الكرم

إسماعيل القاسم

2021-03-12 - 1442/07/28 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/الكريم من أسماء الله والكرم صفته 2/فضائل الكرم 3/جود النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه 4/أجود الناس وأكرمهم 4/آداب الكرم المحمود وصوره.

اقتباس

وأكرمُ من وطِئَ الثرى هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، كان أجودَ الناس، كما ذكر واصفوه ابنُ عباس ٍ وأنسٌ -رضي الله عنهم- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسنُ الناس، وكان أجودَ الناس، وذكر عليٌّ -رضي الله عنه- أنّ النبي كان أجودَ الناس كفاءةً، وأوسعَ الناسِ صدرًا، وأصدقَ الناسِ لهجةً.

الخطبة الأولى:

 

من أسماء الله "الكريم" وصفته الكرم، يَرزق مَن يشاء بغير حساب، ويجازي العملَ القليلَ بالكثير: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)[الأنعَام: 160]، وهو -عز وجل- يُجازي مَن أطاعه في سنين الدنيا القليلة بالنعيم المقيم.

 

ومِن كرمه -عز وجل- أنه إذا وعَد وفَّى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يضرّه كم أعطى، ولمن أعطى، وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى.

 

ومن كرمه: أنه يجيب دعوة الداعين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفرًا -أو قال- خائبتين"(رواه ابن ماجه).

 

فالله -عز وجل- يحب الكرم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- كريم، يحب معاليَ الأخلاق، ويكره سفسافها"(رواه البيهقي).

 

والكرم من شيم الرجال، ومن خصال الأبرار، فإن الكريم هو الذي يهب المال لا لغرض جلب منفعة، أو تخليصٍ من مذمة، فالكريم من يوصل النفع بلا عوض.

 

وقد كانت العرب مشتهرةً بالكرم أيامَ الجاهلية، فَجَدُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عبدُ المطلب، واسمه شيبة، ويقال له: شيبة الحمد لجوده، وجماعُ أمْرِ قريشٍ إليه، وكان رجلاً كريمًا، ووالدُ عبدِالمطلب - أيْ: جد والد النبي صلى الله عليه وسلم- هاشم، واسمه عمرو، وسُمِّي هاشمًا لهشمه الثريدَ مع اللحم لقومه في أعوام الجوع، والجد الخامس للنبي -صلى الله عليه وسلم- اسمُه قُصيُّ بنُ كِلاب، فَرَض على قريشٍ خَرْجًا سنويًّا يؤدونه إليه لينفق منه على إطعام فقراء الحجاج.

 

والذي يَلُتُّ السَّويقَ للحاجَ -أي: يصنع لهم طعامًا- كانت عبادة المشركين له لأجل عمله الصالحِ الذي كان يعمله، وهو إكرام حاج بيت الله.

 

وأكْرمُ البشرِ هم أنبياء الله ورسلُه -عليهم السلام-، فهذا إبراهيم حين جاءته الملائكة بالبشرى - قيل: بإسحاق، وقيل: بعذاب قوم لوط -عليه السلام- جاء بِعْجِلٍ حنيذ، فأحسن إكرامهم، وأسرع في إطعامهم دون تأخير، كما وصف الله ذلك (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)[هُود: 69]؛ فذبح لهم عجلاً، وشواه على الحجارة المُحْمَاة، ثم قرَّبه إليهم.

 

وأكرمُ من وطِئَ الثرى هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، كان أجودَ الناس، كما ذكر واصفوه ابنُ عباس ٍ وأنسٌ -رضي الله عنهم- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسنُ الناس، وكان أجودَ الناس، وذكر عليٌّ -رضي الله عنه- أنّ النبي كان أجودَ الناس كفاءةً، وأوسعَ الناسِ صدرًا، وأصدقَ الناسِ لهجةً.

 

والدنيا في عين النبي -صلى الله عليه وسلم- صغيرة، تأتيه الغنائم والعطايا ثم يوزعها على الناس، بل قال لهم يوم حنين "لو كان عدد هذه العضاه نَعَمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا كذوبًا، ولا جبانًا"(رواه البخاري).

 

وقال -صلى الله عليه وسلم- في صحيح البخاري: "لو أن لي مثل أُحد ذهبًا ما يسرني أن يأتي عليَّ ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين"، "وتُهدَى له شملةٌ منسوجةٌ فيها حاشيتها وهو محتاج لها، ثم يعطيها لغيره في نفس مجلسه"(رواه البخاري).

 

"ولما أُتِيَ له بمال عظيم من البحرين، قال: انثروه في المسجد، فكان أكثرَ مالٍ أُتي به لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله أعطني، إني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً، قال: خذ، فحثا في ثوبه، ثم ذهب يُقِلُّه فلم يستطع، فقال يا رسول الله: مر بعضَهم يرفعه لي، قال: لا، قال: فارفعه أنت عليَّ، قال: لا، فنثر مِنْه، ثم احتمله على كاهله، ثم انطلق، فما زال يُتْبِعه بصرَه حتى خفي علينا، عجبًا من حرصه، فما قام رسول الله، وثَمَّ منها درهم"(رواه البخاري).

 

ولما خرج إلى الصلاة -في وقت توزيع مال البحرين- مَرَّ بالمال ولم يلتفت إليه، بل كان -صلى الله عليه وسلم- من كرمه أنْ يَعِد الناسَ بالمال قبل أن يأتيه، كما في حديث جابر -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو قد جاء مال البحرين، لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا"(رواه البخاري).

 

قال ابن رجب -رحمه الله-: في وصف كرم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنه يعطي عطاءً يعجز عنه الملوكُ، مثلُ كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع".

 

وفّقنا الله للبذل والعطاء في وجه المشروع.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أكرم الناس بعد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- صحابتُه -رضي الله عنهم-، فقد ربَّاهم رسول الله على البذل والعطاء، فقدَّموا أنفسهم ومُهَجَهم، وأرواحهم وأموالهم، وأولادهم في سبيل الله.

 

وقد ذكر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- منافسته لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا أن نتصدّق، فوافق ذلك مالاً عندي فقلت: اليوم أسبِقُ أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مِثْله، قال: وأتى أبو بكر -رضي الله عنه- بكل ما عنده، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قال عمر: قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا"(رواه أبو داود والترمذي).

 

وذكر ابن عمر -رضي الله عنهما- انه أهدى لرجل رأس شاةٍ فقال: إن أخي في الإسلام وعيالَه أحوجُ منَّا إلى هذا، فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحدٌ إلى آخر حتى رجعت إلى الأول بعد سَبْعةٍ.

 

ولما كان الكرم من أنواعه بذل المال للغير، أراد الشارع الحكيم أنْ يكون هذا البذل والعطاء لله، لا لثناء الناس عليه، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "أوّل الناس يُقْضَى لهم يوم القيامة ثلاثة، وذكر منهم: ورجل وسّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كلِّه، فأتى به فعرّفه نِعَمه فَعرَفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه ثم أُلقى في النار"(رواه مسلم).

 

فعلى المسلم أن يتحلى بصفات الأبرار كما وصفهم الله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا)[الإنسَان: 8-9]، والكرم لا يكون ببذل المال فقط بل بالأفعال أيضًا، وأكرم الأفعال ما يقصد به أشرفُ الوجوه، وأشرفها ما يقصد به وجهُ الله -تعالى-، ويحصل ذلك من المتقي، قال -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحُجرَات: 13]، قال عمر -رضي الله عنه-: "كرم المؤمن تقواه".

 

ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوسف -عليه السلام- إنه "الكريم ابنُ الكريم ابنِ الكريم ابنِ الكريم"، فوصف كلَّ واحد منهم بالكرم، لِمَا كانوا عليه من التقوى.

 

فكن كريمًا ببذل مالك في أوجه الخير في حياتك، وفي وصيتك بعد مماتك.

 

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه؛ فصلوا عليه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

المرفقات

الكرم.doc

الكرم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
29-06-2021

جزاكــــــــــــــــــــــــم الله خيــــــــــــــــــــــــــــرا