الكرم

إسماعيل القاسم

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ الكرم من أسماء الله وصفاته 2/ الكرم من شيم الرجال وخصال الأبرار 3/ شهرة العرب بالكرم في الجاهلية 4/ أكرم البشر أنبياء الله 5/ كرم النبي عليه الصلاة والسلام 6/ أمثلة من كرم الصحابة والصالحين

اقتباس

والكرم من شيم الرجال، ومن خصال الأبرار؛ فإن الكريم هو الذي يهب المال؛ لا لغرض جلب منفعة أو تخليص من مذمة؛ فالكريم من يوصل النفع بلا عوض. وأكرم البشر هم أنبياء الله ورسله -عليهم السلام-؛ فهذا إبراهيم -عليه السلام-، حين جاءته الملائكة بالبشرى، قيل: بإسحاق، وقيل: بعذاب قوم لوط، وجاء بعجل حنيذ، فأحسن إكرامهم، وأسرع في إطعامهم دون تأخير، كما وصف الله ذلك: (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)، فذبح لهم عجلاً وشواه على الحجارة المحماة ثم قرّبه لهم ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب : 71 ].

عباد الله: اعلموا ان أصدق الحديث كتاب الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم -عليه السلام-، وأشرف الحديث ذكر الله، وأحسن السنن سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأحسن القصص هذا القرآن.

أما بعد:

أيها المسلمون: من أسماء الله وصفاته الكريم؛ فهو -عز وجل- جواد كريم معطاء، يرزق من يشاء بغير حساب، ويجازي العمل القليل بالكثير: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنغام: 165]، وهو -عز وجل- يجازي من أطاعه في سنين الدنيا القليلة بالنعيم المقيم، ومن كرمه -سبحانه وتعالى- أنه إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإذا رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى.

ومن كرمه أن يجيب دعوة الداعين؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حيي كريم؛ يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين". فالله -عز وجل- يحب الكرم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تعالى كريم يحب معالي الأخلاق ويكره سفاسفها".

والكرم من شيم الرجال، ومن خصال الأبرار؛ فإن الكريم هو الذي يهب المال؛ لا لغرض جلب منفعة أو تخليص من مذمة؛ فالكريم من يوصل النفع بلا عوض.

وقد كانت العرب مشتهرة بالكرم أيام الجاهلية؛ فجد النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد المطلب -واسمه شيبة- كان يقال له: شيبة الحمد لجوده وجماع أمر قريش إليه، وكان رجلاً كريمًا، ووالد عبد المطلب -أي جد والد النبي -صلى الله عليه وسلم- هائم، واسمه عمرو، وسمِّي هاشمًا لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في أعواج الجوع، والجد الخامس للنبي -صلى الله عليه وسلم- اسمه قصي بن كلاب، فرض على قريش خرجًا يؤدونه إليه لينفق منه على إطعام فقراء الحجاج، والذي يلتّ السويق للحاج، أي يضع لهم طعامًا، وهذه كانت عبادة للمشركين، فلأجل عمله الصالح الذي كان يعمله وهو إكرام حجاج بيت الله.

وأكرم البشر هم أنبياء الله ورسله -عليهم السلام-؛ فهذا إبراهيم -عليه السلام-، حين جاءته الملائكة بالبشرى، قيل: بإسحاق، وقيل: بعذاب قوم لوط، وجاء بعجل حنيذ، فأحسن إكرامهم، وأسرع في إطعامهم دون تأخير، كما وصف الله ذلك: (فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود : 69]، فذبح لهم عجلاً وشواه على الحجارة المحماة ثم قرّبه لهم.

وأكرم من وطئ الثرى هو محمد -صلى الله عليه وسلم-، كان أجود الناس كما ذكر واصفوه -ابن عباس وأنس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس، وكان أجود الناس، وذكر علي -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان أجود الناس، وأوسع الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة.

ولك أن تعرف أن الدنيا في عين النبي -صلى الله عليه وسلم- صغيرة، تأتيه الغنائم والعطايا ثم يوزعها على الناس، بل قال لهم يوم حنين: "لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا كذابًا، ولا جبانًا".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لو أن لي مثل أحد ذهبًا ما سرّني أن يأتي عليّ ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين". يُهدى له شملة منسوجة فيها حاشيتها وهو محتاج إليها ثم يعطيها لغيره في نفس مجلسه.

أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمال من البحرين فقال: "انثروه في المسجد". قال: وكان أكثر مال أتى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحدًا إلا أعطاه، إذ جاءه العباس فقال: يا رسول الله: أعطني؛ فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً، قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "خذ". فحثا في ثوبه، ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: مر بعضهم يرفعه إليّ، قال: "لا"، قال: فارفعه أنت عليّ، قال: "لا"، قال: نثر منه ثم احتمله فألقاه على كاهله ثم انطلق، قال: فما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُتبعه بصره حتى خفي عليه عجبًا من حرصه، فما قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وثم منها درهم.

بل كان -عليه الصلاة والسلام- من كرمه أن يعد الناس بالمال قبل أن يأتيه كما في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو قد جاء مال البحرين قد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا". فلم يجئ مال البحرين حتى قبض النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما جاء مال البحرين أمر أبا بكر فنادى: من كان له عند النبي -صلى الله عليه وسلم- عدة أو دين فليأتنا، فأتيته فقلت: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لي كذا وكذا، فحثى لي حثية فعددتها فإذا هي خمسمائة، وقال: "خذ مثليها".

قال ابن رجب في وصف كرم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنه يعطي عطاءً يعجز عنه ملوك مثل كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: أكرم الناس بعد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- صحابته -رضي الله عنهم-؛ فقد رباهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على البذل والعطاء، فقدموا أنفسهم ومهجهم وأرواحهم وأموالهم وأولادهم في سبيل الله، وتركوا طيب المقام في مكة والمدينة، وخرجوا إلى بلاد بعيدة غير بلادهم يعلمون الناس الدين، يرجون الثواب من رب العالمين.

ذكر ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه أهدى لرجل رأس شاه فقال: إن أخي في الإسلام وعياله أحوج منا إلى هذا، فبعث به إليه، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجعت إلى الأول بعد سبعة.

والأمثلة كثيرة في البذل والعطاء من أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أو عثمان أو غيرهما...

ثم اعلموا أنه لما كان الكرم من أنواعه بذل المال للغير؛ أراد الشارع الحكيم أن يكون هذا البذل والعطاء لله لا لثناء الناس عليه؛ ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أول الناس يقضى لهم يوم القيامة ثلاثة، وذكر منهم رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتى به فعرفه نعمة فعرفها فقال: ما عملت فيها؟! قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكن ليقال: إنه جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه فألقي في النار".

فتحلَّ بصفات الأبرار: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا).

والكرم لا يكون ببذل المال فقط كما قال ابن حجر: لا يقال للرجل كريم حتى يظهر ذلك منه، ولما كان أكرم الأفعال ما يقصد به أشرف الوجوه، وأشرفها ما يقصد به وجه الله تعالى، وإنما يحصل ذلك من التقي، قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وقال عمر -رضي الله عنه-: "كرم المؤمن تقواه".

ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوسف -عليه السلام- إنه "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم"، فوصف كل واحد منهم بالكرم لما كانوا عليه من التقوى، فكن كريمًا ببذل مالك في أوجه الخير في حياتك وبعد مماتك، وكن كريمًا بالعبادة والمعاملة.

هذا، وصلوا وسلموا على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كما أمركم الله بذلك فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين..

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
 

 

 

 

 

المرفقات
إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات