأثم بذلك؛ لأنه لم يهجرها، ولم يبتعد عنها، فيخشى عليه أن يناله هذا الوعيد، وأنه لا يستجاب له صلاة أربعين يوما؛ لأنه في حكم من ذهب إلى الكهان، إذا فتح القناة عليهم قاصدا الاطلاع على ما يعرضون؛ فإنه في حكم من ذهب إليهم، لا فرق" انتهى.

 

وقال أيضا -حفظه الله-: "لا يجوز مشاهدة السحر سواء كان حقيقيا، أو تمثيليا تخييلياً، لا يجوز لأنه باطل، ولا يجوز للإنسان مشاهدة الباطل؛ لأنه إذا شاهده فقد أقره، إلا إذا كان يشاهده من أجل القيام بإنكاره، والعمل على إزالته، فلا بأس بذلك، أما أن يشاهده ساكتا، ومتكلما بذلك، هذا حرام؛ لأنه لهو بالباطل" انتهى, والله -تعالى- أعلم.

 

وبعد -أيها الإخوة-: من ابتلي بشيء من ذلك فليقلع ويستغفر ويتب، واحذروا الكهان وكل من يدعي علم الغيب مهما كان اسمه؛ فقد استخفوا عُقُول البلهاء، وأكلوا بالباطل أموالَ الضعفاء والسفهاء من الرجال والنساء، فأوهموهم أنهم يعلمون الغيب، يعلمون ما بطون الأرحام، ومتى تكون كثرة الأرزاق، وأن عندهم الدواء، والشفاء من كل الأمراض والأدواء, فاحذروهم.

 

وصلوا وسلموا على نبيكم؛ يعظم الله أجركم, فقد أمركم بذلك ربكم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

 

 

المرفقات

الكهانة وخطرها على عقيدة الأمة.doc

الكهانة وخطرها على عقيدة الأمة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات