عناصر الخطبة
1/التفكر والاعتبار في آيات الله ومخلوقاته 2/ تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع حدث الكسوف 3/ ما الذي ينبغي علينا عمله عند الكسوف 4/ عدم وجود علاقة بين الموتى والكسوف 5/ العلم بالكسوف ليس من علم الغيباقتباس
إن كسوف الشمس أو القمر لحدث عظيم مخيف، وأكبر دليل على ذلك ما حصل لرسول الله عند كسوف الشمس من الفزع إلى الصلاة، وما حصل له فيها من أحوال ومشاهد، ثم تلك الخطبة البليغة التي خطبها؛ فعلينا -عباد الله- أن نفزع ونخاف لحدوث الكسوف، وأن نلجأ إلى مساجد الله؛ للصلاة والدعاء والاستغفار، وأن نتصدق؛ لندفع البلاء ..
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وتفكروا في آياته وما يخلقه في السموات والأرض؛ فإن في ذلك لآيات لقوم يعقلون.
تفكروا في هذه السموات السبع التي رفعها الله بقوّته، وأمسكها بقدرته ورحمته أن تقع على العباد.
تفكروا كيف أحكم الله بناءها؛ فمالها من فروج -أي مالها من شقوق-، ومالها من فطور -أي ليس فيها عيب ولا نقصان-.
انظروا كيف زينها الله بالمصابيح التي عمتها بالجمال والنور، وكيف جعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، ثم تفكروا كيف كانت هذه النجوم والشمس والقمر تسير -بإذن الله- في فلكها الذي وضعها الله فيه منذ خلقها الله حتى يأذن بخرابها، لا تنقص عن سيرها ولا تزيد، ولا ترتفع عنه ولا تنزل، ولا تحيد؛ فسبحان الله من سيّرها بقدرته ورتب نظامها بحكمته، وهو القوي العزيز.
عباد الله: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تدل على كمال قدرته وعظيم حكمته وسعة رحمته، فإذا نظرت إلى عظمتهما وانتظام سيرهما أيقنت عند ذلك بقدرة الله، وإذا نظرت إلى ما في اختلاف سيرهما من المصالح والمنافع تبيّن لك كمال حكمة الله وسعة رحمته بعباده.
ألا وإن من حكمة الله في سير الشمس والقمر ما يحدث فيهما من الكسوف والخسوف -وهو ذهاب ضوئهما إما كله أو بعضه-، فإن هذا الكسوف وهذا الخسوف يحدث بأمر الله؛ يخوف الله به عباده؛ ليتوبوا إليه ويستغفروه ويعبدوه ويعظموه.
ولقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فزعاً خائفاً يجرّ رداءه حتى أتى المسجد ثم نودي: الصلاة جامعة، الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان، كبر ثم قرأ الفاتحة وسورة طويلة نحو البقرة حتى جعل أصحابه يخرّون من طول القيام ثم ركع فأطال الركوع ثم قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم قرأ الفاتحة وسورة طويلة دون الأولى ثم ركع ركوعاً طويلاً دون الأول ثم قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وأطال القيام ثم سجد فأطال السجود ثم جلس بين السجدتين وأطال ثم سجد فأطال، ثم فعل في الركعة الثانية مثلما فعل في الأولى غير أنه لم يطل بمثل الركعة الأولى حتى انجلت الشمس، وقد سمعه بعض الصحابة يقول في سجوده: "رب ألم تعدني أن لا تعذّبهم وأنا فيهم، ألم تعدني أن لا تعذبهم وهم يستغفرون"
ثم خطب الناس ووعظهم موعظة بليغة فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهل له سبحانه ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، فافزعوا إلى المساجد، فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره" وفي رواية: "فادعوا وتصدقوا وصلوا" ثم قال: "يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً". وقال: "ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه وأوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريباً من فتنة الدجال" قالوا يا رسول الله: لقد أريناك تأخرت وتقدمت في مقامك في الصلاة قال: "لقد رأيت النار جيء بها يحطم بعضها بعضاً فتأخرت مخافة أن يصيبني من لهبها حتى رأيت فيها عمرو بن لحي -الذي سن لقريش عبادة الأصنام- يجر أمعاءه في النار، ورأيت صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً ورأيت أكثر أهلها النساء- قالوا: لم يا رسول الله قال: لأنهن يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط ورأيت الجنة حتى تقدمت في مقامي، فأردت أن أتناول منها عنقوداً ولو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا".
فيا أمة محمد: إن كسوف الشمس أو القمر لحدث عظيم مخيف، وأكبر دليل على ذلك ما حصل لرسول الله عند كسوف الشمس من الفزع إلى الصلاة، وما حصل له فيها من أحوال ومشاهد، ثم تلك الخطبة البليغة التي خطبها؛ فعلينا -عباد الله- أن نفزع ونخاف لحدوث الكسوف، وأن نلجأ إلى مساجد الله؛ للصلاة والدعاء والاستغفار، وأن نتصدق؛ لندفع البلاء، وقد أمر النبي بإعتاق الرقاب في كسوف الشمس؛ لأن عتق الرقبة معناه نجاة المعتق من النار؛ فأسباب البلاء والانتقام عند حدوث الكسوف قد انعقدت، والفزع إلى الصلاة والدعاء والتوبة والاستغفار والصدقة وغيرها من أفعال الخير تدفع تلك الأسباب بإذن الله.
فيا أيها الناس: إذا حصل الكسوف -كما أخبر بذلك من له علم بحساب جريان الشمس والقمر في أي وقت وفي أية ساعة- فافزعوا إلى الصلاة؛ لأن النبي أمر بذلك، ولم يحدّد لها وقتاً من الأوقات، وإنما وقْتُها إذا رأيتم الكسوف فلا نصلي إلا إذا شاهدنا ذلك، ولأن صلاة الكسوف هي صلاة فزع ومدافعة بلاء وخوف انتقام العزيز الجبار لدينه ومحارمه.
واعلموا أن السنة أن تصلى جماعة في المساجد كما صلاها النبي وصلى خلفه الرجال والنساء، فإن صلاها الإنسان وحده فلا بأس لكن الأفضل مع الجماعة.
فاللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، ونعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
وبعد:
فإن بعض الناس يزعمون أن كسوف الشمس وخسوف القمر، وزوال هذه النجوم عن مطالعها، وما يحدث أحياناً من تغير .. يزعمون أن شيئاً من هذا يحدث لموت رجال عظماء من أهل الأرض كما حدث أن بعض الناس ظنوا أن كسوف الشمس الذي حدث على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان لأجل موت ولده إبراهيم.
ألا إن هؤلاء قد كذبوا، ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عباده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموه فافزعوا إلى الصلاة" وبين في رواية أخرى أن كسوف الشمس وخسوف القمر سبب لنزول عذاب الله بالناس فقال: "ولكنها آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده" فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس إذا جاءهم ما يضرهم؛ فلو لم يحصل بالناس ضرر عند الكسوف أو الخسوف ما كان ذلك تخويفاً وقد قال تعالى: (وآتينا ثمودَ الناقةَ مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً). وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بما يزيل الخوف، أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة حتى يكشف الله ما بالناس.
وأما العلم بوقت الكسوف والخسوف فهو ممكن إذا أخبر به من يعرف حساب جريان الشمس والقمر ومنازلهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب العلم بالغيب، ولا يترتب على خبره حكم شرعي، فهو كمثل من يعلم أوقات الفصول كأول الربيع والصيف والخريف والشتاء؛ لأنه يعلم أن الشمس تكون قريبة من ذلك النجم، غير أننا لا نصدق الذي يخبر بذلك إلا إذا علمنا أنه صادق، ولا نكذبه إلا إذا علمنا كذبه؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوهم، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوهم" ومع هذا فلا يترتب على هذه المسألة علم أو حكم شرعي طالما أننا لا نصلي هذه الصلاة إلا إذا شاهدنا الكسوف وإن الواجب علينا إذا رأينا هذه الآية أن نسارع إلى التوبة إلى الله وأن يراجع كل واحد منا نفسه مع ربه وأن لا نأمن مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون.
وأذكركم ثانية أنه إذا حصل كسوف يوم الأربعاء إن شاء الله أن نلجأ إلى المسجد للصلاة والدعاء والاستغفار متى رأينا الكسوف، وكلنا خوف وعزيمة على الرجوع إلى دين الله بصدق، ومن كانت له خصومة أو شحناء مع أخيه فليتصارح معه، فإن كل ذلك سبب لرفع البلاء ودفع نقمة الله وغضبه لمحارمه التي انتهكها كثير من الناس دونما خوف ولا حياء. فاللهم لا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، ولا تسلط علينا بذنوبنا عقابك، واكشف عنا العذاب فإننا مؤمنون. وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم